المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 530 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 530 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
الثلج الاسود 3
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الثلج الاسود 3
2- تناديـــه خائفــــه !
سخرت كاي من جوان لأنها أقسمت لن تكرم أيد طوال فترة نهاية الأسبوع .
لأن الأمر أنتهى بها في الواقع إلى مرافقته ليل الأحد إلى المطار لتوديعه .
قد أكتشفت أنها كانت تحتاج لرؤية براندت ليون مع امرأة أخرى كي تستطيع أن تقتل آخر
ماتبقى من الأفتتان به .كان أبد على استعداد كامل ليملأ هذا الفراغ .
كانت جوان ما تزال تعتقد أن أيد رجل لعوب نوعاً ما .
ولكنها أصيبت بالدهشة عندما أرسل لها أزهار في اليوم التالي .
كما أنه طلبها على الهاتف يوم الاربعاء من مدينة كليفلاند ،
حتى أنه خطط للعودة إلى شيكاغو في نهاية الأسبوع الذي يسبق عطلة عيد الميلاد .
كان من الواضح أنها أثرت به ، وهذا الأمر جعلها تمتلئ ثقة بنفسها .
نظرت من خلال نافذة مكتبها إلى تدف الثلج التي تراثصها الريح الخفيفة .
ظهر أن البياض سيغطي كل شيء في نهاية الأسبوع وأخذت جوان تضع في رأسها خططاً
للعطلة في اليوم التالي . كانت ستذهب مع كاي لشراء ماتبقى من هدايا عيد الميلاد ، وقد فكرت أن تخص أيد بهدية صغيرة .
رن الجرس الموصل إلى مكتبها آمراً وسمعت صوت براندت ليون الاجس في المذياع .
- أجلبي لي يا آنسة سومرز لوائح أرقام مستشفى دانفيل التي تركها جنسن معك .
استجابت جوان فوراً ، وأغلقت الجهاز ونهضت من مكتبها :
- حالاً يا سيدي .
ماكادت تصل إلى خزانة الملفات حتى رن جرس الجهاز مرة أخرى.
- أطلبي لي لايل باينز . يظهر أن هناك خطأ في أرقاممناقصة المستشفى .
أريد أن أراجعها معه قبل أن نقدمها .
اختفت لحظات التكاسل عندما وجدت جوان نفسها في أول ساعة من العمل تنتقل ما بين خزانة الملفات وغرفة براندت ليون .
لقد اكتشفت خطأ في حسابات مناقصة بناء المستشفى وأصبح من الضروري مراجعة كل رقم أكثر من مرة .
عند الظهيرة أطلت كاي برأسها من الباب وسألت جوان إذا كانت ستتناول طعام الغداء ، فنظرت جوان نحو باب غرفة المدير المغلق وكشرت :
- أشك بأنهم يعلمون كم هو الوقت الآن ، اجلبي لي معك سندويشاً .
ابتسمت كاي :
- أشك بأنهم نظروا إلى الخارج أيضاً . فهنالك بوادر عاصفة ثلجية قوية .
من الافضل أن تضعي عصفوراً على كتف المدير كي يخبره أنه يجب أن يسمح لنا بال1هاب إلى البيت باكراً.
لوحت كاي بيدها مودعة وأغلقت الباب وراءها .
نظرت جوان من خلال نافذتها ورأت أن تساقط الثلج الخفيف قد تحول إلى غيمة متواصلة من الثلج المدفوع برياح قوية .
فالتقطت سماعة الهاتف واتصلت بمكتب الأحوال الجوية .
أجابها المتحدث على الطرف الآخر أنهم يتوقعون عاصفة قوية وتساقط ثلج كثيف ،
وعلمت من مخابرة هاتفية أخرى أن بعض الشوارع الجانبية أصبحت غير سالكة وأن السلطات المحلية نصحت بإغلاق المكاتب والمحلات باكراً .
قرعت جوان على باب المكتب الخاص بالمدير مرة واحدة ودخلت .
كان براندت ليون منكباً فوق مكتبه وقد ألقى بسترة بذلته البنية على كرسي جانبي .
كانت أزرار قميصه الأبيض العليا مفتوحة ، وكما القميص مرفوعين إلى الأعلى ،
كما كانت أصابع إحدى يديه تنتقل على مفاتيح الآلة الحاسبة فيما يده اليسرى تدون الأرقام الناتجة .
سألها دون أن يرفع رأسه الشبية برأس الأسد :
- ما الذي تريدينه يا آنسة سومرز ؟
- أظن أننا في خضم عاصفة ثلجية يا سيدي ، وقد نصحت السلطات بإغلاق كل أماكن العمل غير الضرورية .
نظر لايل باينز الذي كان يجلس بجسمة الضخم إلى طاولة الرسم الهندسي إلى الخارج عندما سمع كلمات جوان .
وهتف وهو يحدق إلى العاصفة الثلجية خارج النافذة ( يا للهول ) ثم تمالك الرجل المسن نفسة ونظر إلى براندت ليون قائلاً :
- إنها عاصفة ثلجية من الدرجة الأولى يا براندت . أرجو أن لا يكون ذلك إشارة إلى ما سيكونه فصل الشتاء هذا .
أدار براندت ليون كرسية نحو النافذة ليتأكد بنفسه مما قالاه ،
وظهر من تقطيب جبينه العريض أنه غاص في تفكير عميق .
أضافت جوان بهدوء :
- لقد أصبحت بعض الشوارع الجانبية غير سالكة .
فحك ذقنه وفمه بأصابع يده القوية فيما كان يستدير نحوها .
كانت زرقة عينيه معززة بكثافة أهدابة البنية اللون وبقايا سمرة الصيف قد جذبت جوان مرة أخرى إلى القوة والكفاءة المرسومتين على قسمات وجهه المتنافرة .
أمرها قائلاً :
- أرسلي الجميع إلى بيوتهم .
ثم نقل اهتمامه نحو الرجل الجالس إلى طاولة الرسم :
- يجب أن ننتهي من هذا العمل خلال ساعة يا لايل .
- ليس هناك من سبب يدفعني لاستعجال الذهاب إلى البيت .لقد
ذهبت زوجتي عند ابنتنا في بيوريا . كنت سأذهب بالسيارة إلى هناك هذه الليلة .
ولم يعد ذلك ممكناً الآن والفضل في ذلك للثلج .
ابتسم براندت متفهماً ثم رفع حاجباً وسأل جوان :
- أستعلمين الجميع ؟
أومأت برأسها وتهيأت للذهاب : حالاً !
ولكنه ناداها وإمارات الندم مرتسمة على وجهه :
- آنسة سومرز ، أظن أني سأطلب منك البقاء كي تعيدي طباعة أوراق المناقصة عندما تنتهي منها وكي تزوديني الآن ببعض الملفات
التي تحويها خزانتك اللغز .
نظرت جوان إلى النافذة وهي تتساءل في نفسها إن كانت رحلات الأوتوبيس ستدوم في هذه العاصفة حتى ساعة خروجها من عملها ، ولم يكن من الممكن رفض طلبه .
- بالطبع سابقى .
سألها براندت وكأنه قرأ أفكارها :
- أنت تعودين إلى بالأوتوبيس ، أليس كذلك ؟
- نعم .
- لا تقلقي بالنسبة إلى العودة ،فسوف أقلك إلى البيت بعد أن تنتهي .
قال ذلك وانكب على العمل مجدداً .
أومأت جوان برأسها وهي تعرف أنه ليس هناك في عرضة هذا عرض أبعد
من المراعاة .شكرته وقد سرت لاستطاعتها التغلب على افتتانها السخيف به وتجاورت الحالة
التي كان يمكن فيها أن تبني آمالاً لا جدوى منها بمجرد التفكير أنه سيوصلها إلى بيتها .
خلا المبنى بسرعة من الموظفين عندما أنتشر الخبر بأن على الجميع المغادرة . وفي الساعة الواحدة والنصف أرسل براندت لايل بايتز إلى منزله .
اقتربت الساعة من الثالثة عندما انتهت جوان من طبعة أوراق مناقصة البناء المصححة .
كان يوقع على الأوراق فيما كانت جوان تغطي الآلة الكاتبة وترتب طاولة مكتبها .
ثم وضع الأوراق في مغلف .
قالت جوان وهي تشاهد برادنت ينظر من النافذة :
- لقد أصبحت العاصفة أسوأ ، أليس كذلك ؟
رمقها بطرف عينه وهي تعقد الشال حول رقبتها ، وكان وجهه متجهماً بجدية ولكنه لم يرد على سؤلها .
كان صمته صارخاً أكثر من أي رد كلامي .
ومع ذلك طمأنتها حيويته الصارمة بصورة غامضة .
سارا برشاقة عبر الممرات التي تفصل مكتبة الخاص عن الباب الأمامي للمبنى .
كادت قوة الرياح عندما خرجا تظرح جوان أرضاً ، فلف ذراعه حول خصرها كي يسندها وقادها بإتجاة موقف السيارات
المجاور . جعل تساقط الثلج الرؤية سيئة وقد أدركت جوان بحسها الغريزي قثط أنه يقودها نحو سيارته لكنه أنتفض فجأة وتوقف عن السير .
- هذا سخيف !
وفي لحظات أدارها وأخذها عائداً أدراجة إلى المبنى وقد أخذت أسنانه تصطك بسبب انخفاض درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر .
عندما أصبحا داخل المبنى ، ومن دون إرادة منها تلاقت نظراتها بنظراته الحادة وهو يقول لها :
- من الافضل أن تبقى هنا عوضاً عن أن نخاطر وتنقطع السيارة بنها .
على الأقل لدينا هنا الطعام والتدفئة والنور .
استمرت عيناه عالقتين بعينيها للحظة إضافية قبل أن تقطعها جوان وقد أصيبت بالحيرة والخجل .
أوضحت نشرة الأحوال الجوية أن العاصفة ستستمر حتى يوم السبت وكان ذلك يعني أنها وبراندت سيظلان معاً للأربع والعشرين ساعة القادمة
أو ربما أطول من ذلك .
جعلها المنطق السليم توافق فيما كانت تشعل أصابعها التي أرتجفت فجأة بحل عقدة الشال الملفوف حول عنقها .
- بالطبع أنت على حق . على الرغم من أنك تساءلت يوم تناولت وجبة مطعم الشركة إن كان ما تأكله حقاً طعاماً .
أبتسم بمكر :
- يظهر أن لا شيء يطيح بتوازنك سومرز . ولاحتى توقع أن تعلقي هنا طوال طوال عطلة نهاية الاسبوع مع رئيسك .
رأت جوان كيف يتحول وجهه إلى الإبتسام قبلاُ ، ولكنها نادراًُ أما كانت هي المتلقيه .
سرت الإثارة في عروقها مثل الزنبق ولكنها سرعان ما كبحت ذلك عندما تذكرت بأسى الشقراء الصغيرة .
فهي لاتستطيع الإدعاء لنفسها أنها تتطلع لتمضية عطلة الأسبوع حصرياً برفقته .
أن الشعور الوحيد الذي تفضل أن تكنه له هو الإحترام والتقدير .
أدركت جوان أنها لم تعد متمالكة نفسها بما فيه الكفاية . فآلاف المخاوف بداخلها كانت تطرق على أعصابها .
ثم هزت كتفيها وقالت :
- لا أحد منا مسؤول عن هذه العاصفة ، والتذمر من أشياء لا تستطيع تغييرها لا يجدي نفعاً .
فظهر نو ع من السرور في عينيه :
- هذا يعفيني من الإعتذار من عدم إرسالك إلى البيت باكراً .
ردت عليه بالطريقة ذاتها من المرح ولكنها ندمت فوراً لانزلاقها إلى ردود مثل الذي تبادلتها مع أيد الاسبوع الفائت .
- وهذا يعفيني تماماً من تذكيرك بأنك فعلت ذلك .
ابتعدت عنه بسرعة :
- أعذرني قليلاً كي أتصل بصديقتي قبل أن تبدأ بالقلق والتساؤل عن مكان وجودي .
شعرت جوان بنظراته تلاحقها وهي تهرول عبر الممر نحو مكتبها ،
وقالت في نفسها لم لا يكون متزوجاً وفي الخمسين من عمره ، أو يكون أصلعاً وذا بطن منتفخ عوض أن يكون بهذا السحر المغناطيسي ؟
أعادت تعليق معطفها ومشت نحو طاولتها وطلبت رقم هاتف شقتها .
فردت كاي عليها بعد ثانية من الرنين ، وسألتها بجزع :
- جوان ، أين أنت ؟
- ما أزال في المكتب .
- لقد أعتقدت أنك علقت في الثلج ، ألن يقلك المدير إلى البيت ؟
وبختها جوان :
- أفي هذه العاصفة ؟ سوف ننتهي مطمورين تحت الثلج .
- هل تعنين ..
توقفت كاي عن الكلام وكأن أفكارها بالإحتمالات ثم أكملت :
- إنكما عالقان في المكتب ؟ وبمفردكما ؟
وضعت جوان يدها على جبينها :
- أوه يا كاي ، هل تكفين عن جعل المسألة مأساوية ؟
كانت جوان تعاني من تخيلاتها من دون أن تضيف كاي عليها .
امتلأ صوت كاي بالضحك .
- أنتما الأثنين فقط عالقان هناك ،أليس كذلك ؟ وقد جمعتكما الأقدار وعوامل الطبيعة .
أمرتها جوان بسخط :
- هل تكفين عن ذلك ؟ إن السيد ليون هو رئيسي !
ضحكت كاي بصوت مرتفع :
- أراهن أنك لن تناديه بالسيد ليون غداً صباحاً .
- لأجل السماء ! إذا لاحظت الإهتمام الذي يغدقه عليّ السيد ليون ، أشك أنه يدرك حتى أنني من الجنس اللطيف .
بالنسبة له أنا سكرتيرة إدارية كفؤة فرض عليه القدر صحبتي ليوم واحد ، وهذا لن يجعله يكتشف فجأة أنني أنثى جذابة .
كانت انتفاضتها تذكيراً لنفسها أكثر منه هجوم على صديقتها :
- يجب أن أطبع بعض الرسائل الآن ، وسأعود إلى البيت حالما تصبح الطرق سالكة .
أقفلت جوان الخط من دون أن تنتظر رداً ، وقد أنقبضت أساريرها بفعل التشنج ،
شاهدت بعينيها الناظرتين إلى الأسفل السروال البني الذي يقف أمام طاولتها فاجتاحت وجهها موجات من اللون الأحمر القاني وهي
تنظر إلى وجه براندت ليون المتسلي ، وأردكت أن سمع كل ما قالته ، تحركت عضلات وجهه وانفرجت عن إبتسامة .
- إنه لأمر مريح أن تكتشف أنك من البشر يا آنسة سومرز .
قال ذلك بهدوء وعاد إلى مكتبة فيما كانت جوان ما تزال تبحث عن جواب .
لم يكن بها حاجة لمعرفة الوقت ، ولذلك تجاهلت النظر إلى ساعة يدها فيما كانت تقوم بطبع بعض الأوراق التي لم تنته منها خلال النهار .
لم يكن ليدها فكرة عما كان يفعله براندت داخل مكتبة الخاص ،
وهو على الأرجح كانينهي مثلها الأعمال العالقة . كانت تعود بالتفكير تكراراً إلى الحديث المشؤوم الذي تبادلته مع كاي .
أصبحت تشعر بعد الراحة أكثر فأكثر من احتمال مواجهه براندت فيما على الأرجح ماتزال كلماتها ترن في أذنيه ، فقد بدأ أنها صرخة للحصول على إهتمامه وجعلها ذلك ترغب بالهروب
والأختباء ، لم تسمع جوان الباب الموصل بين مكتبيهما يفتح لأنها كانت تضع سماعة آلة التسجيل على أذنيها ومنهمكة بالطباعة .
ولم يقطع شيء هذا الإيقاع إلا عندما أحست بيد تلامس كتفها ، جعلتها المفاجأة تضغط أصابعها بقوة على مفاتيح الأحرف .
أمال رأسه نحوها بفضول فيما كانت نظرته تتفحص النظرة الخائفة المرتدة التي ظهرت في عينيها وقد استدرات نحوه بحدة .
- لم أقصد أن أخيفك يا آنسة سومرز .
- لقد أجفلتني ، هذا كل ما في الأمر .
- إني أشعر بالجوع وقد فكرت أنه ربما يمكنك أن ترشديني إلى أفضل ما يؤكل في المطعم .
أتمنى أن تأكلي معي يا آنسة سومرز .
كانت الطريقة الملتوية التي نطق بها أسمها بمثابة تنبية ساخر إلى أنه يدرك موقعها كرئيس و مرؤوس ، وخاصة بعد تصريحها الحاد .
أشاحت جوان بعينيها عن قسمات وجهه القاسية وتطلعت إلى ساعة يدها بعصبيه . لقد أصبحت السابعة والنصف مساءً . ولم تستطع إلا أن تتمنى لو يمضي باقي الوقت بمثل هذه السرعة
استعادت جوان ثبات صوتها ولهجتها الرسمية كي تؤكد على العاقة الرسمية المهنيه بينهما والتي أرادت في يوم ما أن تغيرها .
تراجع براندت قليلاً وانتظرها لتنتهي من ترتيب أوراقها وتنضم إليه ، حاولت أ نترخي عضلاتها فيما كانت تتقدمه في الممر الذي يوصل إلى المطعم وقد أبقت رأسها منتصباً بصورة غير طبيعية
وكأنها تريد إفهامه أنها لا تحتاج إلى إهتمامه .
كانت ردودها مقتضبة عندما حاول تبادل أحاديث قصيرة عن وجبة السندويش المتواضعة التي كانا يتناولانها .
سرت جوان عندما لاذ أخيراً بالصمت ، ولكن عندما رفعت نظرها إليه واكتشفت أن هيراقبها ، زحفت إلى نظرها مسحه من الحذر فأشاحت نظرها عنه .
انطلق صوته الرنان كاسراً حاجز الصمت .
- أتعلمين أنها غلطتك ؟
لم يكن ضرورياً أن تسأله عما يعني لأنها كانت تعرف ولكنها سألته بعد أن ظهر وكأنه قد تناسى سؤاله :
- وماهي ؟
أجابها براندت وهو يسند ظهره إلى الكرسي بسهولة لا تسطيع هي القيام بها .
- بصراحة ، أنت لا تحاولين أبداُ أن تلفتي الإنتباه إليك .
فلعبت أصابعها بإحدى رقائق البطاطا وأضاف اللون الأحمر الذي اعتلى وجنتيها بريقاً على وجهها:
- لم أقصد عدم الإحتراك عندما كنت أتكلم على الهاتف . أنا في الحقيقة لا أتوقع أي معاملة خاصة لأني أقوم بعملي ، أقصد أني أقبض راتباً مقابل هذا العمل .
- كم تبغلين من العمر ؟
أجابته وبدأ كأن اللقمة الأخيرة من الساندويش ق دعلقت في حلقها :
- ثلاثة وعشرين سنة .
- منذ متى وأنت تعملين عندي ؟
- منذ ثلاث سنوات .
رفع حاجبيه مندهشاً :
- أكنت تعملين عندي كل هذه المدة ؟ لقد تآلفت بصورة جيدة مع العمل .
- وهذا ما يفترض أن تكون عليه السكرتيرة الجيدة .
أجابها بلطافة :
- ليس من المستحب أن نقدر جهود الأشخاص بعد أن يتركوا العمل ، وهذا ما يجعل استغلالك صعباً الآن .
- ماذا تقول ؟
أنطلق السؤال من فمها عفوياً وتلون وجهها بالإحمرار الشديد .
انقبضت أساريره وقال :
- كنت سأسألك أن تكتبي بعض الرسائل هذه الليلة ، فليس هناك من أمر نفعله لتمضية هذه الساعات إلا بالعمل .
وهذا الوقت مناسب لاستلحاق بعض المراسلات التي كنت اؤجلها مؤخراً .
- بالطبع سأفعل . وإذا لم يكن لدي ما أقوم به . فسأبحث وأجد شيئاً أفعله .
كنت سأنجز ما سجل على الأشرطة قبل أن نأكل .
استغلت جوان هذا الغرض لتضع حداً لحديثهما المزعج وأسرعت لرفع ما تبقى من الطعام عن الطاولة .
كانت الساعة تشير إلى العائرة عندما توقف براندت في منتصف جملة كان يمليها عليها ، فيما تابع قلم جوان تسارعه على الورقة حتى دونت آخر كلمة أملاها عليها .
علق براندت وهو يدير كرسيه كي ينظ إليها :
- لماذا لم تطلبي مني التوقف قبلاً ؟
ردت عليه وهي تثني أصابعها المتشنجه وترخي قبضتها عن القلم :
- لم أجد ذلك ضرورياً .
- أعتقد أننا بسبب قوة الرياح التي نسمعها سيكون لدينها كل نهار الغد لننهي ما يجب إنجازه ، يكفي ما قمنها به هذه الليلة .
حانت اللحظة التي كانت جوان تخشاها طوال هذه الفترة . فلم تكن بحاجة إلى من يذكرها أن المبنى بأكمله لا يحتوي إلا على كنبة واحدة موجودة في مكتب براندت ليون .
كانت تعرف بصوره لا واعية أنه لطباعة الكريمه سيعرض عليها أن تنام على تلك الكنبة ، ولكنها لم تستطع أن تقرر إن كانت ستصر أن يستعملها هو أم لا .
وقد أدركت أنها في كلتا الحالتين لن يغمض لها جفن .
سألها براندت :
- هل أصبحت جاهزة للمناقشة .
- أية مناقشة ؟
جابهها بالرد :
- حول أي منا سينام على الكنبة الوحيدة الموجودة في المبنى
أعرف أن كل منا يستطيع النوم على كرسي وهكذا تحل المشكلة .
ولكن أمب لن تغفر لي أبداً إذا ل مأصر على أن تستعملي الكنبة .
رفعت جوان يديها إشارة إعتراضها :
- حقاً ، أنا لا .
أخرس صوته الهادئ والنافذ بقية كلماتها .
- بلى ،أنت تستطيعين وستفعلين . هذا أمر من مديرك ، والسكرتيرة الجيدة تنفذ الأوامر .
أوحت لكاته بشيء من السخرية ولكن نبرة صوته كانت خالية من ذلك ، فانتزعت جوان نظارتها لأنها وجدت صعوبة في رؤية وجهه
بوضوح في تلك المسافة بينهما . وتفحصت عينيه الزرقاوين لتعرف إن كان يتمتع بتضعضعها الذي جعل وجهها يتموج بمختلف الألوان .
أجبرتها نظراته المركزة على الإشاحة بنظرها من دون أن تستطيع الرد عليه .
انطلقت من شفتيها همسة الموافقة بتردد :
- إذا كنت تصر على ذلك يا سيد ليون .
- أنا أصر على ذلك يا آنسة سومرز .
أمسكت أصابعة القوية بذراعي الكرسي ليستند إليها وانتصب واقفاً ولوى متفيه وكأنه هو أيضاً يشعر بالإجهاد من العمل في اليوم الطويل ،
فأخذت تتفحص جسمه المتناسق و تبينت أن طولة الفارع يخدع الناظر إلى صدره العريض إذ لا يبديه بارزاً على حقيقته .
كان براندت ليون يمضي الساعات الطويلة داخل مكتبة خلال أشهر الصيف ، وكان يمضي الساعات الطويلة خارج المكتب منتقلاً بين مشاريعه ، ولم تخفف أشهر الشتاء الطويلة من السمرة التي أكتسبها
خلال تلك الساعات التي أمضاها تحت أشعة الشمس .
كان وجهه مطبوعاً بالكبرياء والتسلط ومؤتراً للغاية مثل قسوة النسر الثاقبة .
أدار رأسه نحوها وكأنه شعر بنظراتها ورفع أحد حاجبيه . شعرت بنبضها يتسارع بصورة غريبة بفعل وقع نظراته المزعجة ، ولتغطية ارتباكها أخذت تقلب صفحات دفتر الأختزال .
- ماذا تفعلين يا آنسة سومرز ؟
أبتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بالتشنج في حلقها .
- إني أراجع هذه الرسائل لأتذكر محتوياتها .
حرك يده في الهواء وكأنه يصرفها :
- دعي ذلك إلى الصباح ، وإذا وجدت صعوبة في فك شيفرة الأختزال أطلبي مني الحل .
ثم أنت تعلمين أنه لا يمكنك قراءة هذه المذكرات من دون أن تضعي نظاراتك الملقاة على حضنك .
انتفضت جوان وأغلقت الدفتر بحدة فيما كانت موجة من الحرارة
تخضب وجهها . وبسبب حركتها الفجائية طار القلم من يديها عبر الغرفة واستقر عند قدمية .
مشت نحوه لتسترجع القلم من يده الممدودة إليها وكأنها تلميذة في المدرسة . ولم تكن قادرة على النظر إلى عينيه اللتين أدركت أن الضحكة تملؤهما .
رن جرس الهاتف فيما كانت تتجه نحو الباب الموصل إلى الغرفة الأخرى .
فقال لها وفي نبرة صوته سخرية واضحة :
- سأرد على الهاتف بنفسي يا آنسة سومرز .
لم يغلق الباب الموصل بين الغرفتين تماماً بعد أن خرجت جوان منه ، فانساب إليها صوته بوضوح من الغرفة المجاورة لعدم وجود أي أصوات أخرى في المبنى .
تغيرت نبرة صوته بطف وأصبحت أكثر حميمة بعد أن تبادل مع المتكلم تحيات حارة :
- كان يجب أن أردك أنني لن أستطيع الإلتزام بموعدنا الليلة يا أنجيلا ، وكنت أفضل أن أكون عالقاً في شقتك في عطلة الأسبوع هذه .
تراقصت صورة الشقراء الصغيرة في مخيلة جوان فوراُ فأحست بعضلات معدتها تتقلص . لاحظت في ضحكته الناعمه التي تلت توقفه عن الكلام شيئاً من الإغواء .
سخرت كاي من جوان لأنها أقسمت لن تكرم أيد طوال فترة نهاية الأسبوع .
لأن الأمر أنتهى بها في الواقع إلى مرافقته ليل الأحد إلى المطار لتوديعه .
قد أكتشفت أنها كانت تحتاج لرؤية براندت ليون مع امرأة أخرى كي تستطيع أن تقتل آخر
ماتبقى من الأفتتان به .كان أبد على استعداد كامل ليملأ هذا الفراغ .
كانت جوان ما تزال تعتقد أن أيد رجل لعوب نوعاً ما .
ولكنها أصيبت بالدهشة عندما أرسل لها أزهار في اليوم التالي .
كما أنه طلبها على الهاتف يوم الاربعاء من مدينة كليفلاند ،
حتى أنه خطط للعودة إلى شيكاغو في نهاية الأسبوع الذي يسبق عطلة عيد الميلاد .
كان من الواضح أنها أثرت به ، وهذا الأمر جعلها تمتلئ ثقة بنفسها .
نظرت من خلال نافذة مكتبها إلى تدف الثلج التي تراثصها الريح الخفيفة .
ظهر أن البياض سيغطي كل شيء في نهاية الأسبوع وأخذت جوان تضع في رأسها خططاً
للعطلة في اليوم التالي . كانت ستذهب مع كاي لشراء ماتبقى من هدايا عيد الميلاد ، وقد فكرت أن تخص أيد بهدية صغيرة .
رن الجرس الموصل إلى مكتبها آمراً وسمعت صوت براندت ليون الاجس في المذياع .
- أجلبي لي يا آنسة سومرز لوائح أرقام مستشفى دانفيل التي تركها جنسن معك .
استجابت جوان فوراً ، وأغلقت الجهاز ونهضت من مكتبها :
- حالاً يا سيدي .
ماكادت تصل إلى خزانة الملفات حتى رن جرس الجهاز مرة أخرى.
- أطلبي لي لايل باينز . يظهر أن هناك خطأ في أرقاممناقصة المستشفى .
أريد أن أراجعها معه قبل أن نقدمها .
اختفت لحظات التكاسل عندما وجدت جوان نفسها في أول ساعة من العمل تنتقل ما بين خزانة الملفات وغرفة براندت ليون .
لقد اكتشفت خطأ في حسابات مناقصة بناء المستشفى وأصبح من الضروري مراجعة كل رقم أكثر من مرة .
عند الظهيرة أطلت كاي برأسها من الباب وسألت جوان إذا كانت ستتناول طعام الغداء ، فنظرت جوان نحو باب غرفة المدير المغلق وكشرت :
- أشك بأنهم يعلمون كم هو الوقت الآن ، اجلبي لي معك سندويشاً .
ابتسمت كاي :
- أشك بأنهم نظروا إلى الخارج أيضاً . فهنالك بوادر عاصفة ثلجية قوية .
من الافضل أن تضعي عصفوراً على كتف المدير كي يخبره أنه يجب أن يسمح لنا بال1هاب إلى البيت باكراً.
لوحت كاي بيدها مودعة وأغلقت الباب وراءها .
نظرت جوان من خلال نافذتها ورأت أن تساقط الثلج الخفيف قد تحول إلى غيمة متواصلة من الثلج المدفوع برياح قوية .
فالتقطت سماعة الهاتف واتصلت بمكتب الأحوال الجوية .
أجابها المتحدث على الطرف الآخر أنهم يتوقعون عاصفة قوية وتساقط ثلج كثيف ،
وعلمت من مخابرة هاتفية أخرى أن بعض الشوارع الجانبية أصبحت غير سالكة وأن السلطات المحلية نصحت بإغلاق المكاتب والمحلات باكراً .
قرعت جوان على باب المكتب الخاص بالمدير مرة واحدة ودخلت .
كان براندت ليون منكباً فوق مكتبه وقد ألقى بسترة بذلته البنية على كرسي جانبي .
كانت أزرار قميصه الأبيض العليا مفتوحة ، وكما القميص مرفوعين إلى الأعلى ،
كما كانت أصابع إحدى يديه تنتقل على مفاتيح الآلة الحاسبة فيما يده اليسرى تدون الأرقام الناتجة .
سألها دون أن يرفع رأسه الشبية برأس الأسد :
- ما الذي تريدينه يا آنسة سومرز ؟
- أظن أننا في خضم عاصفة ثلجية يا سيدي ، وقد نصحت السلطات بإغلاق كل أماكن العمل غير الضرورية .
نظر لايل باينز الذي كان يجلس بجسمة الضخم إلى طاولة الرسم الهندسي إلى الخارج عندما سمع كلمات جوان .
وهتف وهو يحدق إلى العاصفة الثلجية خارج النافذة ( يا للهول ) ثم تمالك الرجل المسن نفسة ونظر إلى براندت ليون قائلاً :
- إنها عاصفة ثلجية من الدرجة الأولى يا براندت . أرجو أن لا يكون ذلك إشارة إلى ما سيكونه فصل الشتاء هذا .
أدار براندت ليون كرسية نحو النافذة ليتأكد بنفسه مما قالاه ،
وظهر من تقطيب جبينه العريض أنه غاص في تفكير عميق .
أضافت جوان بهدوء :
- لقد أصبحت بعض الشوارع الجانبية غير سالكة .
فحك ذقنه وفمه بأصابع يده القوية فيما كان يستدير نحوها .
كانت زرقة عينيه معززة بكثافة أهدابة البنية اللون وبقايا سمرة الصيف قد جذبت جوان مرة أخرى إلى القوة والكفاءة المرسومتين على قسمات وجهه المتنافرة .
أمرها قائلاً :
- أرسلي الجميع إلى بيوتهم .
ثم نقل اهتمامه نحو الرجل الجالس إلى طاولة الرسم :
- يجب أن ننتهي من هذا العمل خلال ساعة يا لايل .
- ليس هناك من سبب يدفعني لاستعجال الذهاب إلى البيت .لقد
ذهبت زوجتي عند ابنتنا في بيوريا . كنت سأذهب بالسيارة إلى هناك هذه الليلة .
ولم يعد ذلك ممكناً الآن والفضل في ذلك للثلج .
ابتسم براندت متفهماً ثم رفع حاجباً وسأل جوان :
- أستعلمين الجميع ؟
أومأت برأسها وتهيأت للذهاب : حالاً !
ولكنه ناداها وإمارات الندم مرتسمة على وجهه :
- آنسة سومرز ، أظن أني سأطلب منك البقاء كي تعيدي طباعة أوراق المناقصة عندما تنتهي منها وكي تزوديني الآن ببعض الملفات
التي تحويها خزانتك اللغز .
نظرت جوان إلى النافذة وهي تتساءل في نفسها إن كانت رحلات الأوتوبيس ستدوم في هذه العاصفة حتى ساعة خروجها من عملها ، ولم يكن من الممكن رفض طلبه .
- بالطبع سابقى .
سألها براندت وكأنه قرأ أفكارها :
- أنت تعودين إلى بالأوتوبيس ، أليس كذلك ؟
- نعم .
- لا تقلقي بالنسبة إلى العودة ،فسوف أقلك إلى البيت بعد أن تنتهي .
قال ذلك وانكب على العمل مجدداً .
أومأت جوان برأسها وهي تعرف أنه ليس هناك في عرضة هذا عرض أبعد
من المراعاة .شكرته وقد سرت لاستطاعتها التغلب على افتتانها السخيف به وتجاورت الحالة
التي كان يمكن فيها أن تبني آمالاً لا جدوى منها بمجرد التفكير أنه سيوصلها إلى بيتها .
خلا المبنى بسرعة من الموظفين عندما أنتشر الخبر بأن على الجميع المغادرة . وفي الساعة الواحدة والنصف أرسل براندت لايل بايتز إلى منزله .
اقتربت الساعة من الثالثة عندما انتهت جوان من طبعة أوراق مناقصة البناء المصححة .
كان يوقع على الأوراق فيما كانت جوان تغطي الآلة الكاتبة وترتب طاولة مكتبها .
ثم وضع الأوراق في مغلف .
قالت جوان وهي تشاهد برادنت ينظر من النافذة :
- لقد أصبحت العاصفة أسوأ ، أليس كذلك ؟
رمقها بطرف عينه وهي تعقد الشال حول رقبتها ، وكان وجهه متجهماً بجدية ولكنه لم يرد على سؤلها .
كان صمته صارخاً أكثر من أي رد كلامي .
ومع ذلك طمأنتها حيويته الصارمة بصورة غامضة .
سارا برشاقة عبر الممرات التي تفصل مكتبة الخاص عن الباب الأمامي للمبنى .
كادت قوة الرياح عندما خرجا تظرح جوان أرضاً ، فلف ذراعه حول خصرها كي يسندها وقادها بإتجاة موقف السيارات
المجاور . جعل تساقط الثلج الرؤية سيئة وقد أدركت جوان بحسها الغريزي قثط أنه يقودها نحو سيارته لكنه أنتفض فجأة وتوقف عن السير .
- هذا سخيف !
وفي لحظات أدارها وأخذها عائداً أدراجة إلى المبنى وقد أخذت أسنانه تصطك بسبب انخفاض درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر .
عندما أصبحا داخل المبنى ، ومن دون إرادة منها تلاقت نظراتها بنظراته الحادة وهو يقول لها :
- من الافضل أن تبقى هنا عوضاً عن أن نخاطر وتنقطع السيارة بنها .
على الأقل لدينا هنا الطعام والتدفئة والنور .
استمرت عيناه عالقتين بعينيها للحظة إضافية قبل أن تقطعها جوان وقد أصيبت بالحيرة والخجل .
أوضحت نشرة الأحوال الجوية أن العاصفة ستستمر حتى يوم السبت وكان ذلك يعني أنها وبراندت سيظلان معاً للأربع والعشرين ساعة القادمة
أو ربما أطول من ذلك .
جعلها المنطق السليم توافق فيما كانت تشعل أصابعها التي أرتجفت فجأة بحل عقدة الشال الملفوف حول عنقها .
- بالطبع أنت على حق . على الرغم من أنك تساءلت يوم تناولت وجبة مطعم الشركة إن كان ما تأكله حقاً طعاماً .
أبتسم بمكر :
- يظهر أن لا شيء يطيح بتوازنك سومرز . ولاحتى توقع أن تعلقي هنا طوال طوال عطلة نهاية الاسبوع مع رئيسك .
رأت جوان كيف يتحول وجهه إلى الإبتسام قبلاُ ، ولكنها نادراًُ أما كانت هي المتلقيه .
سرت الإثارة في عروقها مثل الزنبق ولكنها سرعان ما كبحت ذلك عندما تذكرت بأسى الشقراء الصغيرة .
فهي لاتستطيع الإدعاء لنفسها أنها تتطلع لتمضية عطلة الأسبوع حصرياً برفقته .
أن الشعور الوحيد الذي تفضل أن تكنه له هو الإحترام والتقدير .
أدركت جوان أنها لم تعد متمالكة نفسها بما فيه الكفاية . فآلاف المخاوف بداخلها كانت تطرق على أعصابها .
ثم هزت كتفيها وقالت :
- لا أحد منا مسؤول عن هذه العاصفة ، والتذمر من أشياء لا تستطيع تغييرها لا يجدي نفعاً .
فظهر نو ع من السرور في عينيه :
- هذا يعفيني من الإعتذار من عدم إرسالك إلى البيت باكراً .
ردت عليه بالطريقة ذاتها من المرح ولكنها ندمت فوراً لانزلاقها إلى ردود مثل الذي تبادلتها مع أيد الاسبوع الفائت .
- وهذا يعفيني تماماً من تذكيرك بأنك فعلت ذلك .
ابتعدت عنه بسرعة :
- أعذرني قليلاً كي أتصل بصديقتي قبل أن تبدأ بالقلق والتساؤل عن مكان وجودي .
شعرت جوان بنظراته تلاحقها وهي تهرول عبر الممر نحو مكتبها ،
وقالت في نفسها لم لا يكون متزوجاً وفي الخمسين من عمره ، أو يكون أصلعاً وذا بطن منتفخ عوض أن يكون بهذا السحر المغناطيسي ؟
أعادت تعليق معطفها ومشت نحو طاولتها وطلبت رقم هاتف شقتها .
فردت كاي عليها بعد ثانية من الرنين ، وسألتها بجزع :
- جوان ، أين أنت ؟
- ما أزال في المكتب .
- لقد أعتقدت أنك علقت في الثلج ، ألن يقلك المدير إلى البيت ؟
وبختها جوان :
- أفي هذه العاصفة ؟ سوف ننتهي مطمورين تحت الثلج .
- هل تعنين ..
توقفت كاي عن الكلام وكأن أفكارها بالإحتمالات ثم أكملت :
- إنكما عالقان في المكتب ؟ وبمفردكما ؟
وضعت جوان يدها على جبينها :
- أوه يا كاي ، هل تكفين عن جعل المسألة مأساوية ؟
كانت جوان تعاني من تخيلاتها من دون أن تضيف كاي عليها .
امتلأ صوت كاي بالضحك .
- أنتما الأثنين فقط عالقان هناك ،أليس كذلك ؟ وقد جمعتكما الأقدار وعوامل الطبيعة .
أمرتها جوان بسخط :
- هل تكفين عن ذلك ؟ إن السيد ليون هو رئيسي !
ضحكت كاي بصوت مرتفع :
- أراهن أنك لن تناديه بالسيد ليون غداً صباحاً .
- لأجل السماء ! إذا لاحظت الإهتمام الذي يغدقه عليّ السيد ليون ، أشك أنه يدرك حتى أنني من الجنس اللطيف .
بالنسبة له أنا سكرتيرة إدارية كفؤة فرض عليه القدر صحبتي ليوم واحد ، وهذا لن يجعله يكتشف فجأة أنني أنثى جذابة .
كانت انتفاضتها تذكيراً لنفسها أكثر منه هجوم على صديقتها :
- يجب أن أطبع بعض الرسائل الآن ، وسأعود إلى البيت حالما تصبح الطرق سالكة .
أقفلت جوان الخط من دون أن تنتظر رداً ، وقد أنقبضت أساريرها بفعل التشنج ،
شاهدت بعينيها الناظرتين إلى الأسفل السروال البني الذي يقف أمام طاولتها فاجتاحت وجهها موجات من اللون الأحمر القاني وهي
تنظر إلى وجه براندت ليون المتسلي ، وأردكت أن سمع كل ما قالته ، تحركت عضلات وجهه وانفرجت عن إبتسامة .
- إنه لأمر مريح أن تكتشف أنك من البشر يا آنسة سومرز .
قال ذلك بهدوء وعاد إلى مكتبة فيما كانت جوان ما تزال تبحث عن جواب .
لم يكن بها حاجة لمعرفة الوقت ، ولذلك تجاهلت النظر إلى ساعة يدها فيما كانت تقوم بطبع بعض الأوراق التي لم تنته منها خلال النهار .
لم يكن ليدها فكرة عما كان يفعله براندت داخل مكتبة الخاص ،
وهو على الأرجح كانينهي مثلها الأعمال العالقة . كانت تعود بالتفكير تكراراً إلى الحديث المشؤوم الذي تبادلته مع كاي .
أصبحت تشعر بعد الراحة أكثر فأكثر من احتمال مواجهه براندت فيما على الأرجح ماتزال كلماتها ترن في أذنيه ، فقد بدأ أنها صرخة للحصول على إهتمامه وجعلها ذلك ترغب بالهروب
والأختباء ، لم تسمع جوان الباب الموصل بين مكتبيهما يفتح لأنها كانت تضع سماعة آلة التسجيل على أذنيها ومنهمكة بالطباعة .
ولم يقطع شيء هذا الإيقاع إلا عندما أحست بيد تلامس كتفها ، جعلتها المفاجأة تضغط أصابعها بقوة على مفاتيح الأحرف .
أمال رأسه نحوها بفضول فيما كانت نظرته تتفحص النظرة الخائفة المرتدة التي ظهرت في عينيها وقد استدرات نحوه بحدة .
- لم أقصد أن أخيفك يا آنسة سومرز .
- لقد أجفلتني ، هذا كل ما في الأمر .
- إني أشعر بالجوع وقد فكرت أنه ربما يمكنك أن ترشديني إلى أفضل ما يؤكل في المطعم .
أتمنى أن تأكلي معي يا آنسة سومرز .
كانت الطريقة الملتوية التي نطق بها أسمها بمثابة تنبية ساخر إلى أنه يدرك موقعها كرئيس و مرؤوس ، وخاصة بعد تصريحها الحاد .
أشاحت جوان بعينيها عن قسمات وجهه القاسية وتطلعت إلى ساعة يدها بعصبيه . لقد أصبحت السابعة والنصف مساءً . ولم تستطع إلا أن تتمنى لو يمضي باقي الوقت بمثل هذه السرعة
استعادت جوان ثبات صوتها ولهجتها الرسمية كي تؤكد على العاقة الرسمية المهنيه بينهما والتي أرادت في يوم ما أن تغيرها .
تراجع براندت قليلاً وانتظرها لتنتهي من ترتيب أوراقها وتنضم إليه ، حاولت أ نترخي عضلاتها فيما كانت تتقدمه في الممر الذي يوصل إلى المطعم وقد أبقت رأسها منتصباً بصورة غير طبيعية
وكأنها تريد إفهامه أنها لا تحتاج إلى إهتمامه .
كانت ردودها مقتضبة عندما حاول تبادل أحاديث قصيرة عن وجبة السندويش المتواضعة التي كانا يتناولانها .
سرت جوان عندما لاذ أخيراً بالصمت ، ولكن عندما رفعت نظرها إليه واكتشفت أن هيراقبها ، زحفت إلى نظرها مسحه من الحذر فأشاحت نظرها عنه .
انطلق صوته الرنان كاسراً حاجز الصمت .
- أتعلمين أنها غلطتك ؟
لم يكن ضرورياً أن تسأله عما يعني لأنها كانت تعرف ولكنها سألته بعد أن ظهر وكأنه قد تناسى سؤاله :
- وماهي ؟
أجابها براندت وهو يسند ظهره إلى الكرسي بسهولة لا تسطيع هي القيام بها .
- بصراحة ، أنت لا تحاولين أبداُ أن تلفتي الإنتباه إليك .
فلعبت أصابعها بإحدى رقائق البطاطا وأضاف اللون الأحمر الذي اعتلى وجنتيها بريقاً على وجهها:
- لم أقصد عدم الإحتراك عندما كنت أتكلم على الهاتف . أنا في الحقيقة لا أتوقع أي معاملة خاصة لأني أقوم بعملي ، أقصد أني أقبض راتباً مقابل هذا العمل .
- كم تبغلين من العمر ؟
أجابته وبدأ كأن اللقمة الأخيرة من الساندويش ق دعلقت في حلقها :
- ثلاثة وعشرين سنة .
- منذ متى وأنت تعملين عندي ؟
- منذ ثلاث سنوات .
رفع حاجبيه مندهشاً :
- أكنت تعملين عندي كل هذه المدة ؟ لقد تآلفت بصورة جيدة مع العمل .
- وهذا ما يفترض أن تكون عليه السكرتيرة الجيدة .
أجابها بلطافة :
- ليس من المستحب أن نقدر جهود الأشخاص بعد أن يتركوا العمل ، وهذا ما يجعل استغلالك صعباً الآن .
- ماذا تقول ؟
أنطلق السؤال من فمها عفوياً وتلون وجهها بالإحمرار الشديد .
انقبضت أساريره وقال :
- كنت سأسألك أن تكتبي بعض الرسائل هذه الليلة ، فليس هناك من أمر نفعله لتمضية هذه الساعات إلا بالعمل .
وهذا الوقت مناسب لاستلحاق بعض المراسلات التي كنت اؤجلها مؤخراً .
- بالطبع سأفعل . وإذا لم يكن لدي ما أقوم به . فسأبحث وأجد شيئاً أفعله .
كنت سأنجز ما سجل على الأشرطة قبل أن نأكل .
استغلت جوان هذا الغرض لتضع حداً لحديثهما المزعج وأسرعت لرفع ما تبقى من الطعام عن الطاولة .
كانت الساعة تشير إلى العائرة عندما توقف براندت في منتصف جملة كان يمليها عليها ، فيما تابع قلم جوان تسارعه على الورقة حتى دونت آخر كلمة أملاها عليها .
علق براندت وهو يدير كرسيه كي ينظ إليها :
- لماذا لم تطلبي مني التوقف قبلاً ؟
ردت عليه وهي تثني أصابعها المتشنجه وترخي قبضتها عن القلم :
- لم أجد ذلك ضرورياً .
- أعتقد أننا بسبب قوة الرياح التي نسمعها سيكون لدينها كل نهار الغد لننهي ما يجب إنجازه ، يكفي ما قمنها به هذه الليلة .
حانت اللحظة التي كانت جوان تخشاها طوال هذه الفترة . فلم تكن بحاجة إلى من يذكرها أن المبنى بأكمله لا يحتوي إلا على كنبة واحدة موجودة في مكتب براندت ليون .
كانت تعرف بصوره لا واعية أنه لطباعة الكريمه سيعرض عليها أن تنام على تلك الكنبة ، ولكنها لم تستطع أن تقرر إن كانت ستصر أن يستعملها هو أم لا .
وقد أدركت أنها في كلتا الحالتين لن يغمض لها جفن .
سألها براندت :
- هل أصبحت جاهزة للمناقشة .
- أية مناقشة ؟
جابهها بالرد :
- حول أي منا سينام على الكنبة الوحيدة الموجودة في المبنى
أعرف أن كل منا يستطيع النوم على كرسي وهكذا تحل المشكلة .
ولكن أمب لن تغفر لي أبداً إذا ل مأصر على أن تستعملي الكنبة .
رفعت جوان يديها إشارة إعتراضها :
- حقاً ، أنا لا .
أخرس صوته الهادئ والنافذ بقية كلماتها .
- بلى ،أنت تستطيعين وستفعلين . هذا أمر من مديرك ، والسكرتيرة الجيدة تنفذ الأوامر .
أوحت لكاته بشيء من السخرية ولكن نبرة صوته كانت خالية من ذلك ، فانتزعت جوان نظارتها لأنها وجدت صعوبة في رؤية وجهه
بوضوح في تلك المسافة بينهما . وتفحصت عينيه الزرقاوين لتعرف إن كان يتمتع بتضعضعها الذي جعل وجهها يتموج بمختلف الألوان .
أجبرتها نظراته المركزة على الإشاحة بنظرها من دون أن تستطيع الرد عليه .
انطلقت من شفتيها همسة الموافقة بتردد :
- إذا كنت تصر على ذلك يا سيد ليون .
- أنا أصر على ذلك يا آنسة سومرز .
أمسكت أصابعة القوية بذراعي الكرسي ليستند إليها وانتصب واقفاً ولوى متفيه وكأنه هو أيضاً يشعر بالإجهاد من العمل في اليوم الطويل ،
فأخذت تتفحص جسمه المتناسق و تبينت أن طولة الفارع يخدع الناظر إلى صدره العريض إذ لا يبديه بارزاً على حقيقته .
كان براندت ليون يمضي الساعات الطويلة داخل مكتبة خلال أشهر الصيف ، وكان يمضي الساعات الطويلة خارج المكتب منتقلاً بين مشاريعه ، ولم تخفف أشهر الشتاء الطويلة من السمرة التي أكتسبها
خلال تلك الساعات التي أمضاها تحت أشعة الشمس .
كان وجهه مطبوعاً بالكبرياء والتسلط ومؤتراً للغاية مثل قسوة النسر الثاقبة .
أدار رأسه نحوها وكأنه شعر بنظراتها ورفع أحد حاجبيه . شعرت بنبضها يتسارع بصورة غريبة بفعل وقع نظراته المزعجة ، ولتغطية ارتباكها أخذت تقلب صفحات دفتر الأختزال .
- ماذا تفعلين يا آنسة سومرز ؟
أبتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بالتشنج في حلقها .
- إني أراجع هذه الرسائل لأتذكر محتوياتها .
حرك يده في الهواء وكأنه يصرفها :
- دعي ذلك إلى الصباح ، وإذا وجدت صعوبة في فك شيفرة الأختزال أطلبي مني الحل .
ثم أنت تعلمين أنه لا يمكنك قراءة هذه المذكرات من دون أن تضعي نظاراتك الملقاة على حضنك .
انتفضت جوان وأغلقت الدفتر بحدة فيما كانت موجة من الحرارة
تخضب وجهها . وبسبب حركتها الفجائية طار القلم من يديها عبر الغرفة واستقر عند قدمية .
مشت نحوه لتسترجع القلم من يده الممدودة إليها وكأنها تلميذة في المدرسة . ولم تكن قادرة على النظر إلى عينيه اللتين أدركت أن الضحكة تملؤهما .
رن جرس الهاتف فيما كانت تتجه نحو الباب الموصل إلى الغرفة الأخرى .
فقال لها وفي نبرة صوته سخرية واضحة :
- سأرد على الهاتف بنفسي يا آنسة سومرز .
لم يغلق الباب الموصل بين الغرفتين تماماً بعد أن خرجت جوان منه ، فانساب إليها صوته بوضوح من الغرفة المجاورة لعدم وجود أي أصوات أخرى في المبنى .
تغيرت نبرة صوته بطف وأصبحت أكثر حميمة بعد أن تبادل مع المتكلم تحيات حارة :
- كان يجب أن أردك أنني لن أستطيع الإلتزام بموعدنا الليلة يا أنجيلا ، وكنت أفضل أن أكون عالقاً في شقتك في عطلة الأسبوع هذه .
تراقصت صورة الشقراء الصغيرة في مخيلة جوان فوراُ فأحست بعضلات معدتها تتقلص . لاحظت في ضحكته الناعمه التي تلت توقفه عن الكلام شيئاً من الإغواء .
الثلج الاسود- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : يمني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 27054
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
اموت في حبك- Vip
- جنسية العضو : غير معروف
الأوسمة :
عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 10/09/2014
مواضيع مماثلة
» الثلج الاسود 4
» الثلج الاسود 6
» الثلج الاسود اسف بس لازم اتركم ؟؟؟؟؟
» اهداء خاص جدا للاعضاء - الثلج الاسود
» ممكن ابوسك الثلج الاسود ههههههه
» الثلج الاسود 6
» الثلج الاسود اسف بس لازم اتركم ؟؟؟؟؟
» اهداء خاص جدا للاعضاء - الثلج الاسود
» ممكن ابوسك الثلج الاسود ههههههه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر