يخيرك اين يصيبك بعينة

العين قاتلة وأصحابها يخيرون ضحاياهم أين يريدونها

الإنسان قد يصيب بها نفسه أو من يحب

العين الحارة .. قاتلة .. تضع الرجل في القبر والجمل في القدر . يتداول الناس عنها حكايات أغرب من الخيال ، ويصعب على العقل تصديقها لكنها حق كما هو ثابت في الكتاب والسُنة ، وفي هذه الحلقة من " المسكوت عنه " نقدم لكم بعض الحكايات التي يرويها أصحابها بأنفسهم ، كما نعرض لحقيقة العين وأسبابها والطرق الشرعية الثابتة للتداوي منها وعلاجها . كما نعرض للطرق المناسبة للتعامل مع هذه الحالات ومع الشخص الذي يعرف عنه أنه يصيب بالعين .. حتى نقف معكم على حقيقة الأمر كاملة .. لنزيل معكم بعض الغموض عما خفي ويخفى على البعض منا في شأن العين والإصابة بها .

حـقـيـقـة الـعـيــن

قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – عن حقيقة العين " هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة ، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه أثرت فيه ولابد وأن صادفته حذراً شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام ، لم تؤثر فيه " .

والعين تكون مع الإعجاب بالشيء ولو بغير حسد ، ولو من الرجل المحب أو الصالح . كما تكون مع الحسد ، وهو الغالب على من لم يخف الله عز وجل ويتقه في عباده ، ويعلم أن الله هو الذي يبسط ويقبض .

تـــــأثـــيـر الـــعــيـن

تأثير العين ثابت في الكتاب والسُنة ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال عنها " إن العين حق " ، وقد أمرنا أن نسترقي من العين . قال الله تعالى { وإن يكاد الذي كفروا ليزلقونك بأبصارهم } قال ابن عباس وغيره في تفسير الآية أي يعينوك بأبصارهم ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم .

ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة إن عامر بن ربيعه مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال " لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة " ، فما لبث أن لبط به فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : أدرك صريعاً ، فقال : من تتهمون ؟ قالوا : عامر بن ربيعه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " علام يقتل أحدكم أخاه ، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة " ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه ، وفي لفظ يكفأ الإناء من خلفه . والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره .

وعن مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال دُخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما : " مالي أراهما ضارعين " فقالت حاضنتهما : يا رسول الله أنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك شيء القدر لسبقته العين .

وعنه عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت صبي يبكي فذكروا أن به العين ، قال عروة : قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ألا تسترقون له من العين " أوردهما الإمام مالك في الموطأ .

وقد قال الله تعالى حاكياً عن يعقوب عليه السلام : { يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } ( يوسف 67 ) .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنه خشي عليهم العين وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء ، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه ، وقوله تعالى { وما أغني عنكم من الله من شيء } أي وهذا الاحتراز لا يرد قضاء الله وقدره ، فإن الله إذا أراد شيئاً لا يمانع ولا يخالف .

حــكـايــات وغــرائـــب

ومن الحكايات الغريبة التي نسمعها بصورة شبه يومية عن الإصابة بالعين والقدرات الخارقة لأصحابها ما روته السيدة ( فاطمة . س ) قائلة : نحن نعاني معاناة شديدة مع زوجي وأبو أولادي فهو بالفعل ( عينه حارة ) وحتى هو يعلم ذلك ، ولا يكاد يمر يوم علينا لا تنكسر فيه مرآة أو ثريا أو كاسة عصير أو إبريق شاي ، وآخر ما حدث معنا للأسف الشديد حدث مع أخي الأصغر عندما اشترى سيارة جديدة يابانية بـ 73 ألف ريال وبعد إن ذهب بها للمغسلة وأزال الزيوت من عليها وعاد للبيت وقابله زوجي قال له بالحرف الواحد : وش ذي ألماني ؟ .. ضحك أخي ولم يدرك العاقبة ، وفي اليوم التالي وجد أخي زجاج سيارته مكسوراً وفي اليوم التالي ( خبط الجير ) وبعد أسبوع فقط تشققت المقاعد الجلد وباعها بعد أقل من شهر بنصف ثمنها .

ويقول ( أحمد . ع ) لي صديق عزيز جداً نحبه جميعاً رغم أننا نعرف إن ( عينه قوية وما تخطئ ) لأنه خفيف ظل وصحبته طيبة ، ولكن في مرة من المرات كان معي في سيارتي وفجأة قال لي : خرجت العين ، وين تبغاها ، اختار في نفسك وإلا في بيتك وإلا في السيارة ؟ .. ضحكت وقلت له : تعوذ من الشيطان ، وأترك عنك هذه الأمور ، فقال لي : أقول لك تخير وين تبغاها ما عاد ترجع . فقلت له : لا والله ، في السيارة يا أخي إذا كان ولا بد ، وبعد إن أوصلته للمنزل وأنا في طريق العودة توقفت سيارتي فجأة وقد خسرت على إصلاحها 8000 ريال لأن الماكينة قد ( خبطت ) مع إنها جديدة .

وكذلك تقول ( منى . أ ) حدثت معنا قصة متعلقة بالعين فقد كان لي أخ متفوق في دراسته وقد حصل على الماجستير وبدأ في تحضير الدكتوراه وكان أناس من جماعتنا دائما ينتقدونه ويقولون له : " وش لك والدراسة ؟ " تزوج وأفتح لك بيت أفضل لك ودائما يتحدثون عنه وكأنه على رؤوسهم . وفي يوم من الأيام أصيب أخي بدمامل كثيرة ملأت جسمه وكان يتألم منها بشدة وترك دراسته وأمضى فترات طويلة في العلاج ، ولكن للأسف الشديد لا زالت هذه الدمامل تظهر على جسده في نفس الموعد الذي قبل فيه للدكتوراه منذ سنوات ولا زال على حاله حتى اليوم .. " الله لا يوفقهم .. حطموا مستقبله بدون ذنب " . وكثيرة هي الحكايات التي على هذه الشاكلة وإن اختلفت في أحداثها ووقائعها ولكنها تثبت وجودها في المجتمع ، وقناعة الناس حول حدوثها . ويروي البعض حولها ما يشبه الأساطير .

عــلاج الـمـصـاب بـالــعـيـن

وعن علاج العين قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – إنه في حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي :

1 -   القراءة : فقط قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا رقية إلا من عين أو حمة " وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : " باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس ، أو عين حاسد ، الله يشفيك ، باسم الله أرقيك " .

2 -   الاستغسال : كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعه ( في الحديث الذي ذكرناه سابقاً ) ثم يصب على المصاب . أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل ، وكذلك الأخذ من أثره ، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم . والتحرز من العين مقدماً لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل ، لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة " ، ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليه السلام " . رواه البخاري .

ومن أصيب بالعين يعامل بالقراءة ، وإذا علم عائنه فإنه يطلب منه أن يتوضأ ويؤخذ ما يتساقط من ماء وضوئه ثم يعطي للمصاب يصب على رأسه وعلى ظهره ويسقى منه وبهذا يشفى بإذن الله . وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الطاقية وما أشبه ذلك ويربصونها بالماء ثم يسقونها المصاب ، ورأينا ذلك يفيده حسبما تواتر عندنا من النقول ، فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله ، لأن السبب إذا ثبت كونه سبباً شرعاً أو حساً فإنه يعتبر صحيحاً . مثل أولئك الذين يعتمدون على التمائم ونحوها يعلقونها على أنفسهم ليدفعوا بها العين فإن هذا لا أصل له ، سواء كانت هذه من القرآن الكريم ، أو من غير القرآن الكريم ، وقد رخص بعض السلف في تعليم التمائم إذا كانت من القرآن الكريم ودعت الحاجة إليها .

الـرقـيـة الـشـرعـيـة مـن الـعـيـن

وقد ثبت إن الرقية من العين تكون على النحو التالي :-

1 – يقرأ المعين آيات الرقية في إناء به ماء ثم يغتسل منه عدة مرات .

2 – يضع المعين أو الراقي أو العائن يده على موضع الضرر ، ويقرأ الرقي الآتية :

-       بسم الله ارقيك من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس ، أو عين حاسدة ، الله يشفيك ، باسم الله ارقيك .

-       اللهم اذهب الباس رب الناس ، وأشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً .

-       اللهم بارك عليه ولا تضره

-       قراءة سورة الفاتحة سبع مرات .

-       قراءة الآيات : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ، الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير } . ( المُلك 1-4 ) .

-       ما شاء الله لا قوة إلا بالله ( الكهف 39 ) .

-       فتبارك الله أحسن الخالقين ( المؤمنون 14 )

ثم ينفث الراقي في يديه بـ " قل هو الله أحد ، والمعوذتين " ثم يمسح بهما موضع الضرر ثلاث مرات ، ثم يكرر ذلك .

أقـسـام عــلاج الـعـيـن

ويؤكد الشيخ سعيد بن علي القحطاني إن علاج الإصابة بالعين أقسام : القسم الأول قبل الإصابة وهو أنواع :

1-    التحصين وتحصين من يخاف عليه بالاذكار ، والدعوات والمعوذات المشروعة .

2-    يدعو من يخشى أو يخاف الإصابة بعينه إذا رأى من نفسه أو ماله أو ولده أو أخيه أو غير ذلك مما يعجبه بالبركة " ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، اللهم بارك عليه .

3-             ستر محاسن من يخاف عليه العين .

القسم الثاني : بعد الإصابة بالعين ، وهي أنواع :

1-        إذا عُرف العائن ، أُمر أن يتوضأ ثم يغتسل منه المصاب بالعين .

2-        الإكثار من قراءة " قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، وفاتحة الكتاب وآية الكرسي ، وخواتيم سورة البقرة ، والأدعية المشروعة في الرقية ومسح موضع الألم باليد اليمنى .

3-        يقرأ في ماء مع النفث ثم يشرب منه المريض ويصب عليه الباقي أو يقرأ في زيت ويدهن به ، وإذا كانت القراءة في ماء زمزم كان أكمل أن تيسر أو ماء من السماء ( المطر ) .

4-        لا بأس أن تكتب للمريض آيات من القرآن ، ثم تغسل ويشربها مما ذكر سابقاً مع الرقية .

القسم الثالث : عمل الأسباب التي تدفع عين الحاسد وهي كالتالي :-

1-    الاستعاذة بالله من شره .

2-        تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه سبحانه " احفظ الله يحفظك " .

3-        الصبر على الحاسد والعفو عنه ، فلا يقاتله ، ولا يشكوه ، ولا يحدث نفسه بأذاه .

4-        التوكل على الله فمن يتوكل على الله فهو حسبه .

5-        لا يخاف الحاسد ولا يملأ قلبه بالفكر فيه وهذا من أنفع الأدوية .

6-        الإقبال على الله والإخلاص له وطلب مرضاته سبحانه .

7-        التوبة من الذنوب لأنها تسلط على الإنسان أعداءه { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } .

8-        الصدقة والإحسان ما أمكن فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء والعين وشر الحاسد .

9-        إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه فكلما أزداد لك أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً ونصيحة وعليه شفقة وهذا لا يوفق له إلا من عظم حظه من الله .

10-   تجريد التوحيد واخلاصه للعزيز الحكيم الذي لا يضر شيء ولا ينفع إلا بإذنه سبحانه وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين .

فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر بإذن الله .