المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 606 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 606 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
بحث عن الاجرام 51
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
بحث عن الاجرام 51
المبحث الخامس
الــجــنــس أو الــنــوع
131- تقسيم :
تستوجب منا دراسة الجنس أو النوع كعامل إجرامي بيان أوجه الاختلاف بين إجرام الرجل وإجرام المرأة سواء من حيث الكم أو من حيث النوع ، ثم محاولة إيجاد تفسير علمي لهذا الاختلاف.
المطلب الأول
الجنس والاختلاف الكمي والنوعي للإجرام
تكشف الإحصاءات الجنائية عن وجود اختلاف واضح بين إجرام الرجل وإجرام المرأة سواء من حيث كم أو نوع الإجرام. فمن الناحية الكمية ، خلصت الدراسات الإجرامية إى أن إجرام الرجل يفوق إجرام المرأة أياً ما كانت فترة القياس. ووفقاً لبعض التقديرات يبلغ إجرام الرجل عشرة أمثال إجرام المرأة ، وفي أغلب الحالات يكون خمسة أمثاله أو يزيد. كما قيل أن نسبة إجرام الرجل تبلغ ربع إلى عشر الإجرام العام في المجتمع.
وتشير بعض الإحصاءات العربية أن المرأة في الجزائر وتونس والمغرب ترتكب جريمة واحدة في مقابل 2744 جريمة يرتكبها الرجل. وتبلغ نسبة جرائم النساء في مصر حوالي 5% من مجموع الإجرام العام ، وحوالي 4% من مجموع لجنايات المرتكبة ، و6% من مجموع الجنح المرتكبة.
وكشفت بعض الإحصاءات في الولايات المتحدة عن أن عدد المقبوض عليهم من الرجال يبلغ 90% من المجموع الكلي للمقبوض عليهم ، وأن معدل الإيداع في السجون هي امرأة واحدة في مقابل عشرة رجال. وفي ألمانيا تبلغ نسبة إجرام النساء 16% من مجموع الإجرام العام.
وفي فرنسا أكدت الإحصاءات أن نسبة إجرام النساء لا تزيد على عشر الإجرام العام ، وأن نسبة المودعات في السجون لا تتعدى 3% من مجموع النزلاء في السجون. كما ثبت أن نسبة المحالات لمحكمة الجنايات أقل من مثيلتها لدى الرجال بحوالي اثنى عشرة مرة.
وقد جاء في الإحصاء الوارد بتقرير الأمن العام الصادر عن مصلحة الأمن العام في مصر عام 1982 أن إجمالي عدد المتهمين في جنايات بلغ 2574 متهماً من الرجال والنساء ، وبلغ عدد الرجال منهم حوالي 2501 متهماً ، بينما بلغ عدد النساء حوالي 73 امرأة.
ويؤكد البعض على أن الفارق الكمي بين إجرام المرأة وإجرام الرجل يتوقف في كثير من الأحيان على عامل السن والفترة التي يجري فيها القياس والمناطق الجغرافية. فذروة الفارق الكمي بين النوعين من الإجرام تقع في العهد الأول بالإجرام ، بينما يقل الفارق مع بلوغ المرأة سن الأربعين. وأشير أيضاً إلى أن نسبة هذه الأخيرة تزيد في فترات الحروب عنها في الفترات الأخرى ، الأمر الذي ثبت بالمقارنة بين إحصائيين أجريا في فرنسا أحدهما عام 1945 أبان الحرب العالمية الثانية (تعدت النسبة 25.2%) والآخر عام 1968 (لم تتعدى النسبة 13%). وأكدت بعض الدراسات توقف نسبة الفارق بين إجرام الرجل والمرأة على المكان. فهذا الفارق يزيد في اليابان والولايات المتحدة عنه في بلجيكا وايطاليا.
وعلى المستوى النوعي تؤكد الإحصاءات الجنائية في مختلف الدول أن هناك نوع من الجرائم يكاد يكون حكراً على المرأة وحدها ، بما يمكننا أن نسميها "جرائم نسائية" ، ومنها جرائم الدعارة ، وقتل الأطفال حديثي الولادة ، وجرائم تعريض الأطفال للخطر ، وجرائم الإجهاض ، وزنى الزوجة. ففي فرنسا تشير إحصاءات عام 1967 أن 70% من النساء المحكوم عليهن قد ارتكبن جرائم إجهاض ، و82% منهن ارتكبن جريمة قتل الأطفال حديثي الولادة. وهذه الأخيرة تمثل 30% من حجم الإجرام الكلي للمرأة.
كذلك يغلب على المرأة إقدامها على الجرائم التي تحتاج في تنفيذها إلى ذكاء وحيلة أكثر من احتياجها لمجهود عضلي ، كالسرقة البسيطة من المحلات التجارية وإخفاء الأشياء المسروقة والقوادة والزنا والنصب وخيانة الأمانة والجرائم المخلة بالشرف والاعتبار وشهادة الزور. كما أن جرائم القتل الواقعة من النساء يغلب في على تنفيذها طابع الحيلة ، لذا تفضل المرأة القتل بالسم عن القتل بأي وسيلة أخرى. وفي جرائم الإتلاف تفضل استخدام وسيلة الحريق أكثر من أي وسيلة أخرى.
كما لوحظ أن نسبة إجرام المرأة تقل كثيراً فيما يتعلق بالجرائم التي تتطلب العنف كالضرب والجرح والحريق العمد والسرقات المشددة وإتلاف الأموال والجرائم المضرة بالمصلحة العامة. فهذه الجرائم بحسب الأصل "جرائم ذكرية" ، وإذا فرض وساهمت المرأة في تنفيذها فإن دورها يقف عند حد التحريض والمساعدة على ارتكابها.
المطلب الثاني
تفسير صلة الجنس بكم ونوع الإجرام
تنوعت المبررات التي قيلت من أجل تفسير اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل كما ونوعاً. ويمكننا في هذا الصدد أن نشير إلى التفسير البيولوجي النفسي وإلى التفسير الاجتماعي. غير أن البعض يجادل في وجود اختلاف حقيقي - خاصة من الناحية الكمية - بين إجرام الرجل وإجرام المرأة قائلين أن الفارق بينهما فارق ظاهري بحت.
132- أولاً : ظاهرية الفارق الكمي والنوعي :
يجب أن نشير في البدء إلى أن البعض من علماء الإجرام قد عارض حقيقة اختلاف إجرام الرجل كمياً ونوعياً عن إجرام المرأة ، قائلين أن الفارق بينهما هو فارق ظاهري فقط يرجع إلى أن الإجرام الرسمي للمرأة كما تكشف عنه الإحصاءات لا يتطابق البتة مع العدد الفعلي لجرائمها.
فالإحصاءات الجنائية – كما يشير لومبروزو في مؤلفه "المرأة المجرمة والدعارة La femme criminelle et la prostituée" - لا تضم حالات البغاء التي تمارسها المرأة ، كما أن بغاء المرأة يعصمها من الوقوع في جرائم أخرى كالسرقة والنصب لما تدره هذه الآفة من عائد لا يتحصل عليه الرجال إلا بالوسائل غير المشروعة ؛ فالبغاء يبدو هكذا وكأنه البديل عن الإجرام أو هو تحويل للميول الإجرامية لدى النساء. ولو فرض وأضيفت النسبة الفعلية لهذه الجرائم إلى مجموع جرائمهن لتساوى إجرام المرأة مع إجرام الرجل وربما زاد عليه. ولسوف تتأكد لنا هذه الحقيقة إذا ما علمنا أن الدعارة ما تزال فعلاً مباحاً في العديد من الدول ، بما يظهر نسبة إجرام النساء في هذه الأخيرة أقل من مثيلتها لدى الرجال.
كما ذهب البعض في تبرير ظاهرية الفارق بين النوعين من الإجرام إلى القول بأن كثيراً من إجرام النساء يتم في الخفاء ، كالإجهاض والزنا وسرقة المعروضات ، فلا يقبض عليهن ولا تظهر هذه الجرائم في الإحصاءات الجنائية ، وذلك بعكس إجرام الرجل حيث لا يسهل عليه إخفاء الكثير مما يرتكبه من جرائم فتظهر بالتالي في الإحصاءات الجنائية. وهكذا لا تعبر الإحصاءات الجنائية بحال عن الرقم الحقيقي لإجرام المرأة.
كما دعم هذا الاتجاه رأيه بالقول بأن المرأة هي التي تقف وراء الكثير من الجرائم التي يرتكبها الرجل ، ليصدق هنا مقولة نابليون الشهيرة "ابحث عن المرأة Chercher la femme". فقد أثبتت الدراسات الإجرامية أن المرأة تكون سببا في 40% من الجرائم الخلقية ، و20% من جرائم القتل ، و10% من جرائم السرقة. فإذا ما أضيفت هذه الجرائم إلى مجموع ما ترتكبه النساء من جرائم لاختلفت نسبة إجرام المرأة اختلافا تاماً.
كما استند البعض في تفسير ظاهرية الفارق بين نوعي الإجرام إلى القول بوجود بعض الاعتبارات العملية التي تحول دون النطق بالعقوبة تجاه المرأة. فقد يحول تودد الرجل للمرأة من تقدمه بشكوى تجاهها إذا كان مجنياً عليه ، أو تحمله مسئولية الجريمة عنها إذا شاركته في ارتكابها. كما جرى العمل في دوائر الشرطة والنيابات على التساهل مع المرأة واستفادتها كثيراً من أوامر حفظ الأوراق وألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ، بدافع التستر والحفاظ على سمعتها.
والواقع أن تلك الحجج ليست حاسمة في تفسير الفارق بين نوعي الإجرام ، ودليلنا في ذلك الآتي :
أن تعليل ظاهرية الفارق بينهما بعدم ظهور إجرام البغاء ضمن الإحصاءات الجنائية تبرير غير كافي وغير دقيق. فأما أنه غير كافي فذلك لأنه في ظل التشريعات التي تجعل من البغاء جريمة قد أثبتت الإحصاءات الجنائية انخفاض نسبة إجرام المرأة عن إجرام الرجل. وأما أنه غير دقيق فذلك لأن الدعارة لا تمثل في نظر من تمارسها بديلاً عن الميول الإجرامية ، يؤكد ذلك أنه لو حيل بين المرأة وبين ممارسة البغاء فليس من المحتم أن تقدم على ارتكاب الجرائم.
كما لا يمكن الاستناد إلى فكرة الخفاء لتبرير الفارق بين النوعين من الإجرام. فهناك جرائم نسائية تثير الفضيحة وتستدعي التستر ورغم ذلك ثبت ارتفاع معدل إحصائها والكشف عنها ، ومن ذلك جرائم القوادة وجرائم الإجهاض. هذا فضلاً عن أن الجرائم التي ترتكبها المرأة في الخفاء ليست إلا جزءً محدوداً من مجموع ما ترتكبه المرأة من جرائم. فإذا فرض وأضيفت نسبة هذه الجرائم فليس من المحتم أن تتساوي نسبة الإجرام بين المرأة والرجل.
ولا يفلح سنداً في رأينا القول بأن المرأة هي التي تقف في الغالب وراء ما يرتكبه الرجل من جرائم ، فما دامت المرأة لم ترتكب فعلا يعد جريمة في نظر القانون فمن غير المنطقي أن تسأل المرأة عنه أو يحصى من بين جرائمها. يدعم هذا الرأي من جانبنا الاعتداد بالمفهوم القانوني للجريمة في مجال الدراسات الإجرامية.
133- ثانياً : التفسير البيولوجي النفسي :
أرجع البعض انخفاض نسبة إجرام المرأة عن إجرام الرجل إلى ما تتميز به المرأة من تكوين عضوي ونفسي يخالف تكوين الرجل. فالبين أن قوة المرأة البدنية أقل من قوة الرجل حتى قيل أنها مخلوق ضعيف ، يجبن أن يدخل في طور التنفيذ حتى ولو كانت له ميول إجرامية. ولعل هذا ما يفسر عدم إقدامها في أغلب الأحيان على ارتكاب جرائم العنف ، مفضلة التواري وراء الجرائم البسيطة كالسب والقذف وخيانة الأمانة والجرائم التي تقع بالحيلة كالنصب والقتل بالسم.
كما أن التغيرات الفسيولوجية التي تتعرض لها الأنثى بحكم تكوينها الطبيعي ، كالدورة الشهرية والحمل والولادة والنفاس والإرضاع ، تؤثر على حالتها النفسية تأثيراً قد يدفعها إلى السقوط في سبيل الجريمة. فهذه التغيرات يصاحبها في العادة حدة في الميول الأنانية والعدوانية واضطرابات عصبية وتقلبات مزاجية ، الأمر الذي يسهل استجابتها للمؤثرات الخارجية فتندفع إلى ارتكاب أفعال بعضها قد يكون مفاجئ كالانتحار والإجهاض وقتل الطفل الوليد. ولعل أخطر المراحل الفسيولوجية تأثيراً على المرأة هي مرحلة بلوغ سن اليأس التي قد يصاحبها اضطراب في الجهاز العصبي المركزي ، يؤثر بدورة على المكونات النفسية للمرأة ويزيد لديها من نوبات القلق والخوف والاكتئاب والشذوذ الجنسي والغريزي.
وقد أثبتت الإحصاءات الإنجليزية أن 41% من النساء المتهمات قد ارتكبن جرائمهن في فترة الحيض. كما كشفت بعض الإحصاءات في فرنسا عن أن 63% من النساء المتهمات في جرائم سرقة المتاجر قد ارتكبن أفعالهن في أثناء الحيض.
غير أن التبرير البيولوجي والنفسي قد تعرض للعديد من أوجه النقد ، نذكر من بينها :
أن الأبحاث قد أثبتت عدم صحة الرأي القائل بأن المرأة مخلوق ضعيف بدنياً من الرجل. فمتوسط عمر المرأة أطول من متوسط عمر الرجل ؛ وأن مقاومتها للأمراض والأوبئة تفوق مقاومة الرجل ؛ وأن الأجنة من الإناث أقل تعرضا للإجهاض من الأجنة الذكور ؛ كما أن نسبة الوفاة بين المواليد الذكور أعلى منها بين الإناث. كما قيل أن الجهاز العصبي لدى المرأة أقوى منه لدى الرجل ، يدعم ذلك كشف الصحافة في الآونة الأخيرة عن وقائع قتل الزوجات لأزواجهن وتقطيعهم والإلقاء بجثثهم في أماكن متفرقة.
أنه إذا صدق القول بأن الضعف البدني هو السبب في انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل لتوجب أن يقتصر الانخفاض على جرائم العنف التي يحتاج تنفيذها إلى مجهود عضلي. بيد أن الإحصاءات تؤكد أن جرائم المرأة تقل في مجموعها عن جرائم الرجل في أغلب أنواع الجرائم ، ما احتاج منها إلى قوة بدنية وما لا يحتاج إلى ذلك.
أنه حتى لو سلمنا بأن ضعف المرأة هو السبب في نقص حجم إجرامها ، فإن الضعف لا يمكن له أن يبرر الفارق الكبير بين نسبة إجرام كل منهما. فإذا صح ما قاله كتليه بأن قوة المرأة تعادل نصف قوة الرجل ، لوجب منطقياً أن يبلغ حجم إجرام المرأة نصف حجم إجرام الرجل ، وهو قول تكذبه الإحصاءات التي أثبتت أن إجرام الرجل يبلغ من خمسة إلى عشرة أمثال إجرام المرأة ، مما يؤكد أن التفاوت البدني ليس وحده الذي يقف وراء التفاوت في كم ونوع الإجرام بينهما.
134- ثالثاً : التفسير الاجتماعي :
مال البعض إلى إرجاع اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل إلى تباين المركز الاجتماعي لكل منهما أو الدور الذي يلعبه كل منهما في المجتمع.
ويدعم هذا الجانب رأيه بالنتائج الإحصائية التي أثبتت تفاوت نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل من دولة لأخرى ومن جماعة لأخرى. وأن النسبتان تميلان للتساوي كلما تقارب المركز والدور الاجتماعي لكل من الرجل والمرأة. يؤكد ذلك تقارب النسبتان في المدن بالمقارنة بالريف ، وفي الدول المتقدمة التي تسودها أفكار التحرر مقارنة بالدول الآخذة في النمو ، وفي المجتمعات الصناعية بالمقارنة بالمجتمعات الزراعية.
ويؤكد صحة هذا التفسير أيضاً أن نسبة إجرام المرأة تزيد في أوقات الحروب ، وذلك لاضطرار المرأة إلى النزول إلى معترك الحياة والقيام بور اجتماعي أكبر لانصراف الرجال للقتال.
فضلاً عن أن بعض الدراسات قد أثبتت أن نسبة إجرام الإناث الذين ينتمون إلى عائلات متصدعة تزيد عن نسبة إجرام الذكور الذين ينتمون لعائلات من ذات النوع ، مما يؤكد بأن المرأة أكثر تأثرا بالظروف والعوامل الاجتماعية إذا ما قورنت بالرجل.
وقد أرجع البعض داخل التيار الاجتماعي اختلاف نسبة الإجرام بين المرأة والرجل إلى اختلاف طريقة التربية والإعداد التي يتلقاها منذ الصغر كل من الأولاد والبنات. فأصول التربية في مجتمعاتنا الشرقية تنمي لدى الفتاه عقيدة الكنف ، والتي مؤداها أن المرأة مكفولة في كافة مراحلها العمرية من الآخرين من الذكور. كما تفرض قواعد التربية والأصول الاجتماعية على البنات أن يكن دمثات الخلق هادئات الطبع ، في حين تفرض على الصبيان أن يكونوا أشداء مثابرين متحملين للمسئولية. ويكون الصبي موضعاً للتهكم كلما تماثل سلوكه مع سلوك البنات باعتباره مخنثاً. كما أن قواعد التربية تفرض على الأسرة القيام بدور وقائي أكبر تجاه الفتاه إذا ما قورنت بالفتى ، فتنشأ البنت وقد نما لديها الإحساس بضرورة تجنب الاستهجان الاجتماعي ووجوب احترام القيم السلوكية للمجتمع.
غير أن هذا التفسير بدوره قد عيب عليه أنه إذا كان المقصود بالمركز أو الوضع الاجتماعي الذي تحتله المرأة في المجتمع ويؤدي إلى انخفاض نسبة إجرامها عن إجرام الرجل هو أنها تعيش في كنف الرجل وتتمتع بحمايته ويحمل عنها كافة المسئوليات ، فإن منطق هذا التفسير أن تكون نسبة إجرام المتزوجات أقل من نسبة إجرام غير المتزوجات ، وهو أمر تناقضه الإحصاءات الجنائية التي تؤكد أن نسبة لإجرام المتزوجات تزيد عن نسبة لإجرام غير المتزوجات.
بل لقد كشفت بعض الإحصاءات عن أن إجرام المرأة لم تتغير نسبته رغم زيادة الدور الاجتماعي للمرأة وزيادة أعبائها ومساهمتها في الحياة العامة.
والواقع أن اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل من حيث الكم والنوع لا يمكن تفسيره إلا في ضوء الجمع بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية ؛ فكل منها يفسر جزءً من الحقيقة بحيث يصعب الفصل بينها.
فالعوامل البيولوجية والنفسية للمرأة ذات دور غير منكور في الإقلال من حجم إجرامها وتفردها بأنواع معينة من الجرائم. فالمرأة أقل من الرجل في القوة البدنية ، وتمر بأطوار فسيولوجية متنوعة تؤثر في تكوينها النفسي وبالتالي على سلوكها العام. كما أن للظروف والعوامل الاجتماعية تأثيرها على انخفاض إجرام النساء عن الرجال ، ذلك أنه كلما زاد الدور الذي تنهض به المرأة في المجتمع كلما زادت نسبة إجرامها ، والعكس بالعكس.
والجمع بين التفسيرين لازم من أجل تبرير التفاوت النوعي في الإجرام بين الرجل والمرأة. فارتفاع نسبة جرائم معينة بين النساء من ناحية ، كالإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة والزنا والدعارة ، وضعف مساهمة المرأة من ناحية أخرى في جرائم العنف أمر لا يمكن تفسيره إلا في ضوء الاعتبارات البيولوجية والنفسية التي تميز المرأة عن الرجل. في حين أن قلة حجم جرائم النصب وخيانة الأمانة بين النساء لا يمكن تعليله إلا بالركون للتفسير الاجتماعي الذي يكشف عن أن المرأة أقل احتكاكاً من الرجل بمجال المعاملات والتجارة. وبالمثل لا يمكن تبرير ارتفاع نسبة جرائم القوادة بين النساء إلا لسهولة اتصال المرأة اجتماعياً بغيرها من النساء وكونها جريمة لا تعوزها القوة العضلية أو الذهنية.
المبحث السادس
الأمـــــــــراض
135- تقسيم :
تدل الكثير من البحوث والإحصاءات عن وجود صلة بين الأمراض أياً كان نوعها وبين السلوك الإجرامي. ولإبراز الأثر الذي يحدثه المرض على السلوك العام للفرد - ومنه السلوك الإجرامي – يجدر بنا أن نستعرض بالدراسة على التوالي أهم الأنماط المرضية التي قد تقف عاملاً وراء السلوك الإجرامي ، ومنها على وجه الخصوص الأمراض العقلية والعصبية والنفسية.
المطلب الأول
الأمــراض الــعــقــلــيــة
يقصد بالمرض العقلي إصابة المخ بعاهة تؤثر على الملكات الذهنية للإنسان وجانب الإدراك من شخصيته. وهذه الإصابة قد تصحب الفرد منذ ولادته ، وقد ترجع إلى عارض نال مادة المخ في فترة لاحقه ، نتيجة امتصاص الجسم لمواد ضارة ناشئة عن الجسم ذاته مع عجزه عن التخلص ، أو عن تناول مواد ضارة كالعقاقير المخدرة والمواد الكحولية.
وتتنوع صور المرض العقلي التي قد تؤثر في السلوك الإجرامي للمريض ، ويمكننا أن نذكر منها : الجنون ، الفصام العقلي المعروف باسم الشيزوفرينيا ، وجنون العقائد الوهمية أو هذيان التفسير المسمى البارانويا ، والذهان الدوري أو ما يسمى بجنون الهوس والاكتئاب.
فالجنون Démence هو اعتلال الملكات الذهنية بحيث تختل الذاكرة ويقل الانتباه ويسوء الحكم على الأمور وتعجز الإرادة عن ضبط الميول والغرائز.
وقد يكون هذا الجنون مطبقاً Démence généralisée (في حالة المجنون المجرم) إذا ما اتخذ طابع الاستمرار وطال كل الملكات الذهنية للفرد ؛ وقد يكون متقطعاً Démence périodique ، إذا اتخذ شكل نوبات يفصل بينها فترات إفاقة. والجنون بصورته الأولى يعد مانعاً في كل التشريعات الجنائية للمسئولية الجنائية يحول دون توقيع العقوبات ويوجب العزل في أماكن علاجية كتدبير احترازي ؛ أما في الصورة الثانية فالمسئولية عن الجريمة تتوقف على ما إذا كانت هذه قد ارتكبت حال الإفاقة أم حال النوبة. فإن ارتكبها في حال الإفاقة صار مجرماً مجنوناً تنعقد مسئوليته الجنائية كاملةً.
وهناك ما يسمى بجنون الدوافع الشاذة الذي ينال من حرية الإرادة دون فقد القدرة على التميز. فالمريض به يأتي أفعالاً شاذة يدركها ويعيها ولكن تنعدم قدرته على كبح غرائزه حيالها. ومن قبيل ذلك جنون السرقة Kleptomanie ، التي قد لا يبررها الحاجة للمال إذ قد تقع من قبل الأثرياء. وهناك جنون الحريق Pyromanie ، الذي يستهوي المريض به مشهد النيران وهي تلتهم أموال الغير ، وجنون لكذب Folie de mensonge المتمثل في الميل الدائم لتغيير الحقيقة.
وهناك ما يعرف بجنون الشيخوخة (الخرف) الذي يبدأ عادة في الظهور بعد بلوغ السبعين من العمر والناجم عن ضمور المخ وتصلب الشرايين. ويتميز بوجود اضطراب في الذاكرة مصحوباً بهذيان وتقلص القدرة على الفهم والتقدير الصبياني للأمور والنقص العاطفي. وأغلب الجرائم لدى المصاب بهذا المرض هي الحريق والسرقات التافهة من المحال التجارية والاعتداءات الجنسية على الأطفال.
وفيما يتصل بالفصام العقلي أو الشيزوفرينيا Schizophrénie فهو مرض ينتشر بين الشباب في الفترة من سن الثامنة عشرة والخامسة والعشرين ، لذا يسميه البعض "الجنون المبكر". ومن بين أعراضه اختلال التفكير وبلادة الشعور وبرود الانفعالات. وعادة ما يكون المرض مصحوباً بهذيان أو هلاوس Hallucinations سمعية أو بصرية فيتخيل المصاب به سماع أصوات أو رؤية أشياء أو أشخاص لا وجود لها في دنيا الواقع ، أو يتخيل أن هناك من يضطهده أو يتتبعه. وهذه الأعراض المرضية قد تدفع الشخص المصاب إلى ارتكاب أفعال تتسم بالعنف وبعدم التفكير والتبصر ضد من يعتقد أنه يضطهده أو يتآمر عليه نظرا لإيمانه بمعتقدات وهمية.
ومن أخطر حالات الشيزوفرينيا صور انفصام الشخصية Dédoublement de la personnalité حين يعايش المريض شخصيتان من حيث الواقع ولا يذكر أفعال أحدهما حينما يتقمص الأخرى.
أما جنون العقائد الوهمية أو هذيان التفسير أو البارانويا Paranoïa فعادة ما يصيب الإنسان في منتصف العمر بين 25 و40 سنة. ومن أعراضه أن المصاب به تسيطر عليه أفكار معينة ومعتقدات خاطئة بحيث يستحيل عليه التخلص منها. وتتنوع صور هذا المرض تبعاً لطبيعة هذه المعتقدات الخاطئة ، فهناك بارانويا الاضطهاد حين يسيطر على المريض الشعور بأنه مضطهد من الغير ، وهناك بارانويا العظمة الناشئة عن شعور المريض بأنه أحد العظماء أو الشخصيات التاريخية الهامة. وهناك أخيراً بارانويا الغيرة التى تولد في المريض شعوراً بالأنانية والاستئثار تجعله يغار بشدة على من يحب أو يتحمس ويتعصب بشدة لموضوع ما. فكثيراً ما يعتقد المريض بهذا النوع الأخير من البارانويا بأنه من حماة العدالة والقانون فيندفعون بهذه الصفة إلى ارتكاب أخطر الجرائم.
ونلحظ هكذا اختلاف هذا المرض عن الفصام العقلي ، إذ أن المريض به لا ينعزل عن الواقع بل يظل محتفظاً بذاكرته ومكونات شخصيته ولا يخضع للهلاوس البصرية أو السمعية. فكل ما هنالك أنه يعيش بمعتقدات خاطئة يفسر على أساسها كل الوقائع التي يصادفها في حياته اليومية.
أما الذهان الدوري Dysthymie فيتمثل في نوبات مرضية متناقضة فيما بينها ، يتأرجح خلالها المريض بين الهوس والاكتئاب. ويتمثل الهوس Manie في شعور المريض بالفرح والنشوة والزهو دون سبب ، مصحوباً هذا الشعور بالضحك والثرثرة دون مراعاة الآداب العامة. وخلال هذه النوبة ينتاب المريض حالة من الهياج الشديد والإثارة تجعله مندفعاً وغضوباً ويقل لديه الضمي الأخلاقي ويختل تكفيره وذاكرته فيندفع إلى ارتكاب أفعال العنف أو أفعال الاعتداء على العرض وجرائم القتل والسب القذف.
ويعقب هذه الحالة من الهوس حالة اكتئاب سوداوية Sentiment de frustration تعرف بالميلانخوليا Mélancolie يتميز المريض بها – خاصة في فترات الصباح الباكر - بالتشاؤم والقلق والحزن الشديد المبهم وغير المبرر. كما ينتابه حالة تشتت فكري وشعور بالقهر والإهمال من الغير ، وشعور دائم بالذنب والعار وعدم القدرة على التفسير الصحيح للأمور ، مما قد يدفعه إلى الاعتداء على أقرب المحيطين به ، أو الانتحار تخلصا من حالة الشعور الكاذب بالذنب التي تسيطر عليه.
المطلب الثاني
الأمـــراض الــعــصــبــيــة
الأمراض العصبية تشمل كل خلل يصيب الجهاز العصبي للإنسان تجعله غير قادر على ضبط انفعالاته وتوجيه أعضاء جسمه على النحو الطبيعي والمألوف. ويعد لومبروزو هو أول من أشار إلى صلة هذا النوع من الأمراض بالسلوك الإجرامي حينما أشار عام 1897 في الطبعة الثانية من مؤلفه "الإنسان المجرم" إلى حالة المجرم الصرعي.
ويمكن تقسيم الأمراض العصبية إلى خمسة أنواع تشمل الصرع ، والهستريا ، والنورستانيا ، واليقظة النومية ، وعصاب القلق.
ويظهر الصرع Épilepsie عادة في صورة تعاقب نوبات تشنجية يفقد خلالها المريض الوعي الكامل وينتابه تصلب في عضلات الجسم. وقد تقصر النوبة الصرعية ، وتسمى حينئذ بالنوبة الصغرى ، وقد تطول فتسمى بالنوبة الكبرى. وقد لا يصاحب الصرع أية نوبات تشنجية وإنما تظهر الأعراض الصرعية في صورة هوس حاد Psychose aigue فيصاب المريض باضطراب في وعيه وشعوره وبصعوبة التفكير والإدراك ويكون عرضة لشرود الذهن والميل العدواني وسهولة الانقياد وحدة الطبع والأنانية المفرطة والهذيان ورؤية أشياء لا وجود لها في الواقع أو سماع أصوات كاذبة وضعف القدرة على التحكم في العاطفة أو الميول الغريزية. وقد يصاب المريض بحالة المشي أثناء النوم Somnambulisme ، فيندفع لارتكاب أفعال انتهاك حرمة ملك الغير وهتك العرض والشروع في القتل. وعادة ما لا يتذكر المريض ارتكابه لأفعال إجرامية بعد إفاقته من النوبة الصرعية.
وتتوقف المسئولية الجنائية لمريض الصرع على ما إذا كان قد ارتكب جريمته حال النوبة الصرعية فتنعدم مسئوليته الجنائية ، أم حال الإفاقة بين النوبات فيسأل جنائياً على أساس توافر ملكتي الإدراك والتمييز.
أما الهستريا Hystérie فهي عبارة عن اختلال في ردود الأفعال إزاء مواقف أو ظروف معينة نتيجة اضطراب في العواطف والميول. وعادة ما لا يفقد المريض بالهستريا ملكة التميز ولكن ينال المرض فقط من حرية الاختيار فيندفع المصاب بلا إرادة نحو ارتكاب الجريمة.
وللهستريا أشكال متنوعة : فقد تتخذ الهستريا صورة سكون وهدوء شديد يبدو معها المريض وكأنه لا يحس بما يدور حوله فلا يتحرك ولا يرد على أحد. وقد تأخذ النوبة الهستيرية صورة نوبة تشنجية شبيهة بتلك التي تحدث أثناء الصرع ، أو صورة بكاء مفرط أو ضحك مفاجئ وغير مبرر. وتظل الهستريا التسلطية أخطر أنواع الهستريا على الإطلاق ، وفيها تسيطر على المريض فكرة وهمية تدفعه إلى أفعال إجرامية ولو تجاه الأعزاء لديه.
بينما تتحصل النورستانيا Neurasthénie في شعور المريض بانحطاط في قواه البدنية مصحوباً باضطرابات معوية وأوجاع في الظهر والكتف ، فضلاً عن شعوره بالتشاؤم والاكتئاب وشدة حساسيته نحو المؤثرات الخارجية كالصوت والضوء ، فيندفع إلى الجريمة نتيجة عدم قدرة الجهاز العصبي على السيطرة على أعضاء جسمه وردود أفعاله. وقد أرجع فرويد هذا الشعور إلى الإفراط الجنسي.
أما اليقظة النومية Somnambulisme فهي إتيان تصرفات أثناء النوم يعبر بها عما يجول بخاطره حيال المواقف اليومية. وعادة لا يتذكر الشخص ما يرتكبه من أفعال إجرامية بعد الاستيقاظ ، لذا فهذا المرض يفقد الإرادة وحرية الاختيار ويعد مانعاً من موانع المسئولية الجنائية.
ويتحصل عصاب القلق Névrose d’angoisse - أو ما يسمى الخوف المرضي Phobie - في الشعور بعدم الاستقرار وسيطرة المخاوف على الشخص فتحول بينه وبين التصرف على نحو طبيعي. ومثاله الخوف من الأماكن المرتفعة أو الخوف من الأماكن المغلقة أو المفتوحة.
الــجــنــس أو الــنــوع
131- تقسيم :
تستوجب منا دراسة الجنس أو النوع كعامل إجرامي بيان أوجه الاختلاف بين إجرام الرجل وإجرام المرأة سواء من حيث الكم أو من حيث النوع ، ثم محاولة إيجاد تفسير علمي لهذا الاختلاف.
المطلب الأول
الجنس والاختلاف الكمي والنوعي للإجرام
تكشف الإحصاءات الجنائية عن وجود اختلاف واضح بين إجرام الرجل وإجرام المرأة سواء من حيث كم أو نوع الإجرام. فمن الناحية الكمية ، خلصت الدراسات الإجرامية إى أن إجرام الرجل يفوق إجرام المرأة أياً ما كانت فترة القياس. ووفقاً لبعض التقديرات يبلغ إجرام الرجل عشرة أمثال إجرام المرأة ، وفي أغلب الحالات يكون خمسة أمثاله أو يزيد. كما قيل أن نسبة إجرام الرجل تبلغ ربع إلى عشر الإجرام العام في المجتمع.
وتشير بعض الإحصاءات العربية أن المرأة في الجزائر وتونس والمغرب ترتكب جريمة واحدة في مقابل 2744 جريمة يرتكبها الرجل. وتبلغ نسبة جرائم النساء في مصر حوالي 5% من مجموع الإجرام العام ، وحوالي 4% من مجموع لجنايات المرتكبة ، و6% من مجموع الجنح المرتكبة.
وكشفت بعض الإحصاءات في الولايات المتحدة عن أن عدد المقبوض عليهم من الرجال يبلغ 90% من المجموع الكلي للمقبوض عليهم ، وأن معدل الإيداع في السجون هي امرأة واحدة في مقابل عشرة رجال. وفي ألمانيا تبلغ نسبة إجرام النساء 16% من مجموع الإجرام العام.
وفي فرنسا أكدت الإحصاءات أن نسبة إجرام النساء لا تزيد على عشر الإجرام العام ، وأن نسبة المودعات في السجون لا تتعدى 3% من مجموع النزلاء في السجون. كما ثبت أن نسبة المحالات لمحكمة الجنايات أقل من مثيلتها لدى الرجال بحوالي اثنى عشرة مرة.
وقد جاء في الإحصاء الوارد بتقرير الأمن العام الصادر عن مصلحة الأمن العام في مصر عام 1982 أن إجمالي عدد المتهمين في جنايات بلغ 2574 متهماً من الرجال والنساء ، وبلغ عدد الرجال منهم حوالي 2501 متهماً ، بينما بلغ عدد النساء حوالي 73 امرأة.
ويؤكد البعض على أن الفارق الكمي بين إجرام المرأة وإجرام الرجل يتوقف في كثير من الأحيان على عامل السن والفترة التي يجري فيها القياس والمناطق الجغرافية. فذروة الفارق الكمي بين النوعين من الإجرام تقع في العهد الأول بالإجرام ، بينما يقل الفارق مع بلوغ المرأة سن الأربعين. وأشير أيضاً إلى أن نسبة هذه الأخيرة تزيد في فترات الحروب عنها في الفترات الأخرى ، الأمر الذي ثبت بالمقارنة بين إحصائيين أجريا في فرنسا أحدهما عام 1945 أبان الحرب العالمية الثانية (تعدت النسبة 25.2%) والآخر عام 1968 (لم تتعدى النسبة 13%). وأكدت بعض الدراسات توقف نسبة الفارق بين إجرام الرجل والمرأة على المكان. فهذا الفارق يزيد في اليابان والولايات المتحدة عنه في بلجيكا وايطاليا.
وعلى المستوى النوعي تؤكد الإحصاءات الجنائية في مختلف الدول أن هناك نوع من الجرائم يكاد يكون حكراً على المرأة وحدها ، بما يمكننا أن نسميها "جرائم نسائية" ، ومنها جرائم الدعارة ، وقتل الأطفال حديثي الولادة ، وجرائم تعريض الأطفال للخطر ، وجرائم الإجهاض ، وزنى الزوجة. ففي فرنسا تشير إحصاءات عام 1967 أن 70% من النساء المحكوم عليهن قد ارتكبن جرائم إجهاض ، و82% منهن ارتكبن جريمة قتل الأطفال حديثي الولادة. وهذه الأخيرة تمثل 30% من حجم الإجرام الكلي للمرأة.
كذلك يغلب على المرأة إقدامها على الجرائم التي تحتاج في تنفيذها إلى ذكاء وحيلة أكثر من احتياجها لمجهود عضلي ، كالسرقة البسيطة من المحلات التجارية وإخفاء الأشياء المسروقة والقوادة والزنا والنصب وخيانة الأمانة والجرائم المخلة بالشرف والاعتبار وشهادة الزور. كما أن جرائم القتل الواقعة من النساء يغلب في على تنفيذها طابع الحيلة ، لذا تفضل المرأة القتل بالسم عن القتل بأي وسيلة أخرى. وفي جرائم الإتلاف تفضل استخدام وسيلة الحريق أكثر من أي وسيلة أخرى.
كما لوحظ أن نسبة إجرام المرأة تقل كثيراً فيما يتعلق بالجرائم التي تتطلب العنف كالضرب والجرح والحريق العمد والسرقات المشددة وإتلاف الأموال والجرائم المضرة بالمصلحة العامة. فهذه الجرائم بحسب الأصل "جرائم ذكرية" ، وإذا فرض وساهمت المرأة في تنفيذها فإن دورها يقف عند حد التحريض والمساعدة على ارتكابها.
المطلب الثاني
تفسير صلة الجنس بكم ونوع الإجرام
تنوعت المبررات التي قيلت من أجل تفسير اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل كما ونوعاً. ويمكننا في هذا الصدد أن نشير إلى التفسير البيولوجي النفسي وإلى التفسير الاجتماعي. غير أن البعض يجادل في وجود اختلاف حقيقي - خاصة من الناحية الكمية - بين إجرام الرجل وإجرام المرأة قائلين أن الفارق بينهما فارق ظاهري بحت.
132- أولاً : ظاهرية الفارق الكمي والنوعي :
يجب أن نشير في البدء إلى أن البعض من علماء الإجرام قد عارض حقيقة اختلاف إجرام الرجل كمياً ونوعياً عن إجرام المرأة ، قائلين أن الفارق بينهما هو فارق ظاهري فقط يرجع إلى أن الإجرام الرسمي للمرأة كما تكشف عنه الإحصاءات لا يتطابق البتة مع العدد الفعلي لجرائمها.
فالإحصاءات الجنائية – كما يشير لومبروزو في مؤلفه "المرأة المجرمة والدعارة La femme criminelle et la prostituée" - لا تضم حالات البغاء التي تمارسها المرأة ، كما أن بغاء المرأة يعصمها من الوقوع في جرائم أخرى كالسرقة والنصب لما تدره هذه الآفة من عائد لا يتحصل عليه الرجال إلا بالوسائل غير المشروعة ؛ فالبغاء يبدو هكذا وكأنه البديل عن الإجرام أو هو تحويل للميول الإجرامية لدى النساء. ولو فرض وأضيفت النسبة الفعلية لهذه الجرائم إلى مجموع جرائمهن لتساوى إجرام المرأة مع إجرام الرجل وربما زاد عليه. ولسوف تتأكد لنا هذه الحقيقة إذا ما علمنا أن الدعارة ما تزال فعلاً مباحاً في العديد من الدول ، بما يظهر نسبة إجرام النساء في هذه الأخيرة أقل من مثيلتها لدى الرجال.
كما ذهب البعض في تبرير ظاهرية الفارق بين النوعين من الإجرام إلى القول بأن كثيراً من إجرام النساء يتم في الخفاء ، كالإجهاض والزنا وسرقة المعروضات ، فلا يقبض عليهن ولا تظهر هذه الجرائم في الإحصاءات الجنائية ، وذلك بعكس إجرام الرجل حيث لا يسهل عليه إخفاء الكثير مما يرتكبه من جرائم فتظهر بالتالي في الإحصاءات الجنائية. وهكذا لا تعبر الإحصاءات الجنائية بحال عن الرقم الحقيقي لإجرام المرأة.
كما دعم هذا الاتجاه رأيه بالقول بأن المرأة هي التي تقف وراء الكثير من الجرائم التي يرتكبها الرجل ، ليصدق هنا مقولة نابليون الشهيرة "ابحث عن المرأة Chercher la femme". فقد أثبتت الدراسات الإجرامية أن المرأة تكون سببا في 40% من الجرائم الخلقية ، و20% من جرائم القتل ، و10% من جرائم السرقة. فإذا ما أضيفت هذه الجرائم إلى مجموع ما ترتكبه النساء من جرائم لاختلفت نسبة إجرام المرأة اختلافا تاماً.
كما استند البعض في تفسير ظاهرية الفارق بين نوعي الإجرام إلى القول بوجود بعض الاعتبارات العملية التي تحول دون النطق بالعقوبة تجاه المرأة. فقد يحول تودد الرجل للمرأة من تقدمه بشكوى تجاهها إذا كان مجنياً عليه ، أو تحمله مسئولية الجريمة عنها إذا شاركته في ارتكابها. كما جرى العمل في دوائر الشرطة والنيابات على التساهل مع المرأة واستفادتها كثيراً من أوامر حفظ الأوراق وألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ، بدافع التستر والحفاظ على سمعتها.
والواقع أن تلك الحجج ليست حاسمة في تفسير الفارق بين نوعي الإجرام ، ودليلنا في ذلك الآتي :
أن تعليل ظاهرية الفارق بينهما بعدم ظهور إجرام البغاء ضمن الإحصاءات الجنائية تبرير غير كافي وغير دقيق. فأما أنه غير كافي فذلك لأنه في ظل التشريعات التي تجعل من البغاء جريمة قد أثبتت الإحصاءات الجنائية انخفاض نسبة إجرام المرأة عن إجرام الرجل. وأما أنه غير دقيق فذلك لأن الدعارة لا تمثل في نظر من تمارسها بديلاً عن الميول الإجرامية ، يؤكد ذلك أنه لو حيل بين المرأة وبين ممارسة البغاء فليس من المحتم أن تقدم على ارتكاب الجرائم.
كما لا يمكن الاستناد إلى فكرة الخفاء لتبرير الفارق بين النوعين من الإجرام. فهناك جرائم نسائية تثير الفضيحة وتستدعي التستر ورغم ذلك ثبت ارتفاع معدل إحصائها والكشف عنها ، ومن ذلك جرائم القوادة وجرائم الإجهاض. هذا فضلاً عن أن الجرائم التي ترتكبها المرأة في الخفاء ليست إلا جزءً محدوداً من مجموع ما ترتكبه المرأة من جرائم. فإذا فرض وأضيفت نسبة هذه الجرائم فليس من المحتم أن تتساوي نسبة الإجرام بين المرأة والرجل.
ولا يفلح سنداً في رأينا القول بأن المرأة هي التي تقف في الغالب وراء ما يرتكبه الرجل من جرائم ، فما دامت المرأة لم ترتكب فعلا يعد جريمة في نظر القانون فمن غير المنطقي أن تسأل المرأة عنه أو يحصى من بين جرائمها. يدعم هذا الرأي من جانبنا الاعتداد بالمفهوم القانوني للجريمة في مجال الدراسات الإجرامية.
133- ثانياً : التفسير البيولوجي النفسي :
أرجع البعض انخفاض نسبة إجرام المرأة عن إجرام الرجل إلى ما تتميز به المرأة من تكوين عضوي ونفسي يخالف تكوين الرجل. فالبين أن قوة المرأة البدنية أقل من قوة الرجل حتى قيل أنها مخلوق ضعيف ، يجبن أن يدخل في طور التنفيذ حتى ولو كانت له ميول إجرامية. ولعل هذا ما يفسر عدم إقدامها في أغلب الأحيان على ارتكاب جرائم العنف ، مفضلة التواري وراء الجرائم البسيطة كالسب والقذف وخيانة الأمانة والجرائم التي تقع بالحيلة كالنصب والقتل بالسم.
كما أن التغيرات الفسيولوجية التي تتعرض لها الأنثى بحكم تكوينها الطبيعي ، كالدورة الشهرية والحمل والولادة والنفاس والإرضاع ، تؤثر على حالتها النفسية تأثيراً قد يدفعها إلى السقوط في سبيل الجريمة. فهذه التغيرات يصاحبها في العادة حدة في الميول الأنانية والعدوانية واضطرابات عصبية وتقلبات مزاجية ، الأمر الذي يسهل استجابتها للمؤثرات الخارجية فتندفع إلى ارتكاب أفعال بعضها قد يكون مفاجئ كالانتحار والإجهاض وقتل الطفل الوليد. ولعل أخطر المراحل الفسيولوجية تأثيراً على المرأة هي مرحلة بلوغ سن اليأس التي قد يصاحبها اضطراب في الجهاز العصبي المركزي ، يؤثر بدورة على المكونات النفسية للمرأة ويزيد لديها من نوبات القلق والخوف والاكتئاب والشذوذ الجنسي والغريزي.
وقد أثبتت الإحصاءات الإنجليزية أن 41% من النساء المتهمات قد ارتكبن جرائمهن في فترة الحيض. كما كشفت بعض الإحصاءات في فرنسا عن أن 63% من النساء المتهمات في جرائم سرقة المتاجر قد ارتكبن أفعالهن في أثناء الحيض.
غير أن التبرير البيولوجي والنفسي قد تعرض للعديد من أوجه النقد ، نذكر من بينها :
أن الأبحاث قد أثبتت عدم صحة الرأي القائل بأن المرأة مخلوق ضعيف بدنياً من الرجل. فمتوسط عمر المرأة أطول من متوسط عمر الرجل ؛ وأن مقاومتها للأمراض والأوبئة تفوق مقاومة الرجل ؛ وأن الأجنة من الإناث أقل تعرضا للإجهاض من الأجنة الذكور ؛ كما أن نسبة الوفاة بين المواليد الذكور أعلى منها بين الإناث. كما قيل أن الجهاز العصبي لدى المرأة أقوى منه لدى الرجل ، يدعم ذلك كشف الصحافة في الآونة الأخيرة عن وقائع قتل الزوجات لأزواجهن وتقطيعهم والإلقاء بجثثهم في أماكن متفرقة.
أنه إذا صدق القول بأن الضعف البدني هو السبب في انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل لتوجب أن يقتصر الانخفاض على جرائم العنف التي يحتاج تنفيذها إلى مجهود عضلي. بيد أن الإحصاءات تؤكد أن جرائم المرأة تقل في مجموعها عن جرائم الرجل في أغلب أنواع الجرائم ، ما احتاج منها إلى قوة بدنية وما لا يحتاج إلى ذلك.
أنه حتى لو سلمنا بأن ضعف المرأة هو السبب في نقص حجم إجرامها ، فإن الضعف لا يمكن له أن يبرر الفارق الكبير بين نسبة إجرام كل منهما. فإذا صح ما قاله كتليه بأن قوة المرأة تعادل نصف قوة الرجل ، لوجب منطقياً أن يبلغ حجم إجرام المرأة نصف حجم إجرام الرجل ، وهو قول تكذبه الإحصاءات التي أثبتت أن إجرام الرجل يبلغ من خمسة إلى عشرة أمثال إجرام المرأة ، مما يؤكد أن التفاوت البدني ليس وحده الذي يقف وراء التفاوت في كم ونوع الإجرام بينهما.
134- ثالثاً : التفسير الاجتماعي :
مال البعض إلى إرجاع اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل إلى تباين المركز الاجتماعي لكل منهما أو الدور الذي يلعبه كل منهما في المجتمع.
ويدعم هذا الجانب رأيه بالنتائج الإحصائية التي أثبتت تفاوت نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل من دولة لأخرى ومن جماعة لأخرى. وأن النسبتان تميلان للتساوي كلما تقارب المركز والدور الاجتماعي لكل من الرجل والمرأة. يؤكد ذلك تقارب النسبتان في المدن بالمقارنة بالريف ، وفي الدول المتقدمة التي تسودها أفكار التحرر مقارنة بالدول الآخذة في النمو ، وفي المجتمعات الصناعية بالمقارنة بالمجتمعات الزراعية.
ويؤكد صحة هذا التفسير أيضاً أن نسبة إجرام المرأة تزيد في أوقات الحروب ، وذلك لاضطرار المرأة إلى النزول إلى معترك الحياة والقيام بور اجتماعي أكبر لانصراف الرجال للقتال.
فضلاً عن أن بعض الدراسات قد أثبتت أن نسبة إجرام الإناث الذين ينتمون إلى عائلات متصدعة تزيد عن نسبة إجرام الذكور الذين ينتمون لعائلات من ذات النوع ، مما يؤكد بأن المرأة أكثر تأثرا بالظروف والعوامل الاجتماعية إذا ما قورنت بالرجل.
وقد أرجع البعض داخل التيار الاجتماعي اختلاف نسبة الإجرام بين المرأة والرجل إلى اختلاف طريقة التربية والإعداد التي يتلقاها منذ الصغر كل من الأولاد والبنات. فأصول التربية في مجتمعاتنا الشرقية تنمي لدى الفتاه عقيدة الكنف ، والتي مؤداها أن المرأة مكفولة في كافة مراحلها العمرية من الآخرين من الذكور. كما تفرض قواعد التربية والأصول الاجتماعية على البنات أن يكن دمثات الخلق هادئات الطبع ، في حين تفرض على الصبيان أن يكونوا أشداء مثابرين متحملين للمسئولية. ويكون الصبي موضعاً للتهكم كلما تماثل سلوكه مع سلوك البنات باعتباره مخنثاً. كما أن قواعد التربية تفرض على الأسرة القيام بدور وقائي أكبر تجاه الفتاه إذا ما قورنت بالفتى ، فتنشأ البنت وقد نما لديها الإحساس بضرورة تجنب الاستهجان الاجتماعي ووجوب احترام القيم السلوكية للمجتمع.
غير أن هذا التفسير بدوره قد عيب عليه أنه إذا كان المقصود بالمركز أو الوضع الاجتماعي الذي تحتله المرأة في المجتمع ويؤدي إلى انخفاض نسبة إجرامها عن إجرام الرجل هو أنها تعيش في كنف الرجل وتتمتع بحمايته ويحمل عنها كافة المسئوليات ، فإن منطق هذا التفسير أن تكون نسبة إجرام المتزوجات أقل من نسبة إجرام غير المتزوجات ، وهو أمر تناقضه الإحصاءات الجنائية التي تؤكد أن نسبة لإجرام المتزوجات تزيد عن نسبة لإجرام غير المتزوجات.
بل لقد كشفت بعض الإحصاءات عن أن إجرام المرأة لم تتغير نسبته رغم زيادة الدور الاجتماعي للمرأة وزيادة أعبائها ومساهمتها في الحياة العامة.
والواقع أن اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل من حيث الكم والنوع لا يمكن تفسيره إلا في ضوء الجمع بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية ؛ فكل منها يفسر جزءً من الحقيقة بحيث يصعب الفصل بينها.
فالعوامل البيولوجية والنفسية للمرأة ذات دور غير منكور في الإقلال من حجم إجرامها وتفردها بأنواع معينة من الجرائم. فالمرأة أقل من الرجل في القوة البدنية ، وتمر بأطوار فسيولوجية متنوعة تؤثر في تكوينها النفسي وبالتالي على سلوكها العام. كما أن للظروف والعوامل الاجتماعية تأثيرها على انخفاض إجرام النساء عن الرجال ، ذلك أنه كلما زاد الدور الذي تنهض به المرأة في المجتمع كلما زادت نسبة إجرامها ، والعكس بالعكس.
والجمع بين التفسيرين لازم من أجل تبرير التفاوت النوعي في الإجرام بين الرجل والمرأة. فارتفاع نسبة جرائم معينة بين النساء من ناحية ، كالإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة والزنا والدعارة ، وضعف مساهمة المرأة من ناحية أخرى في جرائم العنف أمر لا يمكن تفسيره إلا في ضوء الاعتبارات البيولوجية والنفسية التي تميز المرأة عن الرجل. في حين أن قلة حجم جرائم النصب وخيانة الأمانة بين النساء لا يمكن تعليله إلا بالركون للتفسير الاجتماعي الذي يكشف عن أن المرأة أقل احتكاكاً من الرجل بمجال المعاملات والتجارة. وبالمثل لا يمكن تبرير ارتفاع نسبة جرائم القوادة بين النساء إلا لسهولة اتصال المرأة اجتماعياً بغيرها من النساء وكونها جريمة لا تعوزها القوة العضلية أو الذهنية.
المبحث السادس
الأمـــــــــراض
135- تقسيم :
تدل الكثير من البحوث والإحصاءات عن وجود صلة بين الأمراض أياً كان نوعها وبين السلوك الإجرامي. ولإبراز الأثر الذي يحدثه المرض على السلوك العام للفرد - ومنه السلوك الإجرامي – يجدر بنا أن نستعرض بالدراسة على التوالي أهم الأنماط المرضية التي قد تقف عاملاً وراء السلوك الإجرامي ، ومنها على وجه الخصوص الأمراض العقلية والعصبية والنفسية.
المطلب الأول
الأمــراض الــعــقــلــيــة
يقصد بالمرض العقلي إصابة المخ بعاهة تؤثر على الملكات الذهنية للإنسان وجانب الإدراك من شخصيته. وهذه الإصابة قد تصحب الفرد منذ ولادته ، وقد ترجع إلى عارض نال مادة المخ في فترة لاحقه ، نتيجة امتصاص الجسم لمواد ضارة ناشئة عن الجسم ذاته مع عجزه عن التخلص ، أو عن تناول مواد ضارة كالعقاقير المخدرة والمواد الكحولية.
وتتنوع صور المرض العقلي التي قد تؤثر في السلوك الإجرامي للمريض ، ويمكننا أن نذكر منها : الجنون ، الفصام العقلي المعروف باسم الشيزوفرينيا ، وجنون العقائد الوهمية أو هذيان التفسير المسمى البارانويا ، والذهان الدوري أو ما يسمى بجنون الهوس والاكتئاب.
فالجنون Démence هو اعتلال الملكات الذهنية بحيث تختل الذاكرة ويقل الانتباه ويسوء الحكم على الأمور وتعجز الإرادة عن ضبط الميول والغرائز.
وقد يكون هذا الجنون مطبقاً Démence généralisée (في حالة المجنون المجرم) إذا ما اتخذ طابع الاستمرار وطال كل الملكات الذهنية للفرد ؛ وقد يكون متقطعاً Démence périodique ، إذا اتخذ شكل نوبات يفصل بينها فترات إفاقة. والجنون بصورته الأولى يعد مانعاً في كل التشريعات الجنائية للمسئولية الجنائية يحول دون توقيع العقوبات ويوجب العزل في أماكن علاجية كتدبير احترازي ؛ أما في الصورة الثانية فالمسئولية عن الجريمة تتوقف على ما إذا كانت هذه قد ارتكبت حال الإفاقة أم حال النوبة. فإن ارتكبها في حال الإفاقة صار مجرماً مجنوناً تنعقد مسئوليته الجنائية كاملةً.
وهناك ما يسمى بجنون الدوافع الشاذة الذي ينال من حرية الإرادة دون فقد القدرة على التميز. فالمريض به يأتي أفعالاً شاذة يدركها ويعيها ولكن تنعدم قدرته على كبح غرائزه حيالها. ومن قبيل ذلك جنون السرقة Kleptomanie ، التي قد لا يبررها الحاجة للمال إذ قد تقع من قبل الأثرياء. وهناك جنون الحريق Pyromanie ، الذي يستهوي المريض به مشهد النيران وهي تلتهم أموال الغير ، وجنون لكذب Folie de mensonge المتمثل في الميل الدائم لتغيير الحقيقة.
وهناك ما يعرف بجنون الشيخوخة (الخرف) الذي يبدأ عادة في الظهور بعد بلوغ السبعين من العمر والناجم عن ضمور المخ وتصلب الشرايين. ويتميز بوجود اضطراب في الذاكرة مصحوباً بهذيان وتقلص القدرة على الفهم والتقدير الصبياني للأمور والنقص العاطفي. وأغلب الجرائم لدى المصاب بهذا المرض هي الحريق والسرقات التافهة من المحال التجارية والاعتداءات الجنسية على الأطفال.
وفيما يتصل بالفصام العقلي أو الشيزوفرينيا Schizophrénie فهو مرض ينتشر بين الشباب في الفترة من سن الثامنة عشرة والخامسة والعشرين ، لذا يسميه البعض "الجنون المبكر". ومن بين أعراضه اختلال التفكير وبلادة الشعور وبرود الانفعالات. وعادة ما يكون المرض مصحوباً بهذيان أو هلاوس Hallucinations سمعية أو بصرية فيتخيل المصاب به سماع أصوات أو رؤية أشياء أو أشخاص لا وجود لها في دنيا الواقع ، أو يتخيل أن هناك من يضطهده أو يتتبعه. وهذه الأعراض المرضية قد تدفع الشخص المصاب إلى ارتكاب أفعال تتسم بالعنف وبعدم التفكير والتبصر ضد من يعتقد أنه يضطهده أو يتآمر عليه نظرا لإيمانه بمعتقدات وهمية.
ومن أخطر حالات الشيزوفرينيا صور انفصام الشخصية Dédoublement de la personnalité حين يعايش المريض شخصيتان من حيث الواقع ولا يذكر أفعال أحدهما حينما يتقمص الأخرى.
أما جنون العقائد الوهمية أو هذيان التفسير أو البارانويا Paranoïa فعادة ما يصيب الإنسان في منتصف العمر بين 25 و40 سنة. ومن أعراضه أن المصاب به تسيطر عليه أفكار معينة ومعتقدات خاطئة بحيث يستحيل عليه التخلص منها. وتتنوع صور هذا المرض تبعاً لطبيعة هذه المعتقدات الخاطئة ، فهناك بارانويا الاضطهاد حين يسيطر على المريض الشعور بأنه مضطهد من الغير ، وهناك بارانويا العظمة الناشئة عن شعور المريض بأنه أحد العظماء أو الشخصيات التاريخية الهامة. وهناك أخيراً بارانويا الغيرة التى تولد في المريض شعوراً بالأنانية والاستئثار تجعله يغار بشدة على من يحب أو يتحمس ويتعصب بشدة لموضوع ما. فكثيراً ما يعتقد المريض بهذا النوع الأخير من البارانويا بأنه من حماة العدالة والقانون فيندفعون بهذه الصفة إلى ارتكاب أخطر الجرائم.
ونلحظ هكذا اختلاف هذا المرض عن الفصام العقلي ، إذ أن المريض به لا ينعزل عن الواقع بل يظل محتفظاً بذاكرته ومكونات شخصيته ولا يخضع للهلاوس البصرية أو السمعية. فكل ما هنالك أنه يعيش بمعتقدات خاطئة يفسر على أساسها كل الوقائع التي يصادفها في حياته اليومية.
أما الذهان الدوري Dysthymie فيتمثل في نوبات مرضية متناقضة فيما بينها ، يتأرجح خلالها المريض بين الهوس والاكتئاب. ويتمثل الهوس Manie في شعور المريض بالفرح والنشوة والزهو دون سبب ، مصحوباً هذا الشعور بالضحك والثرثرة دون مراعاة الآداب العامة. وخلال هذه النوبة ينتاب المريض حالة من الهياج الشديد والإثارة تجعله مندفعاً وغضوباً ويقل لديه الضمي الأخلاقي ويختل تكفيره وذاكرته فيندفع إلى ارتكاب أفعال العنف أو أفعال الاعتداء على العرض وجرائم القتل والسب القذف.
ويعقب هذه الحالة من الهوس حالة اكتئاب سوداوية Sentiment de frustration تعرف بالميلانخوليا Mélancolie يتميز المريض بها – خاصة في فترات الصباح الباكر - بالتشاؤم والقلق والحزن الشديد المبهم وغير المبرر. كما ينتابه حالة تشتت فكري وشعور بالقهر والإهمال من الغير ، وشعور دائم بالذنب والعار وعدم القدرة على التفسير الصحيح للأمور ، مما قد يدفعه إلى الاعتداء على أقرب المحيطين به ، أو الانتحار تخلصا من حالة الشعور الكاذب بالذنب التي تسيطر عليه.
المطلب الثاني
الأمـــراض الــعــصــبــيــة
الأمراض العصبية تشمل كل خلل يصيب الجهاز العصبي للإنسان تجعله غير قادر على ضبط انفعالاته وتوجيه أعضاء جسمه على النحو الطبيعي والمألوف. ويعد لومبروزو هو أول من أشار إلى صلة هذا النوع من الأمراض بالسلوك الإجرامي حينما أشار عام 1897 في الطبعة الثانية من مؤلفه "الإنسان المجرم" إلى حالة المجرم الصرعي.
ويمكن تقسيم الأمراض العصبية إلى خمسة أنواع تشمل الصرع ، والهستريا ، والنورستانيا ، واليقظة النومية ، وعصاب القلق.
ويظهر الصرع Épilepsie عادة في صورة تعاقب نوبات تشنجية يفقد خلالها المريض الوعي الكامل وينتابه تصلب في عضلات الجسم. وقد تقصر النوبة الصرعية ، وتسمى حينئذ بالنوبة الصغرى ، وقد تطول فتسمى بالنوبة الكبرى. وقد لا يصاحب الصرع أية نوبات تشنجية وإنما تظهر الأعراض الصرعية في صورة هوس حاد Psychose aigue فيصاب المريض باضطراب في وعيه وشعوره وبصعوبة التفكير والإدراك ويكون عرضة لشرود الذهن والميل العدواني وسهولة الانقياد وحدة الطبع والأنانية المفرطة والهذيان ورؤية أشياء لا وجود لها في الواقع أو سماع أصوات كاذبة وضعف القدرة على التحكم في العاطفة أو الميول الغريزية. وقد يصاب المريض بحالة المشي أثناء النوم Somnambulisme ، فيندفع لارتكاب أفعال انتهاك حرمة ملك الغير وهتك العرض والشروع في القتل. وعادة ما لا يتذكر المريض ارتكابه لأفعال إجرامية بعد إفاقته من النوبة الصرعية.
وتتوقف المسئولية الجنائية لمريض الصرع على ما إذا كان قد ارتكب جريمته حال النوبة الصرعية فتنعدم مسئوليته الجنائية ، أم حال الإفاقة بين النوبات فيسأل جنائياً على أساس توافر ملكتي الإدراك والتمييز.
أما الهستريا Hystérie فهي عبارة عن اختلال في ردود الأفعال إزاء مواقف أو ظروف معينة نتيجة اضطراب في العواطف والميول. وعادة ما لا يفقد المريض بالهستريا ملكة التميز ولكن ينال المرض فقط من حرية الاختيار فيندفع المصاب بلا إرادة نحو ارتكاب الجريمة.
وللهستريا أشكال متنوعة : فقد تتخذ الهستريا صورة سكون وهدوء شديد يبدو معها المريض وكأنه لا يحس بما يدور حوله فلا يتحرك ولا يرد على أحد. وقد تأخذ النوبة الهستيرية صورة نوبة تشنجية شبيهة بتلك التي تحدث أثناء الصرع ، أو صورة بكاء مفرط أو ضحك مفاجئ وغير مبرر. وتظل الهستريا التسلطية أخطر أنواع الهستريا على الإطلاق ، وفيها تسيطر على المريض فكرة وهمية تدفعه إلى أفعال إجرامية ولو تجاه الأعزاء لديه.
بينما تتحصل النورستانيا Neurasthénie في شعور المريض بانحطاط في قواه البدنية مصحوباً باضطرابات معوية وأوجاع في الظهر والكتف ، فضلاً عن شعوره بالتشاؤم والاكتئاب وشدة حساسيته نحو المؤثرات الخارجية كالصوت والضوء ، فيندفع إلى الجريمة نتيجة عدم قدرة الجهاز العصبي على السيطرة على أعضاء جسمه وردود أفعاله. وقد أرجع فرويد هذا الشعور إلى الإفراط الجنسي.
أما اليقظة النومية Somnambulisme فهي إتيان تصرفات أثناء النوم يعبر بها عما يجول بخاطره حيال المواقف اليومية. وعادة لا يتذكر الشخص ما يرتكبه من أفعال إجرامية بعد الاستيقاظ ، لذا فهذا المرض يفقد الإرادة وحرية الاختيار ويعد مانعاً من موانع المسئولية الجنائية.
ويتحصل عصاب القلق Névrose d’angoisse - أو ما يسمى الخوف المرضي Phobie - في الشعور بعدم الاستقرار وسيطرة المخاوف على الشخص فتحول بينه وبين التصرف على نحو طبيعي. ومثاله الخوف من الأماكن المرتفعة أو الخوف من الأماكن المغلقة أو المفتوحة.
زائر- زائر
الثلج الاسود- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : يمني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 27054
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر