المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 452 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 452 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 680 بتاريخ الجمعة نوفمبر 22, 2024 11:04 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90187 مساهمة في هذا المنتدى في 31165 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
فسحة الأمل
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
فسحة الأمل
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
[size=48](تأملات في النفس والكون والواقع والحياة)
(فسحة الأمل)
قال ابن حجر: "الأَمَل – بفتحتين - رجاء ما تحبه النفس من طول عمر، وزيادة غِنًى، وهو قريب المعنى من التمني، وقيل: الفرق بينهما أن الأمل ما تقدم له سبب، والتمني بخلافه، وقيل: لا ينفك الإنسان من أمل، فإن فاته ما أمله، عوَّل على التمني، ويقال: الأمل إرادة الشخص تحصيل شيء يمكن حصوله، فإذا فاته تمناه"؛ [فتح الباري (١١/ ٢٠١)].
فالأمل هو رجاء الوصول إلى أمر يراه المؤمل محبوبًا، سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة، وهو القوة الدافعة للإنسان إلى العمل، والباعثة على السعي والمثابرة والاجتهاد، بغض النظر عن سلبية الاتجاه الذي يسير فيه المؤمل وإيجابياته.
إن قوة الثقة بالأمل والمؤمل تكون من قوة الواعد، وقوة علمه وإدراكه؛ فالله جل وعلا وعد عباده بالنصر، وأملهم بالخير المطلق، فمن هنا تكمن قوة الثقة والأمل بالوعد الصادق، ونصوص الوحي زاخرة ببشارات الأمل ووعود الفأل؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ولن يغلب عسرٌ يسرين.
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].
وقال المولى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
والثقة في الموعود، والرجاء في المأمول عادة المرسلين، وسجية العارفين:
ففي قصة إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة المكرمون بغلام، عجب من بشارتهم، وقد تخطى سن الأمل إلى شيخوخة اليأس؛ فطمأنوه قائلين: ﴿ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 55، 56]، والقنوط هو اليأس من الخير، فإبراهيم عليه السلام لم يكن قانطًا، بل قال ذلك على وجه التعجب والاستبعاد.
وفي قصة يعقوب عليه السلام اشتد أمله في العثور على يوسف عليه السلام، بعدما فقد ابنه الثاني، ولم يذهب عنه الأمل، وكلف أبناءه بالبحث عن يوسف وأخيه؛ كما حكى الله عنه قوله: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، فكانت عاقبة صبره وأمله أن زال كربه، وفرج همه، ورد إليه بصره، وعاد يوسف وأخوه.
ولما أمر موسى عليه السلام قومه بالاستعانة بالله، والصبر على ظلم فرعون، بث في نفوسهم الأمل؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].
والأمل كان يبثه صل الله عليه وسلم دائمًا وأبدًا في نفوس أصحابه:
ففي غزوة أحد أصاب المسلمون ما أصابهم من قتل وجرح، فنهاهم الله تعالى في القرآن عن الوهن والحزن، وحثهم على الثبات، وغرس الأمل في نفوسهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: ((شكونا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ [رواه البخاري].
وقال صل الله عليه وسلم لأصحابه وأمته: ((فأبشروا وأملوا ما يسركم))؛ [رواه البخاري عن عمرو بن عوف المزني (٤٠١٥)].
وفقدان الأمل وانعدام الرجاء قد يودي بالفرد للقلق والاكتئاب، واليأس والقنوط؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال صل الله عليه وسلم: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله))؛ [رواه البزار، وحسنه العراقي].
والأمل طبيعة بشرية، ونزعة إنسانية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل))؛ [رواه البخاري].
قال ابن حجر: "وقال ابن الجوزي: الأمل مذموم للناس إلا للعلماء، فلولا أملهم لما صنفوا، ولا ألفوا".
وقال غيره: الأمل مطبوع في جميع بني آدم؛ كما في الحديث: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: حب الدنيا، وطول الأمل))، وفي الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك، لم يكلف بإزالته"؛ [فتح الباري (١١/ ٢٣٧)].
فالأمل لا ينفك عنه أكثر الخلق، ولولا الأمل ما تهنى أحد بعيش أبدًا، ولا صلح حال الناس في حياتهم ومعاشهم.
فقد ذكر الإمام علي الماوردي ست قواعد تصلح بها الدنيا، حتى تصير أحوالها منتظمة، وأمورها ملتئمة؛ وهي: "دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح"؛ [أدب الدنيا والدين (٩٥)].
ثم فصل في الأمل بقوله: "أما القاعدة السادسة: فهي أمل فسيح، يبعث على اقتناء ما يقصر العمر من استيعابه، ويبعث على اقتناء ما ليس يأمل في دركه بحياة أربابه، ولولا أن الثاني يرتفق بما أنشاه الأول، حتى يصير به مستغنيًا، لافتقر أهل كل عصر إلى إنشاء ما يحتاجون إليه من منازل السكنى، وأراضي الحرث، وفي ذلك من الإعواز وتعذر الإمكان، ما لا خفاء به، فلذلك ما أرفق الله خلقه من اتساع الآمال، حتى عمر به الدنيا، فتم صلاحها، وصارت تنتقل بعمرانها إلى قرن بعد قرن، فيتم الثاني ما أبقاه الأول من عمارتها، ويرم الثالث ما أحدثه الثاني من شعثها، لتكون أحوالها على الأعصار ملتئمة، وأمورها على ممر الدهور منتظمة، ولو قصرت الآمال، ما تجاوز الواحد حاجة يومه، ولا تعدى ضرورة وقته؛ ولكانت تنتقل إلى من بعده خرابًا، لا يجد فيه بلغة، ولا يدرك منها حاجة، ثم تنتقل إلى من بعد بأسوأ من ذلك حالًا، حتى لا ينمي بها نبت، ولا يمكن فيها لبث؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الأمل رحمة من الله لأمتي، ما غرس غارس شجرًا، ولا أرضعت أم ولدًا))، وقال الشاعر:
وللنفوس وإن كانت على وجل
من المنية آمال تقويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها.
وأمـا حـال الأمل في أمر الآخرة، فهو من أقوى الأسباب في الغفلة عنها، وقلة الاستعداد لها، وقد أفصح لبيد بن ربيعة مع أعرابيته بما تبين به حال الأمل في الأمرين؛ فقال:
واكذب النفس إذا حدثتها
إن صدق النفس يزرى بالأمل
غير ألَّا تكذبنها في التقى
وأخزاه بالبر لله الأجل
وفرق بين الآمال والأماني: أن الآمال ما تقيدت بأسباب، والأماني ما تجردت عنها"؛ [المرجع السابق (١٠٤)].
ونقل ابن القيم قول سقراط: "للحياة حدَّان، أحدهما: الأمل، والآخر: الأجل، فبالأول بقاؤها، وبالآخر فناؤها"؛ [إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ٢٦٦)].
قال الشاعر الحسين بن علي الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
والمذموم في النصوص هو طول الأمل والاسترسال فيه والانقياد له؛ كما قال تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3]، "فصورة الأمل الملهي صورة إنسانية حية، فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه وينشغل به، ويستغرق فيه حتى يجاوز المنطقة المأمونة، وحتى يغفل عن الله وعن القدر، وعن الأجل، وحتى ينسى أن هناك واجبًا، وأن هنالك محظورًا، بل حتى لينسى أن هنالك إلهًا، وأن هنالك موتًا، وأن هناك نشورًا، وهذا هو الأمل القاتل الذي يؤمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعهم له... ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾؛ حيث لا ينفع العلم بعد فوات الأوان... وهو أمر فيه تهديد لهم، وفيه كذلك لمسة عنيفة لعلهم يصحون من الأمل الخادع الذي يلهيهم عن المصير المحتوم".
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية السابقة: "وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه، واشتد علاجه، ولم يفارقه داء، ولا نجح فيه دواء، بل أعيا الأطباء، ويئس من برئه الحكماء والعلماء".
ومضة: "الأمل تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها، إلا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة"؛ [مصطفى صادق الرافعي].
§§§§§§§§§§§§§§§§§§[/size]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
[size=48](تأملات في النفس والكون والواقع والحياة)
(فسحة الأمل)
قال ابن حجر: "الأَمَل – بفتحتين - رجاء ما تحبه النفس من طول عمر، وزيادة غِنًى، وهو قريب المعنى من التمني، وقيل: الفرق بينهما أن الأمل ما تقدم له سبب، والتمني بخلافه، وقيل: لا ينفك الإنسان من أمل، فإن فاته ما أمله، عوَّل على التمني، ويقال: الأمل إرادة الشخص تحصيل شيء يمكن حصوله، فإذا فاته تمناه"؛ [فتح الباري (١١/ ٢٠١)].
فالأمل هو رجاء الوصول إلى أمر يراه المؤمل محبوبًا، سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة، وهو القوة الدافعة للإنسان إلى العمل، والباعثة على السعي والمثابرة والاجتهاد، بغض النظر عن سلبية الاتجاه الذي يسير فيه المؤمل وإيجابياته.
إن قوة الثقة بالأمل والمؤمل تكون من قوة الواعد، وقوة علمه وإدراكه؛ فالله جل وعلا وعد عباده بالنصر، وأملهم بالخير المطلق، فمن هنا تكمن قوة الثقة والأمل بالوعد الصادق، ونصوص الوحي زاخرة ببشارات الأمل ووعود الفأل؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ولن يغلب عسرٌ يسرين.
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].
وقال المولى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
والثقة في الموعود، والرجاء في المأمول عادة المرسلين، وسجية العارفين:
ففي قصة إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة المكرمون بغلام، عجب من بشارتهم، وقد تخطى سن الأمل إلى شيخوخة اليأس؛ فطمأنوه قائلين: ﴿ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 55، 56]، والقنوط هو اليأس من الخير، فإبراهيم عليه السلام لم يكن قانطًا، بل قال ذلك على وجه التعجب والاستبعاد.
وفي قصة يعقوب عليه السلام اشتد أمله في العثور على يوسف عليه السلام، بعدما فقد ابنه الثاني، ولم يذهب عنه الأمل، وكلف أبناءه بالبحث عن يوسف وأخيه؛ كما حكى الله عنه قوله: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، فكانت عاقبة صبره وأمله أن زال كربه، وفرج همه، ورد إليه بصره، وعاد يوسف وأخوه.
ولما أمر موسى عليه السلام قومه بالاستعانة بالله، والصبر على ظلم فرعون، بث في نفوسهم الأمل؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].
والأمل كان يبثه صل الله عليه وسلم دائمًا وأبدًا في نفوس أصحابه:
ففي غزوة أحد أصاب المسلمون ما أصابهم من قتل وجرح، فنهاهم الله تعالى في القرآن عن الوهن والحزن، وحثهم على الثبات، وغرس الأمل في نفوسهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: ((شكونا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ [رواه البخاري].
وقال صل الله عليه وسلم لأصحابه وأمته: ((فأبشروا وأملوا ما يسركم))؛ [رواه البخاري عن عمرو بن عوف المزني (٤٠١٥)].
وفقدان الأمل وانعدام الرجاء قد يودي بالفرد للقلق والاكتئاب، واليأس والقنوط؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال صل الله عليه وسلم: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله))؛ [رواه البزار، وحسنه العراقي].
والأمل طبيعة بشرية، ونزعة إنسانية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل))؛ [رواه البخاري].
قال ابن حجر: "وقال ابن الجوزي: الأمل مذموم للناس إلا للعلماء، فلولا أملهم لما صنفوا، ولا ألفوا".
وقال غيره: الأمل مطبوع في جميع بني آدم؛ كما في الحديث: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: حب الدنيا، وطول الأمل))، وفي الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك، لم يكلف بإزالته"؛ [فتح الباري (١١/ ٢٣٧)].
فالأمل لا ينفك عنه أكثر الخلق، ولولا الأمل ما تهنى أحد بعيش أبدًا، ولا صلح حال الناس في حياتهم ومعاشهم.
فقد ذكر الإمام علي الماوردي ست قواعد تصلح بها الدنيا، حتى تصير أحوالها منتظمة، وأمورها ملتئمة؛ وهي: "دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح"؛ [أدب الدنيا والدين (٩٥)].
ثم فصل في الأمل بقوله: "أما القاعدة السادسة: فهي أمل فسيح، يبعث على اقتناء ما يقصر العمر من استيعابه، ويبعث على اقتناء ما ليس يأمل في دركه بحياة أربابه، ولولا أن الثاني يرتفق بما أنشاه الأول، حتى يصير به مستغنيًا، لافتقر أهل كل عصر إلى إنشاء ما يحتاجون إليه من منازل السكنى، وأراضي الحرث، وفي ذلك من الإعواز وتعذر الإمكان، ما لا خفاء به، فلذلك ما أرفق الله خلقه من اتساع الآمال، حتى عمر به الدنيا، فتم صلاحها، وصارت تنتقل بعمرانها إلى قرن بعد قرن، فيتم الثاني ما أبقاه الأول من عمارتها، ويرم الثالث ما أحدثه الثاني من شعثها، لتكون أحوالها على الأعصار ملتئمة، وأمورها على ممر الدهور منتظمة، ولو قصرت الآمال، ما تجاوز الواحد حاجة يومه، ولا تعدى ضرورة وقته؛ ولكانت تنتقل إلى من بعده خرابًا، لا يجد فيه بلغة، ولا يدرك منها حاجة، ثم تنتقل إلى من بعد بأسوأ من ذلك حالًا، حتى لا ينمي بها نبت، ولا يمكن فيها لبث؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الأمل رحمة من الله لأمتي، ما غرس غارس شجرًا، ولا أرضعت أم ولدًا))، وقال الشاعر:
وللنفوس وإن كانت على وجل
من المنية آمال تقويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها.
وأمـا حـال الأمل في أمر الآخرة، فهو من أقوى الأسباب في الغفلة عنها، وقلة الاستعداد لها، وقد أفصح لبيد بن ربيعة مع أعرابيته بما تبين به حال الأمل في الأمرين؛ فقال:
واكذب النفس إذا حدثتها
إن صدق النفس يزرى بالأمل
غير ألَّا تكذبنها في التقى
وأخزاه بالبر لله الأجل
وفرق بين الآمال والأماني: أن الآمال ما تقيدت بأسباب، والأماني ما تجردت عنها"؛ [المرجع السابق (١٠٤)].
ونقل ابن القيم قول سقراط: "للحياة حدَّان، أحدهما: الأمل، والآخر: الأجل، فبالأول بقاؤها، وبالآخر فناؤها"؛ [إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ٢٦٦)].
قال الشاعر الحسين بن علي الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
والمذموم في النصوص هو طول الأمل والاسترسال فيه والانقياد له؛ كما قال تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3]، "فصورة الأمل الملهي صورة إنسانية حية، فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه وينشغل به، ويستغرق فيه حتى يجاوز المنطقة المأمونة، وحتى يغفل عن الله وعن القدر، وعن الأجل، وحتى ينسى أن هناك واجبًا، وأن هنالك محظورًا، بل حتى لينسى أن هنالك إلهًا، وأن هنالك موتًا، وأن هناك نشورًا، وهذا هو الأمل القاتل الذي يؤمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعهم له... ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾؛ حيث لا ينفع العلم بعد فوات الأوان... وهو أمر فيه تهديد لهم، وفيه كذلك لمسة عنيفة لعلهم يصحون من الأمل الخادع الذي يلهيهم عن المصير المحتوم".
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية السابقة: "وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه، واشتد علاجه، ولم يفارقه داء، ولا نجح فيه دواء، بل أعيا الأطباء، ويئس من برئه الحكماء والعلماء".
ومضة: "الأمل تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها، إلا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة"؛ [مصطفى صادق الرافعي].
§§§§§§§§§§§§§§§§§§[/size]
معاوية فهمي- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : فلسطيني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 2432
تاريخ التسجيل : 26/03/2019
مواضيع مماثلة
» ] فما اضيق العيش لولا فسحة الامل
» بسمة على ألم الأمل
» ^^~اليأس مفتاحه الأمل~^^
» الأمل وراء الجبل
» قناع الأمل ولو كان مزيفاً
» بسمة على ألم الأمل
» ^^~اليأس مفتاحه الأمل~^^
» الأمل وراء الجبل
» قناع الأمل ولو كان مزيفاً
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 5:05 pm من طرف ranamohamed
» مقابر طريق العين السخنه للبيع 20% من سما الاقصى
اليوم في 4:47 pm من طرف ranamohamed
» امتلك مقابر ومدافن بأفضل الاسعار الخاصة بـ مقابر للبيع من شركة سما
اليوم في 4:02 pm من طرف ranamohamed
» مدافن للبيع بتسهيلات في السداد وتشطيبات متعددة تاناسب جميع الاذواق
اليوم في 3:30 pm من طرف ranamohamed
» لماذا يعتبر متجراللورد الوجهة الأمثل لشراء الاشتراكات الرقمية
أمس في 10:20 pm من طرف جنى بودى
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى