مطاردة السراب

مطاردة السراب بقلم/ حسام أبومسلم

مطاردة السراب 35343_413939186573_503126573_5253892_2498211_n

[rtl]فات الكثير من الوقت وأنا لازلت أنظر إلى هذا الجدار الأبيض العاري الخالي من النقوش والذي يعكس ما اشعر به, مستلقٍ على ظهري لا اشعر بملامسة السرير لجسدي من طول فترة استلقائي عليه.[/rtl]

يشغلني التفكير بالمستقبل... تظهر لي من وقت لآخر أشباحٌ من الماضي... ولا شئ يذكرنني بأنني أعيش الحاضر سوى بعض الألم في عظام ساقيّ والناتج عن الهواء البارد المتسرب من النافذة. لا أذكر مكان لساني فأنا لم أستعمله منذ وقت طويل, تتزاحم الافكار في رأسي وتختفي وتختفي آثارها كلما اقتربت منها كما لو كانت خائفة ان تصارحني. ولا يؤلمني إلا هذا الفراغ الذي يتمثل في كل شئٍ في حياتي.

فراغ المعدة من الطعام, أن تجوع, شعور بالحرمان ما أصعبهُ خاصةً إذا كنت مجبراً عليه. ولكنه ليس حتماً النوع الذي أعانيه, فأنا أعاني ماهو أثقل على النفس من غيره, فراغ العقل من الفكرة وفراغ القلب من العاطفة. فهما يمثلان الحرمان من هدف يستقيم عليه شكل حياتك, ومن شعورٍ يلهمك الرغبة في الحياة ذاتها. نوعان من الجوع يقتلان صاحبهما دون أن تُنْزَعِ الروحُ منه, فلا هو حيىٌّ ولا هو ناجٍ من ألم التيه في سؤالٍ نصُّه ماذا أريد؟؟

فينتهي به الحال إلى عالم الصمت بعدما ينفذ مالديه من الضجيج والصراخ, وتسيطر عليه الوحدة بعد أن تقتلهُ نظرات الناس.

فالصمت لغة لا يستطيع ترجمتها إلا من أحب وتفانى في تأمُّلِ من أحب ونظر إليه من الداخل ولمس قلبه. شخصٌ يعرفك وأنت مجردٌ من قناع كلمة تمزقك من الداخل إلى الخارج حتى تصل إلى لسانك تتظاهر بها أنك على خير ما يرام, ومن قناع البسمةِ التي ترتسم على شفتيك فيكاد وجهك ان يتشقق بعد انتهائها لعطشه أن يرتوي بفرحة حقيقية تغمر القلب فترتسم البسمة على الوجه تلقائياً.

تلجأ إلى الوحدة لأنك لم تعد تطيق التظاهر بأنك في أحسن حال, خشية أن يشمت بك عدو, أو يشفق عليك حبيب, أو أن يظهر منك للناس ما يستوجب التبرير.

لا أدري ماذا حلَّ بي بعد ما توصلت إلى ماكنت أظن أن فيه انقضاء معاناتي!!!

ولا أدري لماذا تغيرت الأحلامُ فصار حلم الأمس كابوس اليوم وأصبحتُ أخاف أن أحلم!! فأنا لا أنام حتى أحلم, بل أموت في كل لحظةٍ تحرقاً على ما خلَّفتُ وراء ظهري.

أتدري ماذا خلَّفتُ وراء ظهري؟!

خلفت وراء ظهري أباً وأُمَّاً لم يبق في حياتهما أكثر مما مضى, خلفت وراء ظهري بيتاً يعرف عني أكثر مما أعرف عن نفسي, خلفت وراء ظهري صحبةً كان حزني بينهم أجمل من فرحي مع غيرهم. خلفت وراء ظهري أوَّل حبٍ, وأول جرح, وأول فرحة من القلب, وأول نظرة من عين إنسان احب..... خلفت وراء ظهري حياة. جئت إلى هنا باحثاً عن الحلم... جئت بجسدي وأبت روحي إلا أن تبقى, فتحقق انتزاع الروح من الجسد.

في آخر مكالمة سألت أبي عن إذا ما كان يريد شيئاً, فأجابني: إنما أريدك بخير.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تتردد فيها هذه الكلمة على سمعي, ولكنني انتبهت لها هذه المرة وكأنما وضع تحتها مائة ألف خط. لم تكن بالنسبة لي هذه المرة مجرد كلمة تقال بحكم العادة, ولم أكف عن سؤال نفسي ماذا يريدني أن أصبح!!! وماهي المعايير التي بتحققها يتحقق كوني بخير؟ أن أكون غنياً؟ ناجحاً؟ أم سعيداً مهما كانت الظروف؟ أم أنه أراد أن يكون لي مستقبل؟؟

وما هو المستقبل إلا شكل من أشكال الزمن, ما أن نصل إليه حتى يتحول إلى ماضٍ.

لماذا نتعب أنفسنا إلى هذا الحد لبناء ذلك المستقبل في تلك الحياة التي نمر فيها مرور الكرام؟!

نفرط في اللحظة التي نعيشها من أجل اللحظة التي ربما لن تأت أبداً, وإن اتت فلن نعيشها لأننا اعتدنا الانشغال بما سيأتي.

نفرط في السعادة نفسها من أجل أشياء ستجعلنا نبدو أسعد مما نحن عليه الآن.

نثبت لغيرنا أننا نستطيع ونثبت لأنفسنا أننا حمقى.

نطارد السراب فتضيع حيواتنا من بين أيدينا ونحن نبتسم لها مودعين.

ترعبنا مرارة الاحتياج, فننسي أن الاحتياج في وسط من احبونا خير من الامتلاك في وسط من أحبوا ما نملك.

نغفل عن أن العطاء هو الحياة, وان الحياة هي اليوم, وأن اليوم سينقضي ثم لن يبقى منا إلا بصمةً تركناها في قلوب من أحبونا