المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 544 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 544 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
تقسير ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
تقسير ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾
مع آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)
مع آية
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا [1] الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 95، 96].
الصيد: يُطلق على المصدر؛ أي: التصيُّد، ويطلق على اسم المفعول، وهو المَصيد.
وتعريفه شرعًا: هو اقتِناص حيوان حلال متوحِّش طبعًا، غيرِ مملوك ولا مقدورٍ عليه.
والأصل في الصيد الإباحةُ بالكتاب والسُّنة والإجماع.
أما في الكتاب، فقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، وقوله: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ [المائدة: 96].
وأما السُّنة فشهيرة؛ منها ما رواه أبو ثعلبةَ الخُشنيُّ رضي الله عنه قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنَّا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكلُ في آنيتهم؟ وفي أرضِ صيد أَصيد بقوسي - القوس آلةُ رمي قديمة معروفة - وبكلبي الذي ليس بمعلَّم وبكلبي المعلَّم - أي: المدرَّب على الصيد - فما يصلح لي؟ قال: ((أما ما ذكَرتَ - يعني: مِن آنية أهل الكتاب - فإن وجدتُم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكُلوا فيها، وما صِدتَ بقوسك فذكرتَ اسم الله عليه فكُلْ، وما صدتَ بكلبك فذكرت اسم الله عليه فكُل، وما صِدتَ بكلبك غير المعلَّم فأدركتَ ذَكاتَه فكُل))[2].
وأجمع العلماء على مشروعية الصيد، وهو من الهوايات المحبَّبة، وكان العرب مولَعين به، ويعدُّونه من اللذَّات التي يتَنافس عليها ملوكُهم وأمراؤهم، ولكن لا ينبغي جعلُه مَلهاةً؛ لأنَّ طلبه لهذا القصد ضياعٌ لأوقات العمر الثمينة التي تدرَك بها طاعة الله، وما يَنفع الإنسانَ في حياته، وينفع مجتمعَه، وإزهاقُ نفس الحيوان لغير قصد أكله أيضًا لا يجوز؛ لأنه إتلافٌ له بلا مسوِّغ، وقد جعل الله تعالى في بقائه فوائدَ ومنافع كثيرة[3].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وهذا تحريمٌ منه تعالى لقتل الصَّيد في حال الإحرام ونهيٌ عن تعاطيه فيه، وهذا يتناول من حيث المعنى المأكولَ، وما تولَّد منه ومن غيره، فأما غيرُ المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعيِّ يجوز للمُحرِم قتلُها، والجمهور على تحريم قتلها أيضًا، ولا يُستثنى إلا ما ثبَت في الصحيحين عن عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خمسٌ من الدواب كلُّهن فاسق، يُقتَلن في الحرَم: الغُراب، والحِدَأة، والعقرب، والفأرةُ، والكلب العَقور))[4].
وقال مالكٌ: عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس من الدواب ليس على المحرِم في قتلهنَّ جُناح: الغراب، والحِدَأة، والفأرة، والعَقرب، والكلب العقور))[5]، قال أيوب لنافع: والحيَّة؟ قال: الحية لا شكَّ فيها، ولا يُختلف في قتلها.
ومن العلماء كمالكٍ وأحمد مَن ألحق بالكلب العقور الذئب والسبُعَ والفهد؛ لأنها أشدُّ ضررًا منه والله أعلم، وقال زيد بن أسلم: الكلب العَقور يشمل هذه السِّباع العاديَةَ كلَّها، واستأنَس من قال بهذا بما رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دَعا على عُتبة بنِ أبي لهب قال: ((اللهم سلِّط عليه كلبَك بالشام))، فأكلَه السَّبُع بالزرقاء.
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]، الذي عليه الجمهورُ أن العامد والناسِيَ سواءٌ في وجوب الجزاء عليه، وقال الزهري: دل الكتاب على العمد، والسنَّة على الناسي.
ومعنى هذا أن القرآن دلَّ على وجوب الجزاء على المتعمِّد وتأثيمه بقوله: ﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ﴾ [المائدة: 95]، وجاءت السُّنة من أحكام النبي وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دلَّ الكتاب عليه في العمد.
وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمونٌ في العمد والنِّسيان، لكن المتعمد مأثوم، والمخطئ غير ملوم.
وقوله تعالى: ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95] حكى ابنُ جرير أن ابن مسعود قرأ: (فجزاؤه مثلُ ما قتَل من النَّعَم) على كلٍّ من القراءتين دليلٌ لما ذهب إليه الجمهور من وجوب الجزاء من مِثل ما قتلَه المُحْرِم إذا كان له مِثلٌ من الحيوان الإنسي، خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله؛ حيث أوجب القيمةَ سواءٌ كان الصيد المقتول مثليًّا أو غير مثلي[6].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى: في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]؛ أي: مُحرِمون في الحجِّ والعمرة، والنهي عن قتله يَشمل النهي عن مقدِّمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، حتى إنَّ من تمام ذلك أنه ينهى المحرم عن أكل ما قُتل أو صِيد لأجله، وهذا كله تعظيمٌ لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام.
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ [المائدة: 95]؛ أي: قتل صيدًا عمدًا ﴿ فـ ﴾ عليه ﴿ جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]؛ أي: الإبل أو البقر أو الغنم، فينظر ما يشبه شيئًا من ذلك فيجب عليه مِثلُه، يذبحه ويتصدَّق به، والاعتبار بالمماثلة ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾؛ أي: عدلان يَعرفان الحكم، ووجه الشَّبه كما فعل الصحابة؛ حيث قضَوا في الحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش على اختلاف أنواعه بقرة، هكذا كل ما يشبه شيئًا من النَّعَم ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئًا ففيه قيمتُه كما هو القاعدة في المتلَفات؛ وذلك الهدي لا بد أن يكون ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾؛ أي: يُذبح في الحرم ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾؛ أي: كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين؛ أي: يُجعل مقابل المثل من النَّعم طعامٌ يطعِم المساكين، قال كثير من العلماء: يُقوَّم الجزاء فيُشترى بقيمته طعام، فيُطعم كل مسكين مُدَّ برٍّ أو نصف صاع من غيره، ﴿ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ ﴾ الطعام ﴿ صِيَامًا ﴾؛ أي: يصوم عن كل إطعام مسكين يومًا؛ ﴿ لِيَذُوقَ ﴾ بإيجاب الجزاء المذكور عليه ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾، ﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ بعد ذلك ﴿ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾.
وإنما نص الله على المتعمِّد لقتل الصيد مع أن الجزاء يَلزم المتعمد والمخطئ كما هي القاعدة الشرعية أن المتلِف للنفوس أو الأموال المحترمة فإنه يضمنُها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير حق؛ لأن الله رتَّب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمتعمِّد، وأما المخطئ فليس عليه عقوبة؛ إنما عليه الجزاء، هذا هو قول جمهور العلماء، والصحيح ما صرَّحَت به الآية أنه لا جزاء على غير المتعمِّد كما لا إثم عليه.
ولما كان الصيد يشمل الصيد البريَّ والبحري؛ استثنى تعالى الصيد البحري، فقال: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾ [المائدة: 96]؛ أي: أُحلَّ لكم في حال إحرامكم ﴿ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾؛ وهو: الحيُّ من حيواناته، ﴿ وَطَعَامُهُ ﴾؛ وهو: الميت منها، فدل ذلك على حِلِّ ميتة البحر ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [7]﴾ [المائدة: 96]؛ أي: الفائدة في إباحته لكم أنه لأجل انتفاعِكم وانتفاع رُفقتكم الذين يَسيرون معكم.
﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: 96]، ويؤخذ من لفظ (الصيد) أنه لا بد أن يكون وحشيًّا؛ لأن الإنسيَّ ليس بصيد، ومأكولاً؛ فإنَّ غيرَ المأكول لا يُصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 96]؛ أي: اتقوه بفِعل ما أمر به وتركِ ما نهى عنه، واستعينوا على تقواه بعِلمكم أنه إليه تُحشرون فيُجازيكم؛ هل قمتُم بتقواه فيُثيبَكم الثواب الجزيل، أو لم تقوموا فيعاقبَكم[8].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وقد احتَجَّ بهذه الآية الكريمة: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ... ﴾ [المائدة: 96] مَن ذهب من الفقهاء إلى أنه تُؤكل دوابُّ البحر، ولم يَستثنِ من ذلك شيئًا، وروى الشافعيُّ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُحلَّت لنا ميتتان ودَمان؛ فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطِّحال))[9].
وقال مالكٌ والشافعي وأحمد والجمهور: إن كان الحَلَالُ قد قَصَدَ المُحرِمَ بذلك الصيد، لم يَجُز للمُحرِم أكلُه؛ لحديث الصَّعب بن جثَّامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء بودَّان، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: ((إنَّا لم نردَّه عليك إلا أنَّا حُرُم))[10].
قالوا: فوجهُه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظنَّ أن هذا إنما صاده من أجله، فردَّه لذلك، فأما إذا لم يقصده بالاصطياد، فإنه يجوز له الأكل منه؛ لحديث أبي قتادة حين صاد حمارًا وحشيًّا وكان حلالاً لم يُحرم، وكان أصحابه مُحرِمين، فتوقفوا في أكله، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((هل كان منكم أحدٌ أشار إليها أو أعان في قتلها؟))، قالوا: لا، قال: ((فكُلوا))، وأكَل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه القصة ثابتة في الصحيحين[11].
[1] القتل لغةً: إفاتة الروح، وهو أنواع، منها: النحر، والذبح، والخنق، والرضخ، وشبهه؛ "أيسر التفاسير"؛ الجزائري.
[2] رواه أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي رحمهم الله تعالى؛ ص. ج للألباني رقم 1363.
[3] تيسير العلام، شرح عمدة الأحكام؛ الشيخ عبدالله صالح البسام.
[4] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى، عن عائشة رضي الله عنها.
[5] رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى وغيرهم عن ابن عمر؛ ص. ج للألباني رقم 3249.
[6] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
[7] السيَّارة جمع سيَّار، قال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر.
[8] تفسير السعدي رحمه الله تعالى.
[9] رواه أحمد وابن ماجه رحمهما الله تعالى وغيرهما؛ ص. ج رقم 210.
[10] الحديث مروي في الصحيحين، وله ألفاظ كثيرة.
[11] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
مع آية
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا [1] الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 95، 96].
الصيد: يُطلق على المصدر؛ أي: التصيُّد، ويطلق على اسم المفعول، وهو المَصيد.
وتعريفه شرعًا: هو اقتِناص حيوان حلال متوحِّش طبعًا، غيرِ مملوك ولا مقدورٍ عليه.
والأصل في الصيد الإباحةُ بالكتاب والسُّنة والإجماع.
أما في الكتاب، فقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، وقوله: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ [المائدة: 96].
وأما السُّنة فشهيرة؛ منها ما رواه أبو ثعلبةَ الخُشنيُّ رضي الله عنه قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنَّا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكلُ في آنيتهم؟ وفي أرضِ صيد أَصيد بقوسي - القوس آلةُ رمي قديمة معروفة - وبكلبي الذي ليس بمعلَّم وبكلبي المعلَّم - أي: المدرَّب على الصيد - فما يصلح لي؟ قال: ((أما ما ذكَرتَ - يعني: مِن آنية أهل الكتاب - فإن وجدتُم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكُلوا فيها، وما صِدتَ بقوسك فذكرتَ اسم الله عليه فكُلْ، وما صدتَ بكلبك فذكرت اسم الله عليه فكُل، وما صِدتَ بكلبك غير المعلَّم فأدركتَ ذَكاتَه فكُل))[2].
وأجمع العلماء على مشروعية الصيد، وهو من الهوايات المحبَّبة، وكان العرب مولَعين به، ويعدُّونه من اللذَّات التي يتَنافس عليها ملوكُهم وأمراؤهم، ولكن لا ينبغي جعلُه مَلهاةً؛ لأنَّ طلبه لهذا القصد ضياعٌ لأوقات العمر الثمينة التي تدرَك بها طاعة الله، وما يَنفع الإنسانَ في حياته، وينفع مجتمعَه، وإزهاقُ نفس الحيوان لغير قصد أكله أيضًا لا يجوز؛ لأنه إتلافٌ له بلا مسوِّغ، وقد جعل الله تعالى في بقائه فوائدَ ومنافع كثيرة[3].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وهذا تحريمٌ منه تعالى لقتل الصَّيد في حال الإحرام ونهيٌ عن تعاطيه فيه، وهذا يتناول من حيث المعنى المأكولَ، وما تولَّد منه ومن غيره، فأما غيرُ المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعيِّ يجوز للمُحرِم قتلُها، والجمهور على تحريم قتلها أيضًا، ولا يُستثنى إلا ما ثبَت في الصحيحين عن عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خمسٌ من الدواب كلُّهن فاسق، يُقتَلن في الحرَم: الغُراب، والحِدَأة، والعقرب، والفأرةُ، والكلب العَقور))[4].
وقال مالكٌ: عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس من الدواب ليس على المحرِم في قتلهنَّ جُناح: الغراب، والحِدَأة، والفأرة، والعَقرب، والكلب العقور))[5]، قال أيوب لنافع: والحيَّة؟ قال: الحية لا شكَّ فيها، ولا يُختلف في قتلها.
ومن العلماء كمالكٍ وأحمد مَن ألحق بالكلب العقور الذئب والسبُعَ والفهد؛ لأنها أشدُّ ضررًا منه والله أعلم، وقال زيد بن أسلم: الكلب العَقور يشمل هذه السِّباع العاديَةَ كلَّها، واستأنَس من قال بهذا بما رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دَعا على عُتبة بنِ أبي لهب قال: ((اللهم سلِّط عليه كلبَك بالشام))، فأكلَه السَّبُع بالزرقاء.
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]، الذي عليه الجمهورُ أن العامد والناسِيَ سواءٌ في وجوب الجزاء عليه، وقال الزهري: دل الكتاب على العمد، والسنَّة على الناسي.
ومعنى هذا أن القرآن دلَّ على وجوب الجزاء على المتعمِّد وتأثيمه بقوله: ﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ﴾ [المائدة: 95]، وجاءت السُّنة من أحكام النبي وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دلَّ الكتاب عليه في العمد.
وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمونٌ في العمد والنِّسيان، لكن المتعمد مأثوم، والمخطئ غير ملوم.
وقوله تعالى: ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95] حكى ابنُ جرير أن ابن مسعود قرأ: (فجزاؤه مثلُ ما قتَل من النَّعَم) على كلٍّ من القراءتين دليلٌ لما ذهب إليه الجمهور من وجوب الجزاء من مِثل ما قتلَه المُحْرِم إذا كان له مِثلٌ من الحيوان الإنسي، خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله؛ حيث أوجب القيمةَ سواءٌ كان الصيد المقتول مثليًّا أو غير مثلي[6].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى: في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]؛ أي: مُحرِمون في الحجِّ والعمرة، والنهي عن قتله يَشمل النهي عن مقدِّمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، حتى إنَّ من تمام ذلك أنه ينهى المحرم عن أكل ما قُتل أو صِيد لأجله، وهذا كله تعظيمٌ لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام.
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ [المائدة: 95]؛ أي: قتل صيدًا عمدًا ﴿ فـ ﴾ عليه ﴿ جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]؛ أي: الإبل أو البقر أو الغنم، فينظر ما يشبه شيئًا من ذلك فيجب عليه مِثلُه، يذبحه ويتصدَّق به، والاعتبار بالمماثلة ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾؛ أي: عدلان يَعرفان الحكم، ووجه الشَّبه كما فعل الصحابة؛ حيث قضَوا في الحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش على اختلاف أنواعه بقرة، هكذا كل ما يشبه شيئًا من النَّعَم ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئًا ففيه قيمتُه كما هو القاعدة في المتلَفات؛ وذلك الهدي لا بد أن يكون ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾؛ أي: يُذبح في الحرم ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾؛ أي: كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين؛ أي: يُجعل مقابل المثل من النَّعم طعامٌ يطعِم المساكين، قال كثير من العلماء: يُقوَّم الجزاء فيُشترى بقيمته طعام، فيُطعم كل مسكين مُدَّ برٍّ أو نصف صاع من غيره، ﴿ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ ﴾ الطعام ﴿ صِيَامًا ﴾؛ أي: يصوم عن كل إطعام مسكين يومًا؛ ﴿ لِيَذُوقَ ﴾ بإيجاب الجزاء المذكور عليه ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾، ﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ بعد ذلك ﴿ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾.
وإنما نص الله على المتعمِّد لقتل الصيد مع أن الجزاء يَلزم المتعمد والمخطئ كما هي القاعدة الشرعية أن المتلِف للنفوس أو الأموال المحترمة فإنه يضمنُها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير حق؛ لأن الله رتَّب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمتعمِّد، وأما المخطئ فليس عليه عقوبة؛ إنما عليه الجزاء، هذا هو قول جمهور العلماء، والصحيح ما صرَّحَت به الآية أنه لا جزاء على غير المتعمِّد كما لا إثم عليه.
ولما كان الصيد يشمل الصيد البريَّ والبحري؛ استثنى تعالى الصيد البحري، فقال: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾ [المائدة: 96]؛ أي: أُحلَّ لكم في حال إحرامكم ﴿ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾؛ وهو: الحيُّ من حيواناته، ﴿ وَطَعَامُهُ ﴾؛ وهو: الميت منها، فدل ذلك على حِلِّ ميتة البحر ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [7]﴾ [المائدة: 96]؛ أي: الفائدة في إباحته لكم أنه لأجل انتفاعِكم وانتفاع رُفقتكم الذين يَسيرون معكم.
﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: 96]، ويؤخذ من لفظ (الصيد) أنه لا بد أن يكون وحشيًّا؛ لأن الإنسيَّ ليس بصيد، ومأكولاً؛ فإنَّ غيرَ المأكول لا يُصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 96]؛ أي: اتقوه بفِعل ما أمر به وتركِ ما نهى عنه، واستعينوا على تقواه بعِلمكم أنه إليه تُحشرون فيُجازيكم؛ هل قمتُم بتقواه فيُثيبَكم الثواب الجزيل، أو لم تقوموا فيعاقبَكم[8].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وقد احتَجَّ بهذه الآية الكريمة: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ... ﴾ [المائدة: 96] مَن ذهب من الفقهاء إلى أنه تُؤكل دوابُّ البحر، ولم يَستثنِ من ذلك شيئًا، وروى الشافعيُّ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُحلَّت لنا ميتتان ودَمان؛ فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطِّحال))[9].
وقال مالكٌ والشافعي وأحمد والجمهور: إن كان الحَلَالُ قد قَصَدَ المُحرِمَ بذلك الصيد، لم يَجُز للمُحرِم أكلُه؛ لحديث الصَّعب بن جثَّامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء بودَّان، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: ((إنَّا لم نردَّه عليك إلا أنَّا حُرُم))[10].
قالوا: فوجهُه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظنَّ أن هذا إنما صاده من أجله، فردَّه لذلك، فأما إذا لم يقصده بالاصطياد، فإنه يجوز له الأكل منه؛ لحديث أبي قتادة حين صاد حمارًا وحشيًّا وكان حلالاً لم يُحرم، وكان أصحابه مُحرِمين، فتوقفوا في أكله، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((هل كان منكم أحدٌ أشار إليها أو أعان في قتلها؟))، قالوا: لا، قال: ((فكُلوا))، وأكَل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه القصة ثابتة في الصحيحين[11].
[1] القتل لغةً: إفاتة الروح، وهو أنواع، منها: النحر، والذبح، والخنق، والرضخ، وشبهه؛ "أيسر التفاسير"؛ الجزائري.
[2] رواه أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي رحمهم الله تعالى؛ ص. ج للألباني رقم 1363.
[3] تيسير العلام، شرح عمدة الأحكام؛ الشيخ عبدالله صالح البسام.
[4] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى، عن عائشة رضي الله عنها.
[5] رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى وغيرهم عن ابن عمر؛ ص. ج للألباني رقم 3249.
[6] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
[7] السيَّارة جمع سيَّار، قال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر.
[8] تفسير السعدي رحمه الله تعالى.
[9] رواه أحمد وابن ماجه رحمهما الله تعالى وغيرهما؛ ص. ج رقم 210.
[10] الحديث مروي في الصحيحين، وله ألفاظ كثيرة.
[11] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
حيرتي وصمتي- Vip
- جنسية العضو : غير معروف
عدد المساهمات : 25
تاريخ التسجيل : 10/09/2014
عيون الريم- مشرفة قسم المعجنات
- جنسية العضو : سعودية
الأوسمة :
عدد المساهمات : 482
تاريخ التسجيل : 13/05/2012
مواضيع مماثلة
» إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر