المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 290 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 290 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 680 بتاريخ الجمعة نوفمبر 22, 2024 11:04 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
بحث العربية وطرق اكتسابها
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
بحث العربية وطرق اكتسابها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا بحث قيم للدكتور محمد حسن الطيان قدمه في المؤتمر السابع لمجمع اللغة العربية بدمشق ملخص البحث:
يرمي هذا المبحث إلى معالجة ضعف العربية لدى الكثرة الكاثرة من الناطقين بها، معتمدًا نظرية ابن خلدون في اكتساب اللغة وعدِّها ملكة صناعية، ونظرية تشومسكي في القدرة الفطرية لتعلم اللغة.
وهو يقترح خطة لاكتساب العربية يدلل عليها بتجارب ناجحة (قديمة وحديثة) وتتلخص هذه الخطة بالبنود الآتية:
• تنشئة الطفل على سماع الكلام الفصيح.
• قراءة النصوص الفصيحة وحفظها.
• تعلم مبادئ النحو الوظيفي والبلاغة.
• تعلم مبادئ التجويد والتمرس به.
• مزاولة الفصاحة قراءة وكتابة وكلامًا.
• أثر وسائل الإعلام في اكتساب هذه الملكة.
تمهيد:
لم يعد يخفى على أحد ما تعانيه مجتمعاتنا العربية من ضعف في اللغة، وبعد عن العربية، وعيٍّ في البيان، وعدم قدرة على التعبير والكتابة، وليس ذلك قاصرًا على العامة من أبناء المجتمع بل هو يطال الخاصة من مثقفيهم وأرباب الشهادات العالية منهم بل النخبة التي يتوسم أن تتبوأ أعلى مقام في الفصاحة والبيان وامتلاك ناصية العربية.
وإذا قلّب المرء بصره بين أقطار العربية المختلفة راجيًا أن يحظى بما يشفي الغلة انقلب إليه البصر خاسئًا حسيرًا من تردِّي المستوى وضياع العربية بين أهلها.
إنَّا لفي زمنٍ تَركُ القَبيحِ بهِ مِن أكثرِ الناسِ إحسانٌ وإجمالُ
ويزداد العجب حين يذكر المرء أن مادة اللغة العربية تحظى بالمساحة الكبرى بين المواد التي يدرسها الطالب في سني دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم تكون العاقبة عجزًا عن إقامة اللسان بعبارة، أو قراءة فقرة، أو كتابة صفحة دون أخطاء مخلة أو ضعف في التعبير يؤدي إلى قلب الحقائق وطمس المعالم وسوء النتائج.
ومن ثم كان لابد من إعادة النظر في طرق تدريس العربية لأبنائنا وطلابنا، لسد الخلل الذي يتسرب منه الضعف إلى ألسنتهم ولرسم المنهج الذي يمكنهم من امتلاك ناصية اللغة، وإقامة ألسنتهم على الجادة.
وفيما يأتي بيان لخطة مقترحة لاكتساب العربية والفصاحة أرجو أن تحظى من سديد آراء المشاركين في هذا المؤتمر ودقيق ملاحظاتهم ما ينفي عنها الزيغ ويستقيم بها على الصراط السوي
الخطة المقترحة
تعتمد هذه الخطة في أركانها الأساسية على نظريتي ابن خلدون وتشومسكي وفيما يأتي بيان ذلك:
عدَّ ابن خلدون اللغة ملكة صناعية فقال في مقدمته: {اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها، وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب، فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلم حينئذٍ الغاية من إفادة مقصوده للسامع، وهذا هو معنى البلاغة، والملكات لا تحصل إلاّ بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولاً وتعود منه للذات صفة ثم يتكرر فتكون حالاً، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة}.
وجاء علم اللسانيات ليؤيد ما ذهب إليه ابن خلدون في نظرية اكتساب اللغة، إذ يرى تشومسكي – أحد أقطاب علم اللسانيات – أن الطفل يولد ولديه معرفة فطرية لتعلم اللغة، أو أن لديه ملكة تهيِّئه لهذا العلم، وهذه المعرفة تؤلف الأداة لاكتساب اللغة وهي موجودة عمومًا لدى كل إنسان
ويؤكد علم اللسانيات أن الأطفال يحاكون أو يقلدون ما يسمعونه من الكبار، ولذا تعد المحاكاة أحد الأساليب المهمة التي يستعملها الطفل عند اكتسابه اللغة، فقد أوضحت البحوث العلمية أن ترديد المسموع أسلوب واضح ومميز في التعلم المبكر للغة وجانب مهم في الاكتساب المبكر لأصواتها.
إن محاكاة الطفل لما يسمعه تكون بادئ بدءٍ دون فهم أو تركيز على المعلومات المتعلقة بالمعاني التي تمثل البنية العميقة للغة، ويستمر الطفل بهذه المحاكاة السطحية في المراحل الأولى من الاكتساب اللغوي لعدم امتلاكه القدرة الضرورية لربط المعاني بالعبارات والألفاظ، ولكن الأطفال مع مرور الزمن وفهم مستوى المعاني في اللغة يبدؤون في تركيز الكثير من اهتمامهم وربما كل اهتمامهم على مستوى البنية العميقة للغة، كما ينشغلون في محاكاة هذا المستوى، حتى ربما جار ذلك على تركيزهم على المحاكاة السطحية بحيث يبدون كأنهم مقلدون غير مجيدين، إن الربط بين هذه البنية العميقة وتلك السطحية هو أقرب ما يكون إلى ما عبَّر عنه ابن خلدون بمراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال...
ولم يكتف ابن خلدون بهذا بل راح يبيّن سبل اكتساب هذه الملكة بعد أن فسدت الألسنة، حيث يقول: {اعلم أن ملكة اللسان المضري لهذا العهد قد ذهبت وفسدت، إلاّ أن اللغات لما كانت ملكات كان تعلمها ممكنًا شأن سائر الملكات، ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن، والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين أيضًا في سائر فنونهم، وحتى يتنَزَّل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور مَنْزلة من نشأ بينهم ولُقِّن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عباراتهم، وتأليف كلماتهم، وما وعاه وحفظه من أساليبهم وترتيب ألفاظهم، فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال، ويزداد بكثرتهما رسوخًا وقوة}
بناءً على هذا كله يمكن أن نقترح الخطة التالية لاكتساب ملكة اللغة:
1- تنشئة الطفل على سماع الكلام الفصيح:
وذلك بأن يخضع الطفل لدورات منظمة من خلال رياض الأطفال لا يسمع فيها إلاّ الفصيح من الكلام، وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها وآتت أكلها على خير وجه من خلال التجارب التي أجراها الأستاذ الدكتور عبد الله الدنان على طفليه أولاً ثم على رياضٍ للأطفال في كل من الكويت ودمشق، وهو بصدد تعميم هذه التجربة على أقطار الوطن العربي الكبير، وقد بلغت المدارس التي تطبِّق طريقته اثنتين وسبعين مدرسةً في نحو تسع دول عربيَّة.
ويؤكد د.الدنان – الذي درس أصول التربية واكتساب اللغة ومهارات التعليم في بريطانيا وكان له مشاركة فعالة في البرنامج التلفازي الناجح (افتح يا سمسم) – أن مرحلة الخصوبة اللغوية إنما تنحصر في المدة الواقعة بين السنة الأولى والسنة السادسة من عمر الطفل؛ إذ يحاكي الطفل ما يسمعه من حوله وتكون لديه القدرة العجيبة على المحاكاة والتركيب والتحليل والقياس والتوليد والاشتقاق والنحت، إلى حدٍّ جعل التربويين يفكرون بتلقين الطفل عدة لغات بآن واحد في هذه السنِّ كما يجري في سدني بأستراليا، إذ تقوم إحدى المؤسسات التربوية بتلقين الأطفال سبع لغات بآن واحد!!.
وأنا أشهد أن تجربة د.الدنان قد حظيت بنصيب لا بأس به من النجاح، فقد سمعت حوارًا مسجلاً على الفيديو بينه وبين ابنه ذي السنوات الثلاث فكانت العربية تجري طيِّعة غضَّة على لسان الطفل بلا تكلف ولا اصطناع، وإن تعجب فعجب أمره حين كان يجيب أمه بالعامية إما تدخلت في ذلك الحوار ثم يعود إلى عربيته مع أبيه، فما كانت العربية بمانعة له من محاكاة لغة أمه العامية، فلكل مقام مقال، ولكل سؤال جواب.
ثم زرت الروضة التي أسسها في الكويت عام 1989م، وزرت الروضة التي أسسها في دمشق عام 1995م، فسمعت عجبًا من حديث الأطفال بالعربية الفصيحة، وسمعت طُرَفًا من أفانين اشتقاقهم وتوليدهم وقياسهم، مما جعلني أجري التجربة مع بعض أولادي في حدود ضيقة وقد كان فيها نفع كبير وأجراها بعض أصحابي أيضًا فأثبتت نجاحًا باهرًا.
وقد شهد بنجاح هذه التجربة رهط من أهل العلم وأرباب اللغة على رأسهم أستاذنا العلامة سعيد الأفغاني رحمه الله، على أنه أبدى ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي اقتصار التلقين على الحوار وقص القصص بالعربية الفصيحة، وعدم اشتماله على نصوص سهلة من عيون الأدب العربي تساعد الطفل على اكتساب اللغة وتنمية الذوق الأدبي الرفيع، وامتلاك أدوات الفصاحة والبيان.
وأنا مع أستاذنا الجليل في كل هذا، فلا بدَّ إلى جانب التلقين هذا من عرض طائفة من نصوص العربية تتخير من أسهلها لفظًا وأسلسها عبارةً وأيسرها حفظًا وأقربها فهمًا، وأحلاها إيقاعًا ووزنًا، ليسمعها الطفل فيطرب لها، ويتغنى بها، ويحفظها فتكون له رصيدًا وزادًا لغويًّا يرتقي به إلى مرتبة الفصحاء والأبيِناء.
أذكر من هذه النصوص المتخيَّرة – على سبيل التمثيل – صغار السور القرآنية، وهي مما يمكن أن يردِّده مجموع الأطفال مع معلمهم بصوت واحد يجعل حفظه سهلاً، بل ينقشه في ذاكرة الطفل نقشًا يصعب أن يزول مع الزمن، ويمكن أن تتوسع دائرة هذه السور لتشمل جزء عمَّ كلَّه وتُضَم إليه سورٌ أخرى يسهل تردادها على ألسنة الأطفال.
ومن هذه النصوص أيضًا قصائد تُتخيَّر من أرق الشعر وأعذبه جرسًا وأخفِّه وقعًا، مما يمكن أن يتغنى به الأطفال، كقصائد شوقي على ألسنة الحيوان، وقصائد سليمان العيسى الخاصة بالأطفال، بل إن المتتبِّع للشعر العربي يقف على نماذج من عيون الشعر القديم بلغت الغاية في العذوبة والرقة والسهولة والخفَّة، من مثل قول العباس بن الأحنف المتوفى (192هـ):
وكانت جارةً للحُ ورِ في الفِردَوسِ أحقابا
فأمسَتْ وهي في الدُّنيا وما تألفُ أَترابا
لها لُعَبٌ مُصَفَّفةٌ تُلقِّبُهُنَّ ألقابا
تُنادي كُلَّما رِيعَتْ مِنَ الغِرَّة يا بابا[6]
وأمثالها كثيرة في أدبنا العربيّ، وقد كان أستاذنا العلامة أحمد راتب النفاخ يحفِّظ ولده من غرر الشعر الجاهلي والإسلامي الشيء الكثير ولم يكن عمره يزيد على أربع سنوات!
ولا بدَّ من التنبيه هنا على ملاحظة في غاية الأهمية، وهي وجوب أن يكون المعلم متقنًا للغة لا يلحن فيما يلقِّن للطفل، وإلاَّ ضاع الجهد سُدى وانقلب الأمر ضررًا، لأن ما بني على فسادٍ فإلى فسادٍ يؤول، واللحن الذي يلقَّن للطفل سينقش في ذهنه وسيؤدي إلى قياس فاسد عنده.
وينبغي أيضًا أن يجمع المعلم إلى إتقانه للغة، تجويدًا لأصواتها، وإفصاحًا للنطق بها، وسلامة من آفات النطق، ومن طغيان بعض اللهجات العامية على لسانه، لأن الطفل سيحاكي ما يسمعه، فإذا سمع اللفظ مجوّدًا فصيحًا خاليًا من الآفات أدَّاه أحسن الأداء، وإلاَّ انطبع الفساد في ذهنه وبَعُد عن الفصاحة بُعْدَ معلمه عنها.
هذا بحث قيم للدكتور محمد حسن الطيان قدمه في المؤتمر السابع لمجمع اللغة العربية بدمشق ملخص البحث:
يرمي هذا المبحث إلى معالجة ضعف العربية لدى الكثرة الكاثرة من الناطقين بها، معتمدًا نظرية ابن خلدون في اكتساب اللغة وعدِّها ملكة صناعية، ونظرية تشومسكي في القدرة الفطرية لتعلم اللغة.
وهو يقترح خطة لاكتساب العربية يدلل عليها بتجارب ناجحة (قديمة وحديثة) وتتلخص هذه الخطة بالبنود الآتية:
• تنشئة الطفل على سماع الكلام الفصيح.
• قراءة النصوص الفصيحة وحفظها.
• تعلم مبادئ النحو الوظيفي والبلاغة.
• تعلم مبادئ التجويد والتمرس به.
• مزاولة الفصاحة قراءة وكتابة وكلامًا.
• أثر وسائل الإعلام في اكتساب هذه الملكة.
تمهيد:
لم يعد يخفى على أحد ما تعانيه مجتمعاتنا العربية من ضعف في اللغة، وبعد عن العربية، وعيٍّ في البيان، وعدم قدرة على التعبير والكتابة، وليس ذلك قاصرًا على العامة من أبناء المجتمع بل هو يطال الخاصة من مثقفيهم وأرباب الشهادات العالية منهم بل النخبة التي يتوسم أن تتبوأ أعلى مقام في الفصاحة والبيان وامتلاك ناصية العربية.
وإذا قلّب المرء بصره بين أقطار العربية المختلفة راجيًا أن يحظى بما يشفي الغلة انقلب إليه البصر خاسئًا حسيرًا من تردِّي المستوى وضياع العربية بين أهلها.
إنَّا لفي زمنٍ تَركُ القَبيحِ بهِ مِن أكثرِ الناسِ إحسانٌ وإجمالُ
ويزداد العجب حين يذكر المرء أن مادة اللغة العربية تحظى بالمساحة الكبرى بين المواد التي يدرسها الطالب في سني دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم تكون العاقبة عجزًا عن إقامة اللسان بعبارة، أو قراءة فقرة، أو كتابة صفحة دون أخطاء مخلة أو ضعف في التعبير يؤدي إلى قلب الحقائق وطمس المعالم وسوء النتائج.
ومن ثم كان لابد من إعادة النظر في طرق تدريس العربية لأبنائنا وطلابنا، لسد الخلل الذي يتسرب منه الضعف إلى ألسنتهم ولرسم المنهج الذي يمكنهم من امتلاك ناصية اللغة، وإقامة ألسنتهم على الجادة.
وفيما يأتي بيان لخطة مقترحة لاكتساب العربية والفصاحة أرجو أن تحظى من سديد آراء المشاركين في هذا المؤتمر ودقيق ملاحظاتهم ما ينفي عنها الزيغ ويستقيم بها على الصراط السوي
الخطة المقترحة
تعتمد هذه الخطة في أركانها الأساسية على نظريتي ابن خلدون وتشومسكي وفيما يأتي بيان ذلك:
عدَّ ابن خلدون اللغة ملكة صناعية فقال في مقدمته: {اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها، وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب، فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلم حينئذٍ الغاية من إفادة مقصوده للسامع، وهذا هو معنى البلاغة، والملكات لا تحصل إلاّ بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولاً وتعود منه للذات صفة ثم يتكرر فتكون حالاً، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة}.
وجاء علم اللسانيات ليؤيد ما ذهب إليه ابن خلدون في نظرية اكتساب اللغة، إذ يرى تشومسكي – أحد أقطاب علم اللسانيات – أن الطفل يولد ولديه معرفة فطرية لتعلم اللغة، أو أن لديه ملكة تهيِّئه لهذا العلم، وهذه المعرفة تؤلف الأداة لاكتساب اللغة وهي موجودة عمومًا لدى كل إنسان
ويؤكد علم اللسانيات أن الأطفال يحاكون أو يقلدون ما يسمعونه من الكبار، ولذا تعد المحاكاة أحد الأساليب المهمة التي يستعملها الطفل عند اكتسابه اللغة، فقد أوضحت البحوث العلمية أن ترديد المسموع أسلوب واضح ومميز في التعلم المبكر للغة وجانب مهم في الاكتساب المبكر لأصواتها.
إن محاكاة الطفل لما يسمعه تكون بادئ بدءٍ دون فهم أو تركيز على المعلومات المتعلقة بالمعاني التي تمثل البنية العميقة للغة، ويستمر الطفل بهذه المحاكاة السطحية في المراحل الأولى من الاكتساب اللغوي لعدم امتلاكه القدرة الضرورية لربط المعاني بالعبارات والألفاظ، ولكن الأطفال مع مرور الزمن وفهم مستوى المعاني في اللغة يبدؤون في تركيز الكثير من اهتمامهم وربما كل اهتمامهم على مستوى البنية العميقة للغة، كما ينشغلون في محاكاة هذا المستوى، حتى ربما جار ذلك على تركيزهم على المحاكاة السطحية بحيث يبدون كأنهم مقلدون غير مجيدين، إن الربط بين هذه البنية العميقة وتلك السطحية هو أقرب ما يكون إلى ما عبَّر عنه ابن خلدون بمراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال...
ولم يكتف ابن خلدون بهذا بل راح يبيّن سبل اكتساب هذه الملكة بعد أن فسدت الألسنة، حيث يقول: {اعلم أن ملكة اللسان المضري لهذا العهد قد ذهبت وفسدت، إلاّ أن اللغات لما كانت ملكات كان تعلمها ممكنًا شأن سائر الملكات، ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن، والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين أيضًا في سائر فنونهم، وحتى يتنَزَّل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور مَنْزلة من نشأ بينهم ولُقِّن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عباراتهم، وتأليف كلماتهم، وما وعاه وحفظه من أساليبهم وترتيب ألفاظهم، فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال، ويزداد بكثرتهما رسوخًا وقوة}
بناءً على هذا كله يمكن أن نقترح الخطة التالية لاكتساب ملكة اللغة:
1- تنشئة الطفل على سماع الكلام الفصيح:
وذلك بأن يخضع الطفل لدورات منظمة من خلال رياض الأطفال لا يسمع فيها إلاّ الفصيح من الكلام، وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها وآتت أكلها على خير وجه من خلال التجارب التي أجراها الأستاذ الدكتور عبد الله الدنان على طفليه أولاً ثم على رياضٍ للأطفال في كل من الكويت ودمشق، وهو بصدد تعميم هذه التجربة على أقطار الوطن العربي الكبير، وقد بلغت المدارس التي تطبِّق طريقته اثنتين وسبعين مدرسةً في نحو تسع دول عربيَّة.
ويؤكد د.الدنان – الذي درس أصول التربية واكتساب اللغة ومهارات التعليم في بريطانيا وكان له مشاركة فعالة في البرنامج التلفازي الناجح (افتح يا سمسم) – أن مرحلة الخصوبة اللغوية إنما تنحصر في المدة الواقعة بين السنة الأولى والسنة السادسة من عمر الطفل؛ إذ يحاكي الطفل ما يسمعه من حوله وتكون لديه القدرة العجيبة على المحاكاة والتركيب والتحليل والقياس والتوليد والاشتقاق والنحت، إلى حدٍّ جعل التربويين يفكرون بتلقين الطفل عدة لغات بآن واحد في هذه السنِّ كما يجري في سدني بأستراليا، إذ تقوم إحدى المؤسسات التربوية بتلقين الأطفال سبع لغات بآن واحد!!.
وأنا أشهد أن تجربة د.الدنان قد حظيت بنصيب لا بأس به من النجاح، فقد سمعت حوارًا مسجلاً على الفيديو بينه وبين ابنه ذي السنوات الثلاث فكانت العربية تجري طيِّعة غضَّة على لسان الطفل بلا تكلف ولا اصطناع، وإن تعجب فعجب أمره حين كان يجيب أمه بالعامية إما تدخلت في ذلك الحوار ثم يعود إلى عربيته مع أبيه، فما كانت العربية بمانعة له من محاكاة لغة أمه العامية، فلكل مقام مقال، ولكل سؤال جواب.
ثم زرت الروضة التي أسسها في الكويت عام 1989م، وزرت الروضة التي أسسها في دمشق عام 1995م، فسمعت عجبًا من حديث الأطفال بالعربية الفصيحة، وسمعت طُرَفًا من أفانين اشتقاقهم وتوليدهم وقياسهم، مما جعلني أجري التجربة مع بعض أولادي في حدود ضيقة وقد كان فيها نفع كبير وأجراها بعض أصحابي أيضًا فأثبتت نجاحًا باهرًا.
وقد شهد بنجاح هذه التجربة رهط من أهل العلم وأرباب اللغة على رأسهم أستاذنا العلامة سعيد الأفغاني رحمه الله، على أنه أبدى ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي اقتصار التلقين على الحوار وقص القصص بالعربية الفصيحة، وعدم اشتماله على نصوص سهلة من عيون الأدب العربي تساعد الطفل على اكتساب اللغة وتنمية الذوق الأدبي الرفيع، وامتلاك أدوات الفصاحة والبيان.
وأنا مع أستاذنا الجليل في كل هذا، فلا بدَّ إلى جانب التلقين هذا من عرض طائفة من نصوص العربية تتخير من أسهلها لفظًا وأسلسها عبارةً وأيسرها حفظًا وأقربها فهمًا، وأحلاها إيقاعًا ووزنًا، ليسمعها الطفل فيطرب لها، ويتغنى بها، ويحفظها فتكون له رصيدًا وزادًا لغويًّا يرتقي به إلى مرتبة الفصحاء والأبيِناء.
أذكر من هذه النصوص المتخيَّرة – على سبيل التمثيل – صغار السور القرآنية، وهي مما يمكن أن يردِّده مجموع الأطفال مع معلمهم بصوت واحد يجعل حفظه سهلاً، بل ينقشه في ذاكرة الطفل نقشًا يصعب أن يزول مع الزمن، ويمكن أن تتوسع دائرة هذه السور لتشمل جزء عمَّ كلَّه وتُضَم إليه سورٌ أخرى يسهل تردادها على ألسنة الأطفال.
ومن هذه النصوص أيضًا قصائد تُتخيَّر من أرق الشعر وأعذبه جرسًا وأخفِّه وقعًا، مما يمكن أن يتغنى به الأطفال، كقصائد شوقي على ألسنة الحيوان، وقصائد سليمان العيسى الخاصة بالأطفال، بل إن المتتبِّع للشعر العربي يقف على نماذج من عيون الشعر القديم بلغت الغاية في العذوبة والرقة والسهولة والخفَّة، من مثل قول العباس بن الأحنف المتوفى (192هـ):
وكانت جارةً للحُ ورِ في الفِردَوسِ أحقابا
فأمسَتْ وهي في الدُّنيا وما تألفُ أَترابا
لها لُعَبٌ مُصَفَّفةٌ تُلقِّبُهُنَّ ألقابا
تُنادي كُلَّما رِيعَتْ مِنَ الغِرَّة يا بابا[6]
وأمثالها كثيرة في أدبنا العربيّ، وقد كان أستاذنا العلامة أحمد راتب النفاخ يحفِّظ ولده من غرر الشعر الجاهلي والإسلامي الشيء الكثير ولم يكن عمره يزيد على أربع سنوات!
ولا بدَّ من التنبيه هنا على ملاحظة في غاية الأهمية، وهي وجوب أن يكون المعلم متقنًا للغة لا يلحن فيما يلقِّن للطفل، وإلاَّ ضاع الجهد سُدى وانقلب الأمر ضررًا، لأن ما بني على فسادٍ فإلى فسادٍ يؤول، واللحن الذي يلقَّن للطفل سينقش في ذهنه وسيؤدي إلى قياس فاسد عنده.
وينبغي أيضًا أن يجمع المعلم إلى إتقانه للغة، تجويدًا لأصواتها، وإفصاحًا للنطق بها، وسلامة من آفات النطق، ومن طغيان بعض اللهجات العامية على لسانه، لأن الطفل سيحاكي ما يسمعه، فإذا سمع اللفظ مجوّدًا فصيحًا خاليًا من الآفات أدَّاه أحسن الأداء، وإلاَّ انطبع الفساد في ذهنه وبَعُد عن الفصاحة بُعْدَ معلمه عنها.
الثلج الاسود- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : يمني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 27054
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
وردة الحب- مؤســـــس الموقــــــع
- جنسية العضو : بحرينية
الأوسمة :
عدد المساهمات : 4059
تاريخ التسجيل : 01/03/2012
المزاج : هادئة
مواضيع مماثلة
» باسم منتدى نظرة عيونك يا قمر نقدم التعازي للملكة العربية السعودية ولانفسنا في فقيد الامتين العربية والاسلامية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود
» الحلويات العربية
» اللغة العربية
» النمش وطرق لاخفائة
» وقت الحزن وطرق علاجه
» الحلويات العربية
» اللغة العربية
» النمش وطرق لاخفائة
» وقت الحزن وطرق علاجه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر