المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 291 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 291 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 680 بتاريخ الجمعة نوفمبر 22, 2024 11:04 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90187 مساهمة في هذا المنتدى في 31165 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
شرح وتحليل قصيدة الحائية لبن زيدون
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
شرح وتحليل قصيدة الحائية لبن زيدون
شرح وتحليل القصيدة الحائية لبن زيدون
أولا: مناسبة النص نظم الشاعر ابن زيدون قصيدته الحائية بعد فراره من السجن والتجائه إلى بني عبّاد في إشبيلية، وهو يتشوق معاهد قرطبة ويتذكر أيام لهوه في منازلها التي كان يختلف إليها في الأعياد.
ثانيا: النص: (من الطويل)
وتحليل القصيدة الحائية زيدون وتحليل القصيدة الحائية زيدون
1ـ خليلـيَّ لا فطـرٌ يسـرُّ ولا أضحى ... فما حالُ مَنْ أمسى مشوقا كما أضحى؟
2ـ لئن شـاقني شـرقُ العقابِ فلم أزلْ... أخصُّ بممحوض الهـوى ذلك السفحا
3ـ وما انفكَّ جـوفيُّ الرصـافة مُشعِري... دواعيَ ذكرى تُعقِبُ الأسفَ البـرحا
4ـ ويهتـاجُ قصـرُ الفـارسيِّ صبـابةً... لقلبيَ لا تـألوا زنـادَ الأسى قدحـا
5ـ وليس ذميـما عهـدُ مجلسِ نـاصحٍ... فأقبلَ في فـرطِ الوَلـوع به نُصحـا
6ـ كأنيَ لم أشهـد علـى عيـنِ شهـدةٍ... نـزال عتـابٍ، كان آخـرُهُ الفتحـا
7ـ وقائـعُ جـانيها التجني فـإن مشى... سفيـرُ خضـوع بينـنا أكّد الصلحا
8ـ وأيـامُ وصـلٍ بالعقيـق اقتضيتُـهُ... فإلا يكنْ ميعـادُهُ العيـدَ فالفصحـا
9ـ وآصـالُ لهـوٍ فـي مُسنـاةِ مـالكٍ ... معـاطاةَ نَدمـانٍ إذا شئتَ أو سبحـا
10ـ لدى راكـدٍ يُصبيـكَ مـن صفحاتِهِ... قواريرُ خضرٍ خلتَها مُرّدتْ صرحـا
11ـ معـاهدُ لـذاتٍ.. وأوطـانٍ صبـوةٍ... أجلْتُ المُعلّى في الأمـاني بها قدحا
12ـ ألا هـل إلى الزهـراءِ أوبةُ نـازحٍ... تقضّى تنـائيها مدامعُـهُ نزحـا؟؟
13ـ مقاصيـرُ ملـكٍ أشـرقتْ جنبـاتُها... فخلنا العشاءَ الجونَ أثنـاءها صبحا
14ـ يُمثّـلُ قرطيـها لـيَ الوهـمُ جهرةً... فقبّتَها فالكوكبَ الرحبَ فالسطحا
15ـ محـلُّ ارتياحٍ يذكـرُ الخـلدَ طيبُهُ... إذا عزَّ أنْ يصدى الفتى فيه أو يضحى
16ـ هنـاك الجمـامُ الزرقُ تُندي حفافها... ظلالٌ عهدتُ الدهـرَ فيها فتى سمحا
17ـ تعوّضتُ من شـدو القيـانِ خلالها... صدى فلواتٍ قد أطار الكرى ضَبحـا
18ـ ومن حمليَ الكـأسَ المفدّى مديرُها... تقحُّـمُ أهـوالٍ حملتُ لهـا الرمحـا
19ـ أجلْ! إنَّ ليلـي فـوق شـاطئ نيطةٍ... لأقصرَ من ليلـي بـآنةَ.. فالبطحـا
وتحليل القصيدة الحائية زيدون وتحليل القصيدة الحائية زيدون
ثالثا: الدراسةيتكون البيت الشعري من شطرين، وهو أصغر مكونات القصيدة العربية، ويمثل الوحدة الشعرية الصُغرى التي تتألف منها القصيدة. وقد أبدى الشعراء العرب اهتماما ملحوظا ببنائه وطريقة تركيبه. فشعرية أي نص من النصوص الأدبية لا تقوم إلا من خلال تضافر مجموعة من العناصر الأسلوبية واللغوية في سياق ملائم يخدم دلالة النص الكلية، وذلك عن طريق ترتيب الألفاظ وتنسيقها وضم بعضها إلى بعض، ومن ثمّ بناء العبارة التي تنهض بالنص إلى المستوى الذي يرغب به الشعراء، وكلٌّ حسب قدرته. فمن عمل الدراسة التركيبية، أو دراسة علم النحو، هندسة الجملة، وبناء العبارة فيها. نستشف مما تقدم أن مسؤولية الشاعر الكبيرة تقع في اقتناص خصائص الجمال في العمل الأدبي، فهو يستطيع أن يثير الدهشة، ويلفت النظر بأيّ شكل من الأشكال إلى عمله، كأن يعمد إلى خرق القواعد اللغوية والخروج عليها خروجا صحيحا، وأن يبتعد عن الإتباع الحرفيِّ لقوانين اللغة؛ لكي يُحدث الجدة والغرابة في وجدان المتلقي، ويحدث النشوة لديه بتنويعه وابتكاره، ولعل من هذا التنويع والابتكار مجموعة من الأساليب منها:أولا : أسلوبية التقديم والتأخير: مما لا شك فيه أن ظاهرة التقديم والتأخير في لغتنا العربية، وفي نظام بناء جملتها، ما هي إلا خرق لقواعدها المنتظمة، وهدم لقوانينها المتماسكة، وربما تكون من الظواهر التي يبرز فيها جهد المبدع في تحطيمه الإيجابي الذي ينحرف بالجملة أو العبارة عن مسارها الطبيعي إلى مسار الانزياح البلاغي. فترتيب الألفاظ يفترض أن يكون على طريقة معلومة تترتب على ضوئها المعاني المرتبة في النفس؛ ولهذا وضعت المراتب في الجمل، ليقدم هذا على ذاك. وقد يعمد المبدع ـ شاعرا كان أم ناثرا ـ إلى هذا النوع من الأسلوب في التعبير، فيرتب الألفاظ على غير ما يقتضيه ترتيبها، فيقدم ما حقه التأخير، ويؤخر ما حقه التقديم؛ وذلك من أجل تحقيق أبعاد نفسية معينة قد تكون نابعة من طبيعة تجربته الشعورية، وقد تكون نابعة من المعنى الذي يرغب بنقله للمتلقي. وفي حائية الشاعر ابن زيدون يمكن للباحث أن يلمس وجوها عديدة للتقديم في القصيدة. ومن هذه الوجوه تقديم الخبر على المبتدأ في قوله:هنـاك الجمـامُ الزرقُ تُندي حفافها ظلالٌ عهدتُ الدهـرَ فيها فتى سمحاقدم الشاعر الخبر(هناك)على المبتدأ الموصوف(الجمـامُ الزرقُ)، لغرض التوكيد؛ ذلك لأن جواز التقديم مرده إلى التوكيد، ويبدو أنه أراد أن يؤكد حقيقة ثبات شوقه إلى تلك الأرض التي فارقها مجبرا، فزرقة الماء التي تندي ما يحيط بها لا يكون لها وجود إلا في أرضه التي فارقها وليست في مكان آخر. وهنا يكون الشاعر بتقديمه الخبر على المبتدأ قد انحرف بالجملة الاسمية عن مسارها الذهني عند المتلقي إلى مسار آخر له دلالة نفسية وبلاغية، فالشاعر يقدم الخبر؛ لكون ذكره أهم من ذكر المبتدأ، ولكي يتمكن الخبر في ذهن السامع، ولأن في تأخير المبتدأ تشويقا إليه. ثم إن ما يبتغيه الشاعر من التقديم الجائز هو التوكيد، فاستطاع الشاعر ـ من كل ذلك ـ أن ينقل تجربته الشخصية إلى المتلقي، وذلك عن طريق تأكيد المكان الأثير إلى نفسه. ومن وجوه التقديم الأخرى تقديم المفعول به، فقواعد اللغة التي استنبطها النحاة من كلام العرب تحتم على المتكلم أن يأتي بالفعل كمرتبة أولى، ثم الفاعل، ثم المفعول به، ولكن العرب خرجت عن هذا الجمود فقدمت المفعول به على الفاعل تارة، وقدمته(المفعول) على الفعل الناصبة له تارة أخرى. ومن أمثلة تقديم المفعول به على الفاعل قوله:
لئن شـاقني شـرقُ العقابِ فلم أزلْ أخصُّ بممحوض الهـوى ذلك السفحا
تقدم المفعول به الضمير(الياء) في قوله (شـاقني) على الفاعل ومضافه (شرقُ العقابِ). وهذا التقديم جائز في اللغة لعدم وجود اللبس في الكلام، فكأنما أراد الشاعر الإشارة إلى أن الشوق إلى شـرق العقاب قد أصابه هو لا غيره. ومهما يكن من شيء فإن العناية والاهتمام بالمفعول هي سبب تقديمه على عامله، فالعرب عندما تقدّم المفعول به كأنهم يقدمون الذي بيانه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى. ومن وجوه التقديم الأخرى في القصيدة تقديم شبه الجملة على الفاعل، والظاهر أن العناية والاهتمام بالمقدم هما الغرض الرئيس من كل تقديم، سواء أكان تقديم خبر أم مفعول به أم شبه جملة. على أن الأغراض الجانبية الأخرى كتأكيد الكلام وإفادة الخصوص وإفادة العموم لا يمكن نكرانها. ويبدو أن الغرض من هكذا تقديم ينحصر في إزالة الخطأ والتخصيص. ومن أمثلة هذا التقديم قوله:
لدى راكـدٍ يُصبيـكَ مـن صفحاتِهِ قواريرُ خضرٍ خلتَها مُرّدتْ صرحـا
تقدمتْ شبه الجملة(مـن صفحاتِهِ)على الفاعل ومضافه(قواريرُ خضرٍ)، فعمل التقديم على تلبية الرغبة النفسية الملحة في نفس الشاعر؛ وذلك عندما أكّد أن الماء الراكد (البحيرة مثلا أو حوض السباحة) يدعو ناظره، وقد يفتنه أحيانا من صفحاته التي تشبه القوارير(الكؤوس). ويمكن للمتأمل أن يلمح تقديما آخر في البيت، ألا وهو تقديم المفعول في يصبيك، كما يمكن للمتأمل أن يلمح اتكاء الشاعر على القرآن الكريم، إذ اقتبس القول المبارك: { قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. إن تعلق شبه الجملة بالفعل له دلالة نفسية، نجح الشاعر في نقلها من الفردية إلى الجماعية، وربما جعل القارئ يشعر بشعوره تجاه ماء البحيرات التي يتشوق لها.ثانيا : أسلوبية الشرط :يُعد الشرط من الأساليب المهمة في المستوى التركيبي؛ كونه يمثل قيمة أساسية وجمالية تتمثل في القدرة على ربط جملتين في آن واحد. ويبدو أن حكم جملتي الشرط والجزاء حكم الجملة الواحدة من حيث المعنى الرابط لهما، حتى صارت الجملة لذلك بمنزلة الاسم المفرد في امتناع حصول الفائدة. وبمعنى آخر فإن جملة فعل الشرط.ـ إذا نُطِقتْ وحدها ـ تساوي تماما الاسم المفرد من الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر، فلا فائدة من ذكر واحد منهما دون ذكر الآخر. ومن أمثلة أسلوب الشرط في القصيدة قوله:
وقائـعُ جـانيها التجني فـإن مشى سفيـرُ خضـوع بينـنا أكّد الصلحاوأيـامُ وصـلٍ بالعقيـق اقتضيتُـهُ فإلا يكنْ ميعـادُهُ العيـدَ، فالفصحـا
يمكن القول إن الشرط تركيب لغوي يعول عليه أغلب الشعراء، وفيه يتوقف الفعل الثاني على الفعل الأول، أي تعلق حصول الجزاء بحصول الشرط. وهو من الظواهر الأسلوبية البارزة التي يمكن للباحث رصدها في حائية ابن زيدون، ففي البيتين حصل الشرط بالأداة(إنْ) الجازمة التي شرط فيها الشاعر في البيت الأول مشيَ سفير المودة بينهما، فكان جواب الشرط تأكيد الصلح. وفي البيت الثاني شرط كون الميعاد إن لم يكن عيد المسلمين، فسيكون عيد الفصح عند النصارى.ثالثا: أسلوبية الاستفهام: الاستفهام طلب الفهم والعلم بشيء لم يكن معلوما عند المتكلم، وهو في جميع الأحوال يتطلب نبرة عالية في أدائه بوصفه أسلوبا من أساليب التعبير التي تقتضي أن توجّه إلى المخاطب في أغلب صور الاستعمال. ومن أمثلته في القصيدة قول الشاعر:
ألا هـل إلى الزهـراءِ أوبةُ نـازحٍ تقضّى تنـائيها مدامعُـهُ نزحـا؟؟
يُكثر الشعراء ـ عادة ـ من الاستفهام لغرض إيصال ما يرغبون إيصاله بلغة شعرية عذبة؛ لذلك لا يرد الاستفهام حقيقيا في أشعارهم، وإنما يأتي لأغراض بلاغية مجازية متنوعة. ومن هذا المنطلق فأن الاستفهام الذي أورده الشاعر جاء لغرض بلاغي هو التمني. فالشاعر يشكو الغربة التي يعيشها بعد أن فرَّ من السجن تاركا مدينته قرطبة إلى غيرها. وقد اتخذت شكوى الشعراء أشكالا متعددة، ومن هذه الأشكال شكوى الدهر والفراق والغربة، وقد امتاز ديوان الأندلسيين بكثرة أشعاره الشاكية، وقصائده المصوّرة للغربة والبعد عن الأوطان. ومن خلال ذلك يمكن القول إن الاستفهام دخل في إطاره المجازي في البيت، وحقق انزياحا في دلالة التركيب الأصلية، وبان تأثيرُهُ في الدلالة الكلية للنص الشعري، وعن طريق هذا التحول الوظيفي للاستفهام يكتسب الجانب التركيبي شعريته. فالشاعر يتشوق إلى قصر الزهراء الذي نزح عنه دون رغبة منه، ويتمنى العودة له لينتهي البعد، ويتوقف الدمع.رابعا: أسلوبية النداء:هو طلب الإقبال على وجه الحقيقة، ومعناه ـ في وضعه الأصلي ـ التصويت بالمنادى لغرض الإقبال على المصوّت؛ ولذلك يُعدُّ النداء من أساليب الطلب كالأمر والنهي والدعاء وما إلى ذلك من أساليب الإنشاء الطلبي. ويتم النداء بحرف من حروفه ينوب عن أحد الأفعال(أدعو، أنادي، أطلب) وشبهها. ومن سياقاته في قصيدة ابن زيدون مجيؤه خاليا من الأداة، فمما يجوز في النداء حذف الأداة على أن لا تقدر الأداة المحذوفة بغير(يا)؛ لكونها أم الباب. كما أنه ليس من المألوف في اللغة العربية أن يفصل بين أداة النداء والمنادى فاصل مهما كان نوعه. قال الشاعر في مطلع حائيته:
خليلـيَّ لا فطـرٌ يسـرُّ ولا أضحى فما حالُ مَنْ أمسى مشوقا كما أضحى؟
خاطب الشاعر صاحبيه بقولهخليليَّ) وهذا نداء يجوز حذف حرف النداء معه؛ لإحساس المصوّت بقرب المنادى. وقد ورد في القرآن الكريم منه قوله تعالى في سورة يوسف: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }. ويبدو أن الشاعر قد أفاد من المستوى التركيبي لإثراء المستوى الدلالي في النص، فحذفُ أداة النداء يدخل في باب الإيجاز الذي يمنح الكلام صفة الجمال، ويضفي عليه رونقا ترتاح له النفوس، عندما تجد المحذوف بعد عناء البحث في خبايا الجملة. كما أفاد من المستوى الدلالي في توظيف أسلوبية النفي(لا فطر،لا أضحى) في الشطر الأول، والاستفهام (ما حالُ) في الشطر الثاني، فتضافرت تلك الأساليب معا لتنهض بالبيت إلى مستواه الفني. فضلا عن التأثير المنبعث من أسلوبية المستوى الصوتي في الجناس التام بين لفظي(أضحى) العيد و(أضحى) وقت الضحى. خامسا: أسلوبية النفي:النَفي في اللغة الطرد. وهو باب من أبواب المعنى، يهدف به المتكلم إخراج الحكم في تركيب لغوي مثبت إلى ضده. فهو ـ إذاً ـ نقيض الإثبات، ويعد أسلوبا من أساليب العربية يراد به نقض فكرة معينة، وردها من الإيجاب إلى السلب. وقد كثر استعماله في شعر الأقدمين والمحدثين على حدّ سواء. ومن أمثلة وروده في القصيدة قول الشاعر:
وليس ذميـما عهـدُ مجلسِ نـاصحٍ فأقبلَ في فـرطِ الوَلـوع به نُصحـا كأنيَ لم أشهـد علـى عيـنِ شهـدةٍ نـزالَ عتـابٍ، كـان آخـرُهُ الفتحـا
في شطر البيت الأول نفى الشاعر فكرة عهد المجلس الناصح أن يكون ذميما، بعد تقديمه خبر ليس على اسمها الذي أفاد منه في دلالة التقديم كما مرَّ ذكره. ثم حاول الشاعر في البيت الثاني أن يعطي صفة الزمن الماضي للفعل المضارع الدال على الحاضر عبر إدخال الأداة الجازمة(لم) عليه، وهي حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيا. ويبدو أن العودة من الحاضر إلى الماضي هو ارتداد على الذات المنكسرة، الحزينة، المفارقة للوطن والأحبة، ليكتنه ذلك الخليط من الرؤى التي تتبلور من خلال تعابيره الدالة على الفراق، فيربط الفعل(أشهد) بالعتاب الذي شبهه بنزال معركة غالبا ما ينتهي بالظفر والفتح. سادسا: أسلوبية الحذف :الحذف قطع الشيء من أصله، ويحصل في اللغة على وجوه كثيرة ومتعددة، فقد حذفت العرب الجملة، والمفرد، والحرف، والحركة. وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه. وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته. وقد ورد منه كثير في الشعر العربي القديم والمحدث، فإنهم يحذفون بعض الكلام لدلالة الباقي على الذاهب. وكثرته في الشعر العربي تدلُّ على قيمة الحذف في الجملة عند العربي. ويبدو أن بحور الشعر لها تأثيرها في مسألة الحذف، فالبحور الطويلة تستوعب المعاني الكثيرة، وربما يفضُلُ بعض المعنى لطول هذه البحور فيحتاج معها الشاعر إلى الحشو، أما البحور القصيرة فتضيق عن المعاني ويقصر معها البحر فيحتاج فيها الشاعر إلى الاختصار والحذف. أما البحور المتوسطة فتكون مساوية للمعاني فلا يحتاج الشاعر معها إلى حشو أو حذف. ومما لا ريب فيه أن القارئ المثالي له دوره الفعّال في فهم النص، فهو يشارك في تأويله بقواه العقلية والنفسية، وهذا القارئ الناقد لا بدَّ أن يملك عدته النقدية الناضجة التي تستوعب المحذوف من النص. ومن أمثلته في قصيدة ابن زيدون قوله:
معـاهدُ لـذاتٍ.. وأوطـانٍ صبـوةٍ أجلْتُ المُعلّى في الأمـاني بها قدحا
يفهم من خلال سياق البيت أن الشاعر يتحدث عن أوطان صباه ومعاهدها التي فارقها، ومن باب الحذف جوازا، حذف الشاعر المبتدأ وجاء بالخبر(معاهد) في أول البيت والتقدير(هي معاهد). ويأتي مثل هذا الحذف إما لمجرد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر، وإما لذلك مع ضيق المقام. ويمكن للباحث أن يستبعد ضيق المقام في إنشاء تركيب الحذف في البيت المتقدم؛ لأن بحر الطويل من البحور التي تستوعب بتفعيلاتها المعاني الواسعة، فنكون إزاء السبب الآخر في الحذف وهو الاختصار اللطيف الذي يضفي الجمالية، ويدعو إلى التفكر في تلك المعاهد. ومثل ذلك قوله:
مقاصيـرُ ملـكٍ أشـرقتْ جنبـاتُها فخلنا العشاءَ الجونَ أثنـاءها صبحا
وفي موضع آخر من القصيدة نقف على الحذف في قوله:
ومن حمليَ الكـأسَ المفدّى مديرُها تقحُّـمُ أهـوالٍ حملتُ لهـا الرمحـا
في البيت المتقدّم جاء الحذف بقولهمديرُها)، والتقدير(أنا مديرُها) فحذفَ المبتدأ وأبقى على الخبر، ولعل مثل هذا الحذف يؤدي دوره التركيبي في النص الشعري ويجبر المتلقي على التفكير في الجملة المقتطعة والبحث عن الجزء المفقود منها، وربما ـ لهذا السبب. عدَّ ابن الأثير (ت637هـ) باب الحذف من أخصِّ الأبواب لديه، وعدَّ اللطائف فيه أكثر وأعجب.
رابعا: الخاتمة
نخلص مما تقدم أن تركيب البيت الشعري عند ابن زيدون في قصيدته الحائية حظي باهتمام بالغ منه، وقد تمكن الشاعر من استيفاء أغلب الأساليب النحوية من (تقديم وتأخير وشرط واستفهام ونداء ونفي وحذف) وضخها في تركيب البيت؛ لغرض خدمة بنية الدلالة الكلّية في النص الذي يطرحه، وهذا نابع من اهتمامه العميق بالمفردة اللغوية، وحسن صياغتها. وفي الوقت ذاته غابتْ عن نصه أساليب أخرى مثل الأمر الذي فيه إعلاء وإلزام لا يملكهما الفار من سجنه. ولعلَّ الحالة النفسية السيئة التي كانت تطوّق الشاعر لها أثرها الكبير الذي تركته على مساحة النص، مما أبعدته عن توظيف تلك الأساليب. ويبدو أن أسلوبية التقديم والتأخير وأسلوبية الحذف من أكثر الأساليب استعمالا في القصيدة، ولعل ذلك عائد إلى موضوعها الرئيس الذي نظم من أجله القصيدة؛ فإحساس الشاعر بالخوف والرهبة بعد فراره من السجن، والارتباك الناتج من هذا الفرار، والاضطراب الحاصل من الهروب كلُّ ذلك أدى إلى الإكثار من الأسلوب الأول الذي يتميز بالخلخلة في بنية التوقعات. أما ما دعاه إلى الإكثار من الأسلوب الثاني فشعوره بأن مدينته (قرطبة) ربما ستحذف من دفاتر حياته، وتشطب منه
أولا: مناسبة النص نظم الشاعر ابن زيدون قصيدته الحائية بعد فراره من السجن والتجائه إلى بني عبّاد في إشبيلية، وهو يتشوق معاهد قرطبة ويتذكر أيام لهوه في منازلها التي كان يختلف إليها في الأعياد.
ثانيا: النص: (من الطويل)
وتحليل القصيدة الحائية زيدون وتحليل القصيدة الحائية زيدون
1ـ خليلـيَّ لا فطـرٌ يسـرُّ ولا أضحى ... فما حالُ مَنْ أمسى مشوقا كما أضحى؟
2ـ لئن شـاقني شـرقُ العقابِ فلم أزلْ... أخصُّ بممحوض الهـوى ذلك السفحا
3ـ وما انفكَّ جـوفيُّ الرصـافة مُشعِري... دواعيَ ذكرى تُعقِبُ الأسفَ البـرحا
4ـ ويهتـاجُ قصـرُ الفـارسيِّ صبـابةً... لقلبيَ لا تـألوا زنـادَ الأسى قدحـا
5ـ وليس ذميـما عهـدُ مجلسِ نـاصحٍ... فأقبلَ في فـرطِ الوَلـوع به نُصحـا
6ـ كأنيَ لم أشهـد علـى عيـنِ شهـدةٍ... نـزال عتـابٍ، كان آخـرُهُ الفتحـا
7ـ وقائـعُ جـانيها التجني فـإن مشى... سفيـرُ خضـوع بينـنا أكّد الصلحا
8ـ وأيـامُ وصـلٍ بالعقيـق اقتضيتُـهُ... فإلا يكنْ ميعـادُهُ العيـدَ فالفصحـا
9ـ وآصـالُ لهـوٍ فـي مُسنـاةِ مـالكٍ ... معـاطاةَ نَدمـانٍ إذا شئتَ أو سبحـا
10ـ لدى راكـدٍ يُصبيـكَ مـن صفحاتِهِ... قواريرُ خضرٍ خلتَها مُرّدتْ صرحـا
11ـ معـاهدُ لـذاتٍ.. وأوطـانٍ صبـوةٍ... أجلْتُ المُعلّى في الأمـاني بها قدحا
12ـ ألا هـل إلى الزهـراءِ أوبةُ نـازحٍ... تقضّى تنـائيها مدامعُـهُ نزحـا؟؟
13ـ مقاصيـرُ ملـكٍ أشـرقتْ جنبـاتُها... فخلنا العشاءَ الجونَ أثنـاءها صبحا
14ـ يُمثّـلُ قرطيـها لـيَ الوهـمُ جهرةً... فقبّتَها فالكوكبَ الرحبَ فالسطحا
15ـ محـلُّ ارتياحٍ يذكـرُ الخـلدَ طيبُهُ... إذا عزَّ أنْ يصدى الفتى فيه أو يضحى
16ـ هنـاك الجمـامُ الزرقُ تُندي حفافها... ظلالٌ عهدتُ الدهـرَ فيها فتى سمحا
17ـ تعوّضتُ من شـدو القيـانِ خلالها... صدى فلواتٍ قد أطار الكرى ضَبحـا
18ـ ومن حمليَ الكـأسَ المفدّى مديرُها... تقحُّـمُ أهـوالٍ حملتُ لهـا الرمحـا
19ـ أجلْ! إنَّ ليلـي فـوق شـاطئ نيطةٍ... لأقصرَ من ليلـي بـآنةَ.. فالبطحـا
وتحليل القصيدة الحائية زيدون وتحليل القصيدة الحائية زيدون
ثالثا: الدراسةيتكون البيت الشعري من شطرين، وهو أصغر مكونات القصيدة العربية، ويمثل الوحدة الشعرية الصُغرى التي تتألف منها القصيدة. وقد أبدى الشعراء العرب اهتماما ملحوظا ببنائه وطريقة تركيبه. فشعرية أي نص من النصوص الأدبية لا تقوم إلا من خلال تضافر مجموعة من العناصر الأسلوبية واللغوية في سياق ملائم يخدم دلالة النص الكلية، وذلك عن طريق ترتيب الألفاظ وتنسيقها وضم بعضها إلى بعض، ومن ثمّ بناء العبارة التي تنهض بالنص إلى المستوى الذي يرغب به الشعراء، وكلٌّ حسب قدرته. فمن عمل الدراسة التركيبية، أو دراسة علم النحو، هندسة الجملة، وبناء العبارة فيها. نستشف مما تقدم أن مسؤولية الشاعر الكبيرة تقع في اقتناص خصائص الجمال في العمل الأدبي، فهو يستطيع أن يثير الدهشة، ويلفت النظر بأيّ شكل من الأشكال إلى عمله، كأن يعمد إلى خرق القواعد اللغوية والخروج عليها خروجا صحيحا، وأن يبتعد عن الإتباع الحرفيِّ لقوانين اللغة؛ لكي يُحدث الجدة والغرابة في وجدان المتلقي، ويحدث النشوة لديه بتنويعه وابتكاره، ولعل من هذا التنويع والابتكار مجموعة من الأساليب منها:أولا : أسلوبية التقديم والتأخير: مما لا شك فيه أن ظاهرة التقديم والتأخير في لغتنا العربية، وفي نظام بناء جملتها، ما هي إلا خرق لقواعدها المنتظمة، وهدم لقوانينها المتماسكة، وربما تكون من الظواهر التي يبرز فيها جهد المبدع في تحطيمه الإيجابي الذي ينحرف بالجملة أو العبارة عن مسارها الطبيعي إلى مسار الانزياح البلاغي. فترتيب الألفاظ يفترض أن يكون على طريقة معلومة تترتب على ضوئها المعاني المرتبة في النفس؛ ولهذا وضعت المراتب في الجمل، ليقدم هذا على ذاك. وقد يعمد المبدع ـ شاعرا كان أم ناثرا ـ إلى هذا النوع من الأسلوب في التعبير، فيرتب الألفاظ على غير ما يقتضيه ترتيبها، فيقدم ما حقه التأخير، ويؤخر ما حقه التقديم؛ وذلك من أجل تحقيق أبعاد نفسية معينة قد تكون نابعة من طبيعة تجربته الشعورية، وقد تكون نابعة من المعنى الذي يرغب بنقله للمتلقي. وفي حائية الشاعر ابن زيدون يمكن للباحث أن يلمس وجوها عديدة للتقديم في القصيدة. ومن هذه الوجوه تقديم الخبر على المبتدأ في قوله:هنـاك الجمـامُ الزرقُ تُندي حفافها ظلالٌ عهدتُ الدهـرَ فيها فتى سمحاقدم الشاعر الخبر(هناك)على المبتدأ الموصوف(الجمـامُ الزرقُ)، لغرض التوكيد؛ ذلك لأن جواز التقديم مرده إلى التوكيد، ويبدو أنه أراد أن يؤكد حقيقة ثبات شوقه إلى تلك الأرض التي فارقها مجبرا، فزرقة الماء التي تندي ما يحيط بها لا يكون لها وجود إلا في أرضه التي فارقها وليست في مكان آخر. وهنا يكون الشاعر بتقديمه الخبر على المبتدأ قد انحرف بالجملة الاسمية عن مسارها الذهني عند المتلقي إلى مسار آخر له دلالة نفسية وبلاغية، فالشاعر يقدم الخبر؛ لكون ذكره أهم من ذكر المبتدأ، ولكي يتمكن الخبر في ذهن السامع، ولأن في تأخير المبتدأ تشويقا إليه. ثم إن ما يبتغيه الشاعر من التقديم الجائز هو التوكيد، فاستطاع الشاعر ـ من كل ذلك ـ أن ينقل تجربته الشخصية إلى المتلقي، وذلك عن طريق تأكيد المكان الأثير إلى نفسه. ومن وجوه التقديم الأخرى تقديم المفعول به، فقواعد اللغة التي استنبطها النحاة من كلام العرب تحتم على المتكلم أن يأتي بالفعل كمرتبة أولى، ثم الفاعل، ثم المفعول به، ولكن العرب خرجت عن هذا الجمود فقدمت المفعول به على الفاعل تارة، وقدمته(المفعول) على الفعل الناصبة له تارة أخرى. ومن أمثلة تقديم المفعول به على الفاعل قوله:
لئن شـاقني شـرقُ العقابِ فلم أزلْ أخصُّ بممحوض الهـوى ذلك السفحا
تقدم المفعول به الضمير(الياء) في قوله (شـاقني) على الفاعل ومضافه (شرقُ العقابِ). وهذا التقديم جائز في اللغة لعدم وجود اللبس في الكلام، فكأنما أراد الشاعر الإشارة إلى أن الشوق إلى شـرق العقاب قد أصابه هو لا غيره. ومهما يكن من شيء فإن العناية والاهتمام بالمفعول هي سبب تقديمه على عامله، فالعرب عندما تقدّم المفعول به كأنهم يقدمون الذي بيانه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى. ومن وجوه التقديم الأخرى في القصيدة تقديم شبه الجملة على الفاعل، والظاهر أن العناية والاهتمام بالمقدم هما الغرض الرئيس من كل تقديم، سواء أكان تقديم خبر أم مفعول به أم شبه جملة. على أن الأغراض الجانبية الأخرى كتأكيد الكلام وإفادة الخصوص وإفادة العموم لا يمكن نكرانها. ويبدو أن الغرض من هكذا تقديم ينحصر في إزالة الخطأ والتخصيص. ومن أمثلة هذا التقديم قوله:
لدى راكـدٍ يُصبيـكَ مـن صفحاتِهِ قواريرُ خضرٍ خلتَها مُرّدتْ صرحـا
تقدمتْ شبه الجملة(مـن صفحاتِهِ)على الفاعل ومضافه(قواريرُ خضرٍ)، فعمل التقديم على تلبية الرغبة النفسية الملحة في نفس الشاعر؛ وذلك عندما أكّد أن الماء الراكد (البحيرة مثلا أو حوض السباحة) يدعو ناظره، وقد يفتنه أحيانا من صفحاته التي تشبه القوارير(الكؤوس). ويمكن للمتأمل أن يلمح تقديما آخر في البيت، ألا وهو تقديم المفعول في يصبيك، كما يمكن للمتأمل أن يلمح اتكاء الشاعر على القرآن الكريم، إذ اقتبس القول المبارك: { قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. إن تعلق شبه الجملة بالفعل له دلالة نفسية، نجح الشاعر في نقلها من الفردية إلى الجماعية، وربما جعل القارئ يشعر بشعوره تجاه ماء البحيرات التي يتشوق لها.ثانيا : أسلوبية الشرط :يُعد الشرط من الأساليب المهمة في المستوى التركيبي؛ كونه يمثل قيمة أساسية وجمالية تتمثل في القدرة على ربط جملتين في آن واحد. ويبدو أن حكم جملتي الشرط والجزاء حكم الجملة الواحدة من حيث المعنى الرابط لهما، حتى صارت الجملة لذلك بمنزلة الاسم المفرد في امتناع حصول الفائدة. وبمعنى آخر فإن جملة فعل الشرط.ـ إذا نُطِقتْ وحدها ـ تساوي تماما الاسم المفرد من الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر، فلا فائدة من ذكر واحد منهما دون ذكر الآخر. ومن أمثلة أسلوب الشرط في القصيدة قوله:
وقائـعُ جـانيها التجني فـإن مشى سفيـرُ خضـوع بينـنا أكّد الصلحاوأيـامُ وصـلٍ بالعقيـق اقتضيتُـهُ فإلا يكنْ ميعـادُهُ العيـدَ، فالفصحـا
يمكن القول إن الشرط تركيب لغوي يعول عليه أغلب الشعراء، وفيه يتوقف الفعل الثاني على الفعل الأول، أي تعلق حصول الجزاء بحصول الشرط. وهو من الظواهر الأسلوبية البارزة التي يمكن للباحث رصدها في حائية ابن زيدون، ففي البيتين حصل الشرط بالأداة(إنْ) الجازمة التي شرط فيها الشاعر في البيت الأول مشيَ سفير المودة بينهما، فكان جواب الشرط تأكيد الصلح. وفي البيت الثاني شرط كون الميعاد إن لم يكن عيد المسلمين، فسيكون عيد الفصح عند النصارى.ثالثا: أسلوبية الاستفهام: الاستفهام طلب الفهم والعلم بشيء لم يكن معلوما عند المتكلم، وهو في جميع الأحوال يتطلب نبرة عالية في أدائه بوصفه أسلوبا من أساليب التعبير التي تقتضي أن توجّه إلى المخاطب في أغلب صور الاستعمال. ومن أمثلته في القصيدة قول الشاعر:
ألا هـل إلى الزهـراءِ أوبةُ نـازحٍ تقضّى تنـائيها مدامعُـهُ نزحـا؟؟
يُكثر الشعراء ـ عادة ـ من الاستفهام لغرض إيصال ما يرغبون إيصاله بلغة شعرية عذبة؛ لذلك لا يرد الاستفهام حقيقيا في أشعارهم، وإنما يأتي لأغراض بلاغية مجازية متنوعة. ومن هذا المنطلق فأن الاستفهام الذي أورده الشاعر جاء لغرض بلاغي هو التمني. فالشاعر يشكو الغربة التي يعيشها بعد أن فرَّ من السجن تاركا مدينته قرطبة إلى غيرها. وقد اتخذت شكوى الشعراء أشكالا متعددة، ومن هذه الأشكال شكوى الدهر والفراق والغربة، وقد امتاز ديوان الأندلسيين بكثرة أشعاره الشاكية، وقصائده المصوّرة للغربة والبعد عن الأوطان. ومن خلال ذلك يمكن القول إن الاستفهام دخل في إطاره المجازي في البيت، وحقق انزياحا في دلالة التركيب الأصلية، وبان تأثيرُهُ في الدلالة الكلية للنص الشعري، وعن طريق هذا التحول الوظيفي للاستفهام يكتسب الجانب التركيبي شعريته. فالشاعر يتشوق إلى قصر الزهراء الذي نزح عنه دون رغبة منه، ويتمنى العودة له لينتهي البعد، ويتوقف الدمع.رابعا: أسلوبية النداء:هو طلب الإقبال على وجه الحقيقة، ومعناه ـ في وضعه الأصلي ـ التصويت بالمنادى لغرض الإقبال على المصوّت؛ ولذلك يُعدُّ النداء من أساليب الطلب كالأمر والنهي والدعاء وما إلى ذلك من أساليب الإنشاء الطلبي. ويتم النداء بحرف من حروفه ينوب عن أحد الأفعال(أدعو، أنادي، أطلب) وشبهها. ومن سياقاته في قصيدة ابن زيدون مجيؤه خاليا من الأداة، فمما يجوز في النداء حذف الأداة على أن لا تقدر الأداة المحذوفة بغير(يا)؛ لكونها أم الباب. كما أنه ليس من المألوف في اللغة العربية أن يفصل بين أداة النداء والمنادى فاصل مهما كان نوعه. قال الشاعر في مطلع حائيته:
خليلـيَّ لا فطـرٌ يسـرُّ ولا أضحى فما حالُ مَنْ أمسى مشوقا كما أضحى؟
خاطب الشاعر صاحبيه بقولهخليليَّ) وهذا نداء يجوز حذف حرف النداء معه؛ لإحساس المصوّت بقرب المنادى. وقد ورد في القرآن الكريم منه قوله تعالى في سورة يوسف: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }. ويبدو أن الشاعر قد أفاد من المستوى التركيبي لإثراء المستوى الدلالي في النص، فحذفُ أداة النداء يدخل في باب الإيجاز الذي يمنح الكلام صفة الجمال، ويضفي عليه رونقا ترتاح له النفوس، عندما تجد المحذوف بعد عناء البحث في خبايا الجملة. كما أفاد من المستوى الدلالي في توظيف أسلوبية النفي(لا فطر،لا أضحى) في الشطر الأول، والاستفهام (ما حالُ) في الشطر الثاني، فتضافرت تلك الأساليب معا لتنهض بالبيت إلى مستواه الفني. فضلا عن التأثير المنبعث من أسلوبية المستوى الصوتي في الجناس التام بين لفظي(أضحى) العيد و(أضحى) وقت الضحى. خامسا: أسلوبية النفي:النَفي في اللغة الطرد. وهو باب من أبواب المعنى، يهدف به المتكلم إخراج الحكم في تركيب لغوي مثبت إلى ضده. فهو ـ إذاً ـ نقيض الإثبات، ويعد أسلوبا من أساليب العربية يراد به نقض فكرة معينة، وردها من الإيجاب إلى السلب. وقد كثر استعماله في شعر الأقدمين والمحدثين على حدّ سواء. ومن أمثلة وروده في القصيدة قول الشاعر:
وليس ذميـما عهـدُ مجلسِ نـاصحٍ فأقبلَ في فـرطِ الوَلـوع به نُصحـا كأنيَ لم أشهـد علـى عيـنِ شهـدةٍ نـزالَ عتـابٍ، كـان آخـرُهُ الفتحـا
في شطر البيت الأول نفى الشاعر فكرة عهد المجلس الناصح أن يكون ذميما، بعد تقديمه خبر ليس على اسمها الذي أفاد منه في دلالة التقديم كما مرَّ ذكره. ثم حاول الشاعر في البيت الثاني أن يعطي صفة الزمن الماضي للفعل المضارع الدال على الحاضر عبر إدخال الأداة الجازمة(لم) عليه، وهي حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيا. ويبدو أن العودة من الحاضر إلى الماضي هو ارتداد على الذات المنكسرة، الحزينة، المفارقة للوطن والأحبة، ليكتنه ذلك الخليط من الرؤى التي تتبلور من خلال تعابيره الدالة على الفراق، فيربط الفعل(أشهد) بالعتاب الذي شبهه بنزال معركة غالبا ما ينتهي بالظفر والفتح. سادسا: أسلوبية الحذف :الحذف قطع الشيء من أصله، ويحصل في اللغة على وجوه كثيرة ومتعددة، فقد حذفت العرب الجملة، والمفرد، والحرف، والحركة. وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه. وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته. وقد ورد منه كثير في الشعر العربي القديم والمحدث، فإنهم يحذفون بعض الكلام لدلالة الباقي على الذاهب. وكثرته في الشعر العربي تدلُّ على قيمة الحذف في الجملة عند العربي. ويبدو أن بحور الشعر لها تأثيرها في مسألة الحذف، فالبحور الطويلة تستوعب المعاني الكثيرة، وربما يفضُلُ بعض المعنى لطول هذه البحور فيحتاج معها الشاعر إلى الحشو، أما البحور القصيرة فتضيق عن المعاني ويقصر معها البحر فيحتاج فيها الشاعر إلى الاختصار والحذف. أما البحور المتوسطة فتكون مساوية للمعاني فلا يحتاج الشاعر معها إلى حشو أو حذف. ومما لا ريب فيه أن القارئ المثالي له دوره الفعّال في فهم النص، فهو يشارك في تأويله بقواه العقلية والنفسية، وهذا القارئ الناقد لا بدَّ أن يملك عدته النقدية الناضجة التي تستوعب المحذوف من النص. ومن أمثلته في قصيدة ابن زيدون قوله:
معـاهدُ لـذاتٍ.. وأوطـانٍ صبـوةٍ أجلْتُ المُعلّى في الأمـاني بها قدحا
يفهم من خلال سياق البيت أن الشاعر يتحدث عن أوطان صباه ومعاهدها التي فارقها، ومن باب الحذف جوازا، حذف الشاعر المبتدأ وجاء بالخبر(معاهد) في أول البيت والتقدير(هي معاهد). ويأتي مثل هذا الحذف إما لمجرد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر، وإما لذلك مع ضيق المقام. ويمكن للباحث أن يستبعد ضيق المقام في إنشاء تركيب الحذف في البيت المتقدم؛ لأن بحر الطويل من البحور التي تستوعب بتفعيلاتها المعاني الواسعة، فنكون إزاء السبب الآخر في الحذف وهو الاختصار اللطيف الذي يضفي الجمالية، ويدعو إلى التفكر في تلك المعاهد. ومثل ذلك قوله:
مقاصيـرُ ملـكٍ أشـرقتْ جنبـاتُها فخلنا العشاءَ الجونَ أثنـاءها صبحا
وفي موضع آخر من القصيدة نقف على الحذف في قوله:
ومن حمليَ الكـأسَ المفدّى مديرُها تقحُّـمُ أهـوالٍ حملتُ لهـا الرمحـا
في البيت المتقدّم جاء الحذف بقولهمديرُها)، والتقدير(أنا مديرُها) فحذفَ المبتدأ وأبقى على الخبر، ولعل مثل هذا الحذف يؤدي دوره التركيبي في النص الشعري ويجبر المتلقي على التفكير في الجملة المقتطعة والبحث عن الجزء المفقود منها، وربما ـ لهذا السبب. عدَّ ابن الأثير (ت637هـ) باب الحذف من أخصِّ الأبواب لديه، وعدَّ اللطائف فيه أكثر وأعجب.
رابعا: الخاتمة
نخلص مما تقدم أن تركيب البيت الشعري عند ابن زيدون في قصيدته الحائية حظي باهتمام بالغ منه، وقد تمكن الشاعر من استيفاء أغلب الأساليب النحوية من (تقديم وتأخير وشرط واستفهام ونداء ونفي وحذف) وضخها في تركيب البيت؛ لغرض خدمة بنية الدلالة الكلّية في النص الذي يطرحه، وهذا نابع من اهتمامه العميق بالمفردة اللغوية، وحسن صياغتها. وفي الوقت ذاته غابتْ عن نصه أساليب أخرى مثل الأمر الذي فيه إعلاء وإلزام لا يملكهما الفار من سجنه. ولعلَّ الحالة النفسية السيئة التي كانت تطوّق الشاعر لها أثرها الكبير الذي تركته على مساحة النص، مما أبعدته عن توظيف تلك الأساليب. ويبدو أن أسلوبية التقديم والتأخير وأسلوبية الحذف من أكثر الأساليب استعمالا في القصيدة، ولعل ذلك عائد إلى موضوعها الرئيس الذي نظم من أجله القصيدة؛ فإحساس الشاعر بالخوف والرهبة بعد فراره من السجن، والارتباك الناتج من هذا الفرار، والاضطراب الحاصل من الهروب كلُّ ذلك أدى إلى الإكثار من الأسلوب الأول الذي يتميز بالخلخلة في بنية التوقعات. أما ما دعاه إلى الإكثار من الأسلوب الثاني فشعوره بأن مدينته (قرطبة) ربما ستحذف من دفاتر حياته، وتشطب منه
تصميم و ابداع- ادارية
- جنسية العضو : بحرينية
الأوسمة :
عدد المساهمات : 1133
تاريخ التسجيل : 06/01/2014
شمس- مراقبة عامة
- جنسية العضو : بحرينية
الأوسمة :
عدد المساهمات : 920
تاريخ التسجيل : 01/08/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 5:05 pm من طرف ranamohamed
» مقابر طريق العين السخنه للبيع 20% من سما الاقصى
أمس في 4:47 pm من طرف ranamohamed
» امتلك مقابر ومدافن بأفضل الاسعار الخاصة بـ مقابر للبيع من شركة سما
أمس في 4:02 pm من طرف ranamohamed
» مدافن للبيع بتسهيلات في السداد وتشطيبات متعددة تاناسب جميع الاذواق
أمس في 3:30 pm من طرف ranamohamed
» لماذا يعتبر متجراللورد الوجهة الأمثل لشراء الاشتراكات الرقمية
السبت نوفمبر 23, 2024 10:20 pm من طرف جنى بودى
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى