المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 168 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 168 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90174 مساهمة في هذا المنتدى في 31152 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
الايمان والحياه*2
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الايمان والحياه*2
تموت النفوس بأوصابها *** ولم يدرِ عُوَّادها ما بها
وما أنصف مهجة تشتكي *** أذاها إلي غير أحبابها
ثم يختم المصحف في السجن بضع وثمانين مرة، حتى إذا بلغ قول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ). لقي الله فرحمه الله، وجمعنا به وبالصالحين من أمة محمد بن عبد الله صلَّى وسلم عليه الله
الثبات للمريض في مرضه. يروي [ابن حجر] في الإصابة أن [عمران بن حصين]- رضى الله عنه- أصابه مرض أقعده ثلاثين سنة، وما اشتكى حتى إلى أهله، فكانت الملائكة تصافحه وقت السحر.
[ أبي بن كعب] -رضي الله عنه- سيد القراء يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أإنا لنؤجر في الأمراض والحمى والمصائب؟ فيقول –صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المتفق عليه "والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن همٌّ ولا غمٌّ ولا نَصَب ولا وَصَب ولا بلاء حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه" فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تبعدني عن صلاة ولا حج ولا جهاد، فمكثت به ثلاثين سنة حتى ابيض شعر رأسه ولحيته، وكان لا يجلس بجانبه أحد من شدة فيح الحمى، ليلقى الله ثابتًا بالإيمان، وهكذا يفعل الإيمان. الثبات للمصاب في مصيبته لا يكون ذلك إلا للمؤمنين. يقول الحافظ [أبو نعيم]: لما توفي [ذر بن عمر الهمداني]، جاءه أبوه أو جاء أبوه، فوجده قد مات، فوجد أهل بيته يبكون، فقال: ما بكم؟ قالوا: مات ذر، فقال: الحمد لله، والله ما ظلمنا ولا قهرنا ولا ذهب لنا بحق، وما أريد غيرنا بما حصل لذر، ومالنا على الله من مأثم، ثم غسَّله وكفَّنه، وذهب ليصلي مع المصلين، ثم ذهب به إلي المقبرة، ولما وضعه في القبر قال: رحمك الله يا بني، قد كنت بي بارًا، وكنت لك راحمًا، ومالي إليك من وحشة ولا إلى أحد بعد الله فاقة، والله يا ذر ما ذهبت لنا بعز، وما أبقيت علينا من ذل، ولقد شغلني –والله- الحزن لك عن الحزن عليك، يا ذر –والله- لولا هول يوم المحشر لتمنيت أني صِرْت إلى ما إليه صرت. يا ليت شعري ماذا قيل لك وبماذا أجبت؟ ثم يرفع يديه أخري باكيًا، اللهم إنك قد وعدتني الثواب إن صبرت، اللهم ما وهبته لي من أجر فاجعله لذر صلة مني، وتجاوز عنه، فأنت أرحم به مني، اللهم إني قد وهبت [لذر] إساءته فهب له إساءته فأنت أجود مني وأكرم ثم انصرف ودموعه تقطر على لحيته
وليس الذي يجري من العين ماؤها *** ولكنها روح تسيل فتقطر
انصرف وهو يقول: يا ذر قد انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك، وربنا قد استودعناك، والله يرحمنا وإياك. ما الذي ثبت هذا الرجل إلا الإيمان؟ .
هذه آثار الإيمان على حياة الناس تظهر عند الشدائد، فيثبت لها الرجال ثبات الجبال الشُّم الراسيات، علوا في الحياة وفي الممات. ومن آثار الإيمان على حياة الناس: ديمومة اتهام النفس، والخوف من الرياء والنفاق، وعدم احتقار الذنب. يقول [ابن أبي مليكة] كما في [البخاري]: أدركت ثلاثين من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل. المؤمن يرى ذنوبه كجبل يقعد تحت أصله، يخشى أن يسقط عليه، أما المنافق فيرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فأطاره بيده، ما خاف النفاق إلاَ مؤمن، وما أَمِنَه إلا منافق. يقول [أنس] كما في صحيح [البخاري]: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الموبقات يقول هذا لخير القرون، فماذا يقال فينا؟ نسأل الله أن يرحمنا برحمته.
من آثار الإيمان على الحياة زيادة الأمن في البلدان وعلي الأموال والأعراض، والطمأنينة والهدوء في الأنفس والقلوب. يقول المولى سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) سنَّة الله لا تتخلف، ووعد الله (لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)
من أثار الإيمان نبذ كل ما يفرق الأمة من قوميات وعصبيات وعنصريات ونَعَرَات جاهلية؛ فالمقياس عند المؤمنين حقا التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اخوة) لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، جسد مؤمن واحد، بنيان واحد، أمة واحدة ، لا شرق ولا غرب.
لو كبرت في جموع الصين مئذنة *** سمعت في المغرب تهليل المصلين.
أبا سليمان قلبي لا يطاوعني *** على تجاهل أحبابي وإخواني
إذا اشتكي مسلم في الهند أرَّقني *** وإن بكى مسلم في الصين أبكاني
ومصر ريحانتي والشام نرجسي *** وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
أرى بُخَارَى بلادي وهي نائية *** وأستريح إلى ذكرى خُرَاسان
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ *** عددت ذلك الحمى من صُلْب أوطاني
شريعة الله لَمَّتْ شملنا *** وَبَنَتْ لنا معالم إحسان وإيمان
يقول -صلى الله عليه وسلم -كما روى [أبو داود] وحَسَّن محققُ جامع الأصول- "إن من عباد الله أناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على قُرْبهم ومكانتهم من الله، قال صحابة رسول الله: تخبرنا من هم يا رسول الله؟ قال: هم أناس تحابوا بروح الله على غير أرحام فيما بينهم، ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس". (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
يقع يوم من الأيام بين [أبي ذر] -رضي الله عنه- [وبلال] -رضي الله عنه- خصومة، فيغضب [أبو ذر] وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا ابن السوداء فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان، ويذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشكو أبا ذر، ويستدعي النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر، فيقول -كما في الحديث المتفق علي صحته- يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: " أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت –والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويأخذ بلال –رضي الله عنه- كما روي ويضع خده على التراب ويقول: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه، فتذرف عينا بلال -رضي الله عنه- الدموع، ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذر، يغفر الله لك يا أبا ذر، والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين، ويعتنقان ويبكيان ذهب ما في القلوب، وانتهى ما في القلوب، والشاهد: إنك امرؤ فيك جاهلية.
ويأتي [سهيل بن عمرو]، ويأتي [أبو سفيان] -رضيَ الله عنه وأرضاه- إلي أين يأتون؟ يأتون إلي مجلس [عمر] –رضيَ الله عنه وأرضاه- الذي لا يدخله إلا المؤمنون حقًا، فيستأذن أبو سفيان –وهو سيد من سادات قريش، بإشارة تتحرك ألوف، وبإشارة منه أخرى ترعد ألوف- يأتي إلى هذا المجلس فلا يؤذن له، وهو مسلم –رضى الله عنه وأرضاه- بعد إسلامه. ويأتي سهيل بن عمرو–وهو سيد من سادات قريش- ويستأذن في الدخول على عمر فلا يؤذن له، ويأتي [بلال] الحبشي الذي أكرمه الله بالإسلام فيؤذن له، ويأتي [صهيب]؛ صهيب الرومي فيؤذن له، ويأتي [سلمان] الفارسي فيؤذن له كذلك، فماذا كانت النتيجة؟ كان من أبي سفيان -رضى الله عنه- أن تأثر وتذمَّر وتنمَّر، وقال: والله ما ظننت أن أُحْبس على باب عمر، ويدخل هؤلاء الموالي قبلي، فقال سهيل -وكان لبيبًا عاقلا- قال: والله ما علينا أن نحبس على باب عمر، ولكن -والله- أخشى أن نُحْبسَ على أبواب الجنة، ويدخل هؤلاء، لقد دعوا إلي الإسلام فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا وتأخرنا، فما علينا أن نحبس على باب عمر، إنما علينا أن لا نحبس على أبواب الجنة، أو كما قال. (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى *** وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمرو لا ترى *** جنسًا على جنس يفوق بمحددي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة *** ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه *** لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمي صهيب بكل مال للعداء *** ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها *** من ذرة أقوى وألف مهند
من آثار الإيمان على حياة الناس: تنقية قلوبهم من الحسد، وتصفيتها من الحقد والغل، واستلال الضغائن والسخائم منها؛ لتصبح الأمة كما قال رب العالمين: (أَشدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) هاهو –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من رواية [أنس]، وكما في رواية [ابن اسحق] عن [أبي سعيد الخدري]، عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" أنه لما قسم غنائم حنين أعطى المهاجرين، وتألف قلوب بعض المشركين، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فوجدوا في أنفسهم، فقال قائلهم: وجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قومه فنسينا، وقال الآخر: غفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فيذهب أحدهم، بل سيد من ساداتهم؛ [سعد بن عبادة] إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويقول وينقل المقالة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما روى: ما أنت؟ يعني أين موقفك أنت، حدِّد موقفك، هل أنت منهم؟ فيقول: يا رسول الله ما أنا إلاّ رجل من قومي، قد أقول ما يقولون -ما يعرفون الخداع، وما يعرفون الالتواء، إنما صرحاء أتقياء أنقياء-. فقال -صلى الله عليه وسلم-: اجمعهم لي، فجمعهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار؛ ما حديث بلغني عنكم، ألم آتيكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ فيقولون: الله ورسوله أمنّ، الله ورسوله أمنّ. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار، والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مُكذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب أقوام ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ والذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا وسلك الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، أما ترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير، وتعودون أنتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ألا إنكم ستلقون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فبكى القوم حتى اخضلَّت لِحَاهُم بالدموع وهم يقولون: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا، رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا." لسان حالهم
خذوا الشياة والجمال والبقر *** فقد أخذنا عنكم خير البشر
صلى الله عليه وسلم ، أرأيت كيف استلَّ -صلى الله عليه وسلم- ما في قلوبهم، إنه لو لم يكن فيها إيمان لَمَ استلَّ ما في قلوبهم -رضوان الله عليهم جميعًا-. وهاهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح- بين أصحابه فيقول: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل تنفض لحيته من آثار الوضوء، ثم قالها في اليوم الثاني، فطلع نفس الرجل، ثم قالها في اليوم الثالث فكان هو الرجل، فلحق به بعض صحابة رسول الله، وجلسوا معه أيامًا فلم يرَ في هذا الرجل كثير صلاة ولا صيام، فقال له بعد ثلاث ليال: لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا وكذا، ولم أرَك تعمل كثير عمل، قال: والله هو ما رأيت، غير أني لا أنام ليلة من الليالي وأنا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّشا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال: بذلك بلغت ما بلغت، وتلك التي لا تُطاق -أو كما قال-، إنه الإيمان. [الإمام الشافعي] -عليه رحمة الله- عوتب من قِبَل بعض المغرضين على زيارة [الإمام أحمد]، وهو أكبر منه سنًا، فقال ردًا على هؤلاء:
قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل لا تغادر منزله
إن زارني فلفضله أو زرته *** فلفضله فالفضل في الحالين له
رد على المعرضين، وكأنه يقول : كمدًا من مات من غيره منهم له كفن إنه الإيمان وكفى. ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه عصمة وحجاب عن المعاصي والشهوات والشبهات. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح-:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" إن المؤمن يا أيها الأحبة يقدِّم مراد الله على شهواته وعلى لذ ائذه، فييسر الله أمره، ويعصمه سبحانه وبحمده. ففي الأثر أن الله -سبحانه عز وجل- قال: "وعزتي وجلالي، ما من عبد آثر هواي على هواه - أي قدم مراد الله على شهوات نفسه وهواها - إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، واستجرت له من وراء كل فاجر" الإيمان عصمة من الوقوع في المعاصي
هاهو الشاب القوي الحيِّي العالم، الذي يبلغ ثلاثين سنة؛ إنه [الربيع بن خُثَيْم]، يتمالى عليه فُسَّاق لإفساده، فيأتون بغانية جميلة، ويدفعون لها مبلغًا من المال قدره ألف دينار، فتقول: علام؟ قالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خثيم، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني؛ لأنه نقص عندها منسوب الإيمان، فما كان منها إلا أن تعرضت له في ساعة خلوة، وأبرزت مفاتنها له، فما كان منه إلا أن تقدم إليها يركض ويقول: يا أَمَة الله؛ كيف بك لو نزل ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك يوم تقفين بين يدَيْ الرب العظيم؟ أم كيف بك إن شقيتي يوم تُرْمَين في الجحيم؟ فصرخت وولَّت هاربة تائبة إلى الله، عابدة زاهدة حتى لقِّبت بعد ذلك بعابِدَة الكوفة، وكان يقول هؤلاء الفُسَّاق: لقد أفسدها علينا الربيع. ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل قلة شهوة؟ إنها الشهوة العظيمة وفي سن هو أوج الشهوة وعظمتها هو سن الثلاثين، ومع ذلك ما الذي ثبته هنا، وما الذي عصمه بإذن الله؟ إنه الإيمان بالله –الذي لا إله إلا هو- .
فالإيمان –يا أيها الأحبة- كالجمرة متى ما نفخت بها أضاءت واشتعلت؛ فأصبحت إضاءتها عظيمة عظيمة، وحين ينقص منسوب الإيمان يقع الإنسان في الفواحش والآثام، يغرق في الشهوات، ثم يقع بعد ذلك في الموبقات. هاهو شاب من شباب هذه الأمة، كان له صديق سوء، وجاءه في ليلة من الليالي في منتصف الليل وهو نائم ليطرق عليه الباب، طرق عليه الباب في تلك الساعة، وكان نائمًا لم يسمعه، فقامت أمه وفتحت له الباب، وقال: أريد فلانًا، قالت: إنه نائم لا أريد أن أوقظه الآن، قال: أريده لغرض ضروري، ألحَّ عليها فاستجابت حياءً منه، وذهبت وأخرجت هذا الشاب من فراشه، فخرج إلى هذا الرجل، فقال له قرين السوء: نريد الليلة أن ننتهك حرمة البيت الفلاني نريد أن نصعد لذاك البيت، ولنا منه الليلة صيدة –كما يقول-، فما كان من هذا –وقد نقص منسوب الإيمان عنده إن لم يكن قد انعدم- إلاَّ أن دخل وأخذ المسدس، وخرج من نصف الليل، وكان نائمًا، خرج مع قرين السوء يغدوان إلى المعصية لأنهما ما حملا الإيمان كما ينبغي أن يحمل، برجليهما يذهبان إلى الفاحشة، ذهبوا إلي بيت آمن وفي منتصف الليل ليأتي هذا الذي جاء وأيقظه ليصعد الجدار، وينتهك حرمة البيت بسقوطه في وسط البيت، ويبقى ذلك حارسًا بمسدسه خارج البيت، ويسمع صاحب البيت ويقوم، ويأخذ عصى غليظة، ويأتي وراء هذا الرجل يطارده، فيهرب منه ويأتي إلى هذا الحارس؛ صاحب المسدس؛ والذي كان نائمًا في نومته، فيضربه بالعصا ضربة آلمتْه، فما كان منه إلاّ أن أخذ المسدس، ثم قتل هذا الرجل، يا لله ما أعظمها من جريمة! في وسط الليل تنتهك حرمة بيت من بيوت المسلمين، وتقتل -أيضًا- صاحب البيت، ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ يأتي رجال الأمن ويقبضون على هذا الرجل، ويقول: إنني لست المجرم الحقيقي، إن المجرم الحقيقي هو فلان، جاءني واستخرجني من دار أمي، وهو الذي أغراني بهذا، فيأخذوه ويذهبون ليبحثون عن الثاني، وإذا بالثاني يذهب إلى جماعة نقص منسوب الإيمان عندها، فيأخذهم شهود زور، يشهدون أنه في تلك الليلة كان نائمًا معهم في القرية الفولانية، ويبقى هذا في السجن، كل ليلة جمعة ينتظر متي ينادي المنادي أن اخرج لتقتل، وأمه تتجرع الغصص، كل ذلك لأنه ما حمل الإيمان كما ينبغي فوقع. "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" ليس هذا فحسب، إليكم هذا الحدث الذي ذكره الشيخ [سلمان العودة] في كتابه جلسة على الرصيف وأنصح باقتناء هذا الكتيب ليبين لك أثر الإيمان في موت القلوب، أثر نقص الإيمان في موت القلوب، ذكر أن فتاة تبلغ العشرين عامًا جاءت إلى إحدى المستشفيات وهي حامل، فوضعت مولودًا في أحسن صحة وأتمِّ حال، لكنها كانت في قلق دائم شديد، وارتباك ظاهر، مسودة الوجه، كثيرة البكاء، بها من الهمِّ ما بها، وبها من الغمِّ ما بها، طلبوا منها بعد أيام من أيام الولادة أن تبعث لوليها ليخرجها من المستشفى، فارتبكت وبكت بكاءً مرًا مستمرًا حتى كاد يغمى عليها من شدة البكاء، فانفردوا بها في غرفة مستقلَّة وسألوها عن الأمر، ما الأمر؟ وما الخطب؟ وما الحدث؟ وبعد جهد جهيد قالت لهم بصوت متقطع وبقلب مليء بالحسرات والهموم والغموم قالت: إن والد هذا الطفل هو أبوها نفسه، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ما أفظع الأمر! وما أفجعه! والله لو قيل إن هذا وقع في الأمم السابقة لاستفظعناه ولاستبشعناه، ولقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لو كان في بلاد الكفر والعهر لاستعظمناه، فكيف إذا علمنا أنه في بيتٍ أهله ربما نطقوا بالشهادتين في كل يوم، وربما سمعوا آيات الله ثم انسلخت قلوبهم منها، فلم يعرفوا معروفًا، ولم ينكروا منكرًا؟! لا تستبعد مثل هذا أخي المسلم؛ فلربما كانت البداية بنظرة خائنة هيَّجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان ذلك بأغنية ماجنة هيَّجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان ذلك بمشاهدة تمثيلية فاجرة هيجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان بشربة خمر أفقدته عقله فوقع على ابنته. وهكذا فالمعاصي يجر بعضها بعضًا، والسقوط شيئًا فشيئًا
ورحلة النيل تبدأ بخطوة واحدة *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
والإيمان هو الزمام والفيصل. ومن آثاره على الحياة سعادة البيوت والأسر، بيت يدخله الإيمان بيت سعيد لا يُخْرج إلا السعداء بإذن رب الأرض والسماء؛ استعاض أهله عن الغناء بترتيل القرآن آناء الليل وأطراف النهار، واستغنوا عن المجلات الماجنة بتقليب المصحف وكتب السُّنة والكتب المفيدة، واستغنوا عن السجائر وما في حكمها من الخبائث بالسواك فطهروا أفواههم وأرضوا ربهم. سعادة وأي سعادة، نساء هذا البيت مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات متحجبات ممتثلات لأمر رب الأرض والسماوات، يخرج الزوج المؤمن من البيت المؤمن فتقول الزوجة: اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالا؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار. هذا بيت [الإمام أحمد] –عليه رحمة الله- يتربى على الإيمان، فاسمع إليه يوم يقول بعد أن توفيت زوجته [أم صالح] يقول: رافقتني أم صالح – يعني زوجته- ثلاثين عامًا، والله ما اختلفت معها في كلمة واحدة. إنه الإيمان يا أيها الأحبة، البيت المتربي على الإيمان ليس هذا فحسب، إن البيت المتربي على الإيمان يدرك الأطفال هذا الإيمان، فيدخل إلى قلوبهم السعادة ولو كانوا لم يحظوا من الدنيا بقليل ولا كثير. إن [الإمام أحمد] كان دخله في الشهر سبعة عشر درهمًا فيأتي أبناؤه ويقولون: يا أبتاه لا تكفينا، قال: أيام دون أيام، طعام دون طعام، وشراب دون شراب، ولباس دون لباس حتى نلقى الله الواحد الأحد. حذاؤه تبقى في رجله ثمانية عشر عامًا –كما ذكر ابنه عبد اله]- كلما انخزمت خطفها، وأعادها إلى رجله؛ لأنه ركل زخارف الدنيا وهو يعلم أن مناديل [سعد بن معاذ] في الجنة خير من هذا.
البيوت المؤمنة تُخْرج أشبال الإيمان، والأسر التي تربت على الإيمان تخرج أشبال الإيمان، وإليكم هذا المثل:
[عمر بن عبد العزيز] -عليه رحمة الله ورضوانه- في يوم العيد، وهو خليفة المسلمين يدخل رجال المسلمين ليهنئونه ويدعون له بقبول الصيام والقيام، ثم يذهب الرجال ويدخل الأطفال؛ أطفال الرعية فدخلوا في هيئة حسنة وجميلة، وبينهم طفل من أطفال عمر ثيابه خَلِقَة وثيابه بالية، وميزانية الأمَّة كلها تحت يديه، ومع ذلك ركل الدنيا تحت قدميه، وربَّى في أهله الإيمان، ففازوا بأعظم حُلة؛ إنها حلة الإيمان، يوم رأى ابنه في يوم العيد بين أطفال الرعية وهم في هيئة حسنة وهو في تلك الهيئة، طأطأ رأسه وبكى، فقال هذا الطفل الصغير، والذي تربى على الإيمان: أبتاه ما الذي طأطأ بك رأسك وأبكاك، قال: يا بني -والله- ما من شيء إلا أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم العيد بين أطفال الرَّعية، وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة، فردَّ ردَّ الرجال المؤمنين، قال: أبتاه إنما ينكسر قلب من عصى ربه ومولاه، وعقَّ أمه وأباه، أما أنا فلا والله. ما الذي علَّم هذا الطفل إلاّ الله الذي رزقه الإيمان من صغره فتربى على الإيمان، فكان منه ما كان
ومن آثاره -أعني الإيمان- على الفرد الولاء الخالص للمؤمنين، والعداء لأعداء الدين ولو كانوا آباءً وأبناءً أو إخوانًا أو عشيرة، ناهيك عن أن يكونوا من المغضوب عليهم والضالين والمجوس والذين أشركوا، وكلهم ضالون.
(لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
هاهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حققوا هذا الأثر، فظهر في تصرفاتهم، وظهر في كلماتهم ومقالاتهم. يقول [ابن عمر]: والله لو أنفقت أموالي كلها في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطر، وقمت الليل لا أنام، ثم لم أصبح وأنا أحب أهل الطاعة، وأبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ولا يبالي [وخبيب] -رضي الله عنه وأرضاه- يُقدَّم تضرب عنقه في ذات الله، فيقال له: أتحب أن محمدًا مكانك الآن، وأنك آمن في أهلك، فيقول -وقد والى الله-: والله ما أحب أن محمدًا يشاك بشوكة وأني آمن في أهلي.
وهكذا يفعل الإيمان. وإذا نقص منسوب الإيمان وإذا تدني منسوب الإيمان تدنى معه الشخص، تدنى إلى مرحلة البهيمية، فأصبح ولاء الإنسان تافهًا حقيرًا مهينًا. يذكر [ابن تيميه]- عليه رحمة الله- أن رجلا تعلق امرأة سوداء فأحبها حبًا جمًّا، فكان يقول يوم نقص منسوب الإيمان عنده:
عدو لمن عادت وسِلْم لأهلها *** ومن قرَّبت كان أحب وأقربَ
ليس هذا فحسب، بل قال مرة أخرى:
أحب لحبها السودان حتى *** أحب لحبها سود الكلاب.
صار الحب فيها، والبغض فيها، والولاء لها، والعداء لأعدائها، مع أن الأصل من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ولن ينال عبد طعم الإيمان وإن صلَّى وصام حتى يكون كذلك ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه يكسب العزة التي تجعل الإنسان يمشي نحو هدفه مرفوع القامة والهامة، لا يحني رأسه لمخلوق، ولا يطأطأ رقبته لجبروت أو طغيان أو مال أو جاه، فهو سيد في الكون هذا وعبد لله وحده.
لا غرو إذا رأينا مؤمنًا أعرابيًا مثل [ربعي بن عامر] حين باشرت قلبه بشاشة الإيمان، وأضاءت فكره آيات القرآن، يقف أمام [رستم] في سلطانه وإيوانه غير مكترث له ولا عابئ به حتى إذا سأله رستم من أنتم وما الذي جاء بكم؟ حقق في الإيوان وأجاب إجابة في عزة مؤمنة خلدها التاريخ فقال: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلي سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. عزة وأي عزة! إنها لا توجد إلاّ في ظلال الإيمان
أمَّة الصحراء يا شعب الخلود *** من سواكم حل أغلال الورى؟
أي داعي قبلكم في ذا الوجود *** صاح لا كسرى هنا لا قيصر؟
من سواكم في قديم أو حديث *** أطلع القرآن صبحًا للرشاد؟
هاتفًا في مسمع الكون العظيم *** ليس غير الله ربًا للعباد
فكِّروا في عصركم وانتبهوا *** طالما كنتم جَمَالا للعُصُر
وابعثوا الصحراء عزمًا وابعثوا *** مرة أخري بها روح عمر
هاهو أخر قد آمن بالله حقًا، فأكسبه ذلك الإيمان عزة، جعل يتكلم في [هشام بن عبد الملك] الخليفة كلامًا غليظًا جافيًا، فأمر هشام بإحضاره، فلما وقف بين يديه جعل يتكلم، فقال هشام له: وتتكلم أيضًا في مجلسي؟! فقال: يقول الله –جل وعلا-: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا) أفنجادل الله جدالا، ولا نكلمك يا هشام؟! فما كان من هشام إلا أن قال: قل ما شئت، ثم انصرف راشدًا، فقال ما شاء وانصرف راشدًا بعزة المؤمن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) إنها العزّة، أثر إيماني يظهر صاحبه الحق، لا يخشى دون الله أحدًا، ليس هذا فحسب. هاكم مثلا آخر، ذلكم الشيخ [سعيد الحلبي] عالم الشام في عصره، كان في درس من دروسه مادًا رجله في مسجد من مساجد الشام، فدخل [إبراهيم] باشا ابن [محمد على] باشا والي مصر آنذاك، فقام الناس كلهم إلاّ هذا الشيخ، بقي مادًّا رجله في حلقته يلقي قال الله، وقال رسوله- صلى الله عليه وسلم- فتأثر ذلك الطاغية، وأثَّر ذلك في نفسه إذ لم يقم له هذا الشيخ، فقال في نفسه هذا: لأتينه من باب لطالما أوتي طلبة العلم من هذا الباب. فذهب وأضمر له ما أضمر، وأحضر ألف ليرة ذهبية –في وقت الشيخ قد لا يجد ليرة واحدة-، وقال لأحد جنوده: اذهب إلي الشيخ وأعطه هذه، فأخذ هذا الجندي ذلك المبلغ، وذهب به إلى الشيخ ولا زال مادًّا رجله في حلقته يدرس قال الله، وقال رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ويكتسب العزة من خلال قال الله وقال رسوله، جاء إليه وقال: إن إبراهيم باشا يقول: خذ هذه الألف الليرة الذهبية، فما كان منه إلا أن نظر إليه بعزة المؤمن، وتبسم تبسم المغضب، وقال: ردها له، وقل له: إن الذي يمد رجله لا يمد يده، إن الذي يمد رجليه لا يمد يديه، أنا أقول ربما يكون الشيخ في تلك اللحظة لا يملك ليرة ذهبية واحدة، لكن كنز الإيمان أعظم وأغلى من أن يباع بألف ليرة أو بليرة أو بأقل أو بأكثر، وهكذا يكون المؤمنون. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) وإن نسيت أيها الأحبة فلا أنسى [سيدًا] -رحمه الله وتجاوز عني وعنه-، الذي اعتزَّ بإيمانه، فصدع بكلمة الحق بلا استحياء ولا خجل، فحكم عليه بالقتل، وطلبوا منه أن يقدم استرحامًا حتى يخفف عنه الحكم، ولكنه أبى -رحمه الله- وقال قولته الشهيرة: إن كنت حوكمت بحق فأنا أرضى بالحق، وإن كنت حوكمت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبعي السبابة التي تشهد لله بالوحدانية مرات في اليوم لترفض أن تكتب كلمة واحدة تقر بها حكم طاغية. ماذا كان سيفعل سيد لولا الإيمان؟ يا للعزة! ويا للثبات!. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) ومن آثار الإيمان: سعة الرزق لأهل الإيمان والبركة فيه. المؤمن –أيها الأحبة- لا يذهب منه ريال في شراء ما يغضب الله –جلا وعلا- لا يذهب منه ريال في شراء دخان، وما في حكم الدخان من الخبائث، لا يذهب منه ريال في شراء فيلم مفسد أو مجلة أو جريدة مفسدة؛ لأنه يعلم أنه مسؤول أمام الله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فيصون رزقه عن الربا وعن الغش وعن الحِيَل، وعن المكر والخداع، ويجند رزقه فيما يرضي الله –جل وعلا- فيرزقه الله ويبارك الله له. (وَمَن يَتَّقِِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ )
ومن آثار الإيمان: صدق التوكل على الله، وتفويض الأمور إلى الله -جل وعلا- والاعتماد عليه في السعي في هذه الحياة، واستمداد العون منه في الشدة والرخاء؛ فالمؤمنون يجدون في توكلهم على الله راحة نفسية، وطمأنينة قلبية، إن أصابهم خير حمدوا الله –جل وعلا- وشكروه، وإن أصابتهم شدة صبروا وشكروا، ولسان حالهم ومقالهم: (قُل لَّن يُّصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا)
هاهو [خالد بن الوليد] المؤمن الحق بإذن الله يُقَدَّم له في يوم من الأيام سم، يُقَدَّم له سم من قِبَل طاغية من الطغاة، ويقول له هذا الكافر: إن كنتم صادقين في التوكل على الله -جل وعلا- واللجوء إليه، والثقة به، فاشرب هذه القارورة من السم، فما كان من خالد -رضي الله عنه- إلا أن أخذها وقال: بسم الله، توكلت على الله، ثقة بالله -سبحانه وتعالى- ثم شربه، فلم يصبه إلا العافية. (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون
ومن آثار الإيمان انشراح الصدر، وطمأنينة القلب (أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ من رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ) المؤمن منشرح الصدر، مطمئن القلب، قد آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- فذاق حلاوة الإيمان، فانشرح صدره.
وما أنصف مهجة تشتكي *** أذاها إلي غير أحبابها
ثم يختم المصحف في السجن بضع وثمانين مرة، حتى إذا بلغ قول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ). لقي الله فرحمه الله، وجمعنا به وبالصالحين من أمة محمد بن عبد الله صلَّى وسلم عليه الله
الثبات للمريض في مرضه. يروي [ابن حجر] في الإصابة أن [عمران بن حصين]- رضى الله عنه- أصابه مرض أقعده ثلاثين سنة، وما اشتكى حتى إلى أهله، فكانت الملائكة تصافحه وقت السحر.
[ أبي بن كعب] -رضي الله عنه- سيد القراء يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أإنا لنؤجر في الأمراض والحمى والمصائب؟ فيقول –صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المتفق عليه "والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن همٌّ ولا غمٌّ ولا نَصَب ولا وَصَب ولا بلاء حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه" فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تبعدني عن صلاة ولا حج ولا جهاد، فمكثت به ثلاثين سنة حتى ابيض شعر رأسه ولحيته، وكان لا يجلس بجانبه أحد من شدة فيح الحمى، ليلقى الله ثابتًا بالإيمان، وهكذا يفعل الإيمان. الثبات للمصاب في مصيبته لا يكون ذلك إلا للمؤمنين. يقول الحافظ [أبو نعيم]: لما توفي [ذر بن عمر الهمداني]، جاءه أبوه أو جاء أبوه، فوجده قد مات، فوجد أهل بيته يبكون، فقال: ما بكم؟ قالوا: مات ذر، فقال: الحمد لله، والله ما ظلمنا ولا قهرنا ولا ذهب لنا بحق، وما أريد غيرنا بما حصل لذر، ومالنا على الله من مأثم، ثم غسَّله وكفَّنه، وذهب ليصلي مع المصلين، ثم ذهب به إلي المقبرة، ولما وضعه في القبر قال: رحمك الله يا بني، قد كنت بي بارًا، وكنت لك راحمًا، ومالي إليك من وحشة ولا إلى أحد بعد الله فاقة، والله يا ذر ما ذهبت لنا بعز، وما أبقيت علينا من ذل، ولقد شغلني –والله- الحزن لك عن الحزن عليك، يا ذر –والله- لولا هول يوم المحشر لتمنيت أني صِرْت إلى ما إليه صرت. يا ليت شعري ماذا قيل لك وبماذا أجبت؟ ثم يرفع يديه أخري باكيًا، اللهم إنك قد وعدتني الثواب إن صبرت، اللهم ما وهبته لي من أجر فاجعله لذر صلة مني، وتجاوز عنه، فأنت أرحم به مني، اللهم إني قد وهبت [لذر] إساءته فهب له إساءته فأنت أجود مني وأكرم ثم انصرف ودموعه تقطر على لحيته
وليس الذي يجري من العين ماؤها *** ولكنها روح تسيل فتقطر
انصرف وهو يقول: يا ذر قد انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك، وربنا قد استودعناك، والله يرحمنا وإياك. ما الذي ثبت هذا الرجل إلا الإيمان؟ .
هذه آثار الإيمان على حياة الناس تظهر عند الشدائد، فيثبت لها الرجال ثبات الجبال الشُّم الراسيات، علوا في الحياة وفي الممات. ومن آثار الإيمان على حياة الناس: ديمومة اتهام النفس، والخوف من الرياء والنفاق، وعدم احتقار الذنب. يقول [ابن أبي مليكة] كما في [البخاري]: أدركت ثلاثين من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل. المؤمن يرى ذنوبه كجبل يقعد تحت أصله، يخشى أن يسقط عليه، أما المنافق فيرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فأطاره بيده، ما خاف النفاق إلاَ مؤمن، وما أَمِنَه إلا منافق. يقول [أنس] كما في صحيح [البخاري]: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الموبقات يقول هذا لخير القرون، فماذا يقال فينا؟ نسأل الله أن يرحمنا برحمته.
من آثار الإيمان على الحياة زيادة الأمن في البلدان وعلي الأموال والأعراض، والطمأنينة والهدوء في الأنفس والقلوب. يقول المولى سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) سنَّة الله لا تتخلف، ووعد الله (لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)
من أثار الإيمان نبذ كل ما يفرق الأمة من قوميات وعصبيات وعنصريات ونَعَرَات جاهلية؛ فالمقياس عند المؤمنين حقا التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اخوة) لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، جسد مؤمن واحد، بنيان واحد، أمة واحدة ، لا شرق ولا غرب.
لو كبرت في جموع الصين مئذنة *** سمعت في المغرب تهليل المصلين.
أبا سليمان قلبي لا يطاوعني *** على تجاهل أحبابي وإخواني
إذا اشتكي مسلم في الهند أرَّقني *** وإن بكى مسلم في الصين أبكاني
ومصر ريحانتي والشام نرجسي *** وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
أرى بُخَارَى بلادي وهي نائية *** وأستريح إلى ذكرى خُرَاسان
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ *** عددت ذلك الحمى من صُلْب أوطاني
شريعة الله لَمَّتْ شملنا *** وَبَنَتْ لنا معالم إحسان وإيمان
يقول -صلى الله عليه وسلم -كما روى [أبو داود] وحَسَّن محققُ جامع الأصول- "إن من عباد الله أناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على قُرْبهم ومكانتهم من الله، قال صحابة رسول الله: تخبرنا من هم يا رسول الله؟ قال: هم أناس تحابوا بروح الله على غير أرحام فيما بينهم، ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس". (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
يقع يوم من الأيام بين [أبي ذر] -رضي الله عنه- [وبلال] -رضي الله عنه- خصومة، فيغضب [أبو ذر] وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا ابن السوداء فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان، ويذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشكو أبا ذر، ويستدعي النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر، فيقول -كما في الحديث المتفق علي صحته- يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: " أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت –والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويأخذ بلال –رضي الله عنه- كما روي ويضع خده على التراب ويقول: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه، فتذرف عينا بلال -رضي الله عنه- الدموع، ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذر، يغفر الله لك يا أبا ذر، والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين، ويعتنقان ويبكيان ذهب ما في القلوب، وانتهى ما في القلوب، والشاهد: إنك امرؤ فيك جاهلية.
ويأتي [سهيل بن عمرو]، ويأتي [أبو سفيان] -رضيَ الله عنه وأرضاه- إلي أين يأتون؟ يأتون إلي مجلس [عمر] –رضيَ الله عنه وأرضاه- الذي لا يدخله إلا المؤمنون حقًا، فيستأذن أبو سفيان –وهو سيد من سادات قريش، بإشارة تتحرك ألوف، وبإشارة منه أخرى ترعد ألوف- يأتي إلى هذا المجلس فلا يؤذن له، وهو مسلم –رضى الله عنه وأرضاه- بعد إسلامه. ويأتي سهيل بن عمرو–وهو سيد من سادات قريش- ويستأذن في الدخول على عمر فلا يؤذن له، ويأتي [بلال] الحبشي الذي أكرمه الله بالإسلام فيؤذن له، ويأتي [صهيب]؛ صهيب الرومي فيؤذن له، ويأتي [سلمان] الفارسي فيؤذن له كذلك، فماذا كانت النتيجة؟ كان من أبي سفيان -رضى الله عنه- أن تأثر وتذمَّر وتنمَّر، وقال: والله ما ظننت أن أُحْبس على باب عمر، ويدخل هؤلاء الموالي قبلي، فقال سهيل -وكان لبيبًا عاقلا- قال: والله ما علينا أن نحبس على باب عمر، ولكن -والله- أخشى أن نُحْبسَ على أبواب الجنة، ويدخل هؤلاء، لقد دعوا إلي الإسلام فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا وتأخرنا، فما علينا أن نحبس على باب عمر، إنما علينا أن لا نحبس على أبواب الجنة، أو كما قال. (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى *** وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمرو لا ترى *** جنسًا على جنس يفوق بمحددي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة *** ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه *** لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمي صهيب بكل مال للعداء *** ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها *** من ذرة أقوى وألف مهند
من آثار الإيمان على حياة الناس: تنقية قلوبهم من الحسد، وتصفيتها من الحقد والغل، واستلال الضغائن والسخائم منها؛ لتصبح الأمة كما قال رب العالمين: (أَشدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) هاهو –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من رواية [أنس]، وكما في رواية [ابن اسحق] عن [أبي سعيد الخدري]، عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" أنه لما قسم غنائم حنين أعطى المهاجرين، وتألف قلوب بعض المشركين، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فوجدوا في أنفسهم، فقال قائلهم: وجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قومه فنسينا، وقال الآخر: غفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فيذهب أحدهم، بل سيد من ساداتهم؛ [سعد بن عبادة] إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويقول وينقل المقالة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما روى: ما أنت؟ يعني أين موقفك أنت، حدِّد موقفك، هل أنت منهم؟ فيقول: يا رسول الله ما أنا إلاّ رجل من قومي، قد أقول ما يقولون -ما يعرفون الخداع، وما يعرفون الالتواء، إنما صرحاء أتقياء أنقياء-. فقال -صلى الله عليه وسلم-: اجمعهم لي، فجمعهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار؛ ما حديث بلغني عنكم، ألم آتيكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ فيقولون: الله ورسوله أمنّ، الله ورسوله أمنّ. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار، والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مُكذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب أقوام ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ والذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا وسلك الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، أما ترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير، وتعودون أنتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ألا إنكم ستلقون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فبكى القوم حتى اخضلَّت لِحَاهُم بالدموع وهم يقولون: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا، رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا." لسان حالهم
خذوا الشياة والجمال والبقر *** فقد أخذنا عنكم خير البشر
صلى الله عليه وسلم ، أرأيت كيف استلَّ -صلى الله عليه وسلم- ما في قلوبهم، إنه لو لم يكن فيها إيمان لَمَ استلَّ ما في قلوبهم -رضوان الله عليهم جميعًا-. وهاهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح- بين أصحابه فيقول: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل تنفض لحيته من آثار الوضوء، ثم قالها في اليوم الثاني، فطلع نفس الرجل، ثم قالها في اليوم الثالث فكان هو الرجل، فلحق به بعض صحابة رسول الله، وجلسوا معه أيامًا فلم يرَ في هذا الرجل كثير صلاة ولا صيام، فقال له بعد ثلاث ليال: لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا وكذا، ولم أرَك تعمل كثير عمل، قال: والله هو ما رأيت، غير أني لا أنام ليلة من الليالي وأنا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّشا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال: بذلك بلغت ما بلغت، وتلك التي لا تُطاق -أو كما قال-، إنه الإيمان. [الإمام الشافعي] -عليه رحمة الله- عوتب من قِبَل بعض المغرضين على زيارة [الإمام أحمد]، وهو أكبر منه سنًا، فقال ردًا على هؤلاء:
قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل لا تغادر منزله
إن زارني فلفضله أو زرته *** فلفضله فالفضل في الحالين له
رد على المعرضين، وكأنه يقول : كمدًا من مات من غيره منهم له كفن إنه الإيمان وكفى. ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه عصمة وحجاب عن المعاصي والشهوات والشبهات. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح-:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" إن المؤمن يا أيها الأحبة يقدِّم مراد الله على شهواته وعلى لذ ائذه، فييسر الله أمره، ويعصمه سبحانه وبحمده. ففي الأثر أن الله -سبحانه عز وجل- قال: "وعزتي وجلالي، ما من عبد آثر هواي على هواه - أي قدم مراد الله على شهوات نفسه وهواها - إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، واستجرت له من وراء كل فاجر" الإيمان عصمة من الوقوع في المعاصي
هاهو الشاب القوي الحيِّي العالم، الذي يبلغ ثلاثين سنة؛ إنه [الربيع بن خُثَيْم]، يتمالى عليه فُسَّاق لإفساده، فيأتون بغانية جميلة، ويدفعون لها مبلغًا من المال قدره ألف دينار، فتقول: علام؟ قالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خثيم، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني؛ لأنه نقص عندها منسوب الإيمان، فما كان منها إلا أن تعرضت له في ساعة خلوة، وأبرزت مفاتنها له، فما كان منه إلا أن تقدم إليها يركض ويقول: يا أَمَة الله؛ كيف بك لو نزل ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك يوم تقفين بين يدَيْ الرب العظيم؟ أم كيف بك إن شقيتي يوم تُرْمَين في الجحيم؟ فصرخت وولَّت هاربة تائبة إلى الله، عابدة زاهدة حتى لقِّبت بعد ذلك بعابِدَة الكوفة، وكان يقول هؤلاء الفُسَّاق: لقد أفسدها علينا الربيع. ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل قلة شهوة؟ إنها الشهوة العظيمة وفي سن هو أوج الشهوة وعظمتها هو سن الثلاثين، ومع ذلك ما الذي ثبته هنا، وما الذي عصمه بإذن الله؟ إنه الإيمان بالله –الذي لا إله إلا هو- .
فالإيمان –يا أيها الأحبة- كالجمرة متى ما نفخت بها أضاءت واشتعلت؛ فأصبحت إضاءتها عظيمة عظيمة، وحين ينقص منسوب الإيمان يقع الإنسان في الفواحش والآثام، يغرق في الشهوات، ثم يقع بعد ذلك في الموبقات. هاهو شاب من شباب هذه الأمة، كان له صديق سوء، وجاءه في ليلة من الليالي في منتصف الليل وهو نائم ليطرق عليه الباب، طرق عليه الباب في تلك الساعة، وكان نائمًا لم يسمعه، فقامت أمه وفتحت له الباب، وقال: أريد فلانًا، قالت: إنه نائم لا أريد أن أوقظه الآن، قال: أريده لغرض ضروري، ألحَّ عليها فاستجابت حياءً منه، وذهبت وأخرجت هذا الشاب من فراشه، فخرج إلى هذا الرجل، فقال له قرين السوء: نريد الليلة أن ننتهك حرمة البيت الفلاني نريد أن نصعد لذاك البيت، ولنا منه الليلة صيدة –كما يقول-، فما كان من هذا –وقد نقص منسوب الإيمان عنده إن لم يكن قد انعدم- إلاَّ أن دخل وأخذ المسدس، وخرج من نصف الليل، وكان نائمًا، خرج مع قرين السوء يغدوان إلى المعصية لأنهما ما حملا الإيمان كما ينبغي أن يحمل، برجليهما يذهبان إلى الفاحشة، ذهبوا إلي بيت آمن وفي منتصف الليل ليأتي هذا الذي جاء وأيقظه ليصعد الجدار، وينتهك حرمة البيت بسقوطه في وسط البيت، ويبقى ذلك حارسًا بمسدسه خارج البيت، ويسمع صاحب البيت ويقوم، ويأخذ عصى غليظة، ويأتي وراء هذا الرجل يطارده، فيهرب منه ويأتي إلى هذا الحارس؛ صاحب المسدس؛ والذي كان نائمًا في نومته، فيضربه بالعصا ضربة آلمتْه، فما كان منه إلاّ أن أخذ المسدس، ثم قتل هذا الرجل، يا لله ما أعظمها من جريمة! في وسط الليل تنتهك حرمة بيت من بيوت المسلمين، وتقتل -أيضًا- صاحب البيت، ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ يأتي رجال الأمن ويقبضون على هذا الرجل، ويقول: إنني لست المجرم الحقيقي، إن المجرم الحقيقي هو فلان، جاءني واستخرجني من دار أمي، وهو الذي أغراني بهذا، فيأخذوه ويذهبون ليبحثون عن الثاني، وإذا بالثاني يذهب إلى جماعة نقص منسوب الإيمان عندها، فيأخذهم شهود زور، يشهدون أنه في تلك الليلة كان نائمًا معهم في القرية الفولانية، ويبقى هذا في السجن، كل ليلة جمعة ينتظر متي ينادي المنادي أن اخرج لتقتل، وأمه تتجرع الغصص، كل ذلك لأنه ما حمل الإيمان كما ينبغي فوقع. "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" ليس هذا فحسب، إليكم هذا الحدث الذي ذكره الشيخ [سلمان العودة] في كتابه جلسة على الرصيف وأنصح باقتناء هذا الكتيب ليبين لك أثر الإيمان في موت القلوب، أثر نقص الإيمان في موت القلوب، ذكر أن فتاة تبلغ العشرين عامًا جاءت إلى إحدى المستشفيات وهي حامل، فوضعت مولودًا في أحسن صحة وأتمِّ حال، لكنها كانت في قلق دائم شديد، وارتباك ظاهر، مسودة الوجه، كثيرة البكاء، بها من الهمِّ ما بها، وبها من الغمِّ ما بها، طلبوا منها بعد أيام من أيام الولادة أن تبعث لوليها ليخرجها من المستشفى، فارتبكت وبكت بكاءً مرًا مستمرًا حتى كاد يغمى عليها من شدة البكاء، فانفردوا بها في غرفة مستقلَّة وسألوها عن الأمر، ما الأمر؟ وما الخطب؟ وما الحدث؟ وبعد جهد جهيد قالت لهم بصوت متقطع وبقلب مليء بالحسرات والهموم والغموم قالت: إن والد هذا الطفل هو أبوها نفسه، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ما أفظع الأمر! وما أفجعه! والله لو قيل إن هذا وقع في الأمم السابقة لاستفظعناه ولاستبشعناه، ولقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لو كان في بلاد الكفر والعهر لاستعظمناه، فكيف إذا علمنا أنه في بيتٍ أهله ربما نطقوا بالشهادتين في كل يوم، وربما سمعوا آيات الله ثم انسلخت قلوبهم منها، فلم يعرفوا معروفًا، ولم ينكروا منكرًا؟! لا تستبعد مثل هذا أخي المسلم؛ فلربما كانت البداية بنظرة خائنة هيَّجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان ذلك بأغنية ماجنة هيَّجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان ذلك بمشاهدة تمثيلية فاجرة هيجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان بشربة خمر أفقدته عقله فوقع على ابنته. وهكذا فالمعاصي يجر بعضها بعضًا، والسقوط شيئًا فشيئًا
ورحلة النيل تبدأ بخطوة واحدة *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
والإيمان هو الزمام والفيصل. ومن آثاره على الحياة سعادة البيوت والأسر، بيت يدخله الإيمان بيت سعيد لا يُخْرج إلا السعداء بإذن رب الأرض والسماء؛ استعاض أهله عن الغناء بترتيل القرآن آناء الليل وأطراف النهار، واستغنوا عن المجلات الماجنة بتقليب المصحف وكتب السُّنة والكتب المفيدة، واستغنوا عن السجائر وما في حكمها من الخبائث بالسواك فطهروا أفواههم وأرضوا ربهم. سعادة وأي سعادة، نساء هذا البيت مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات متحجبات ممتثلات لأمر رب الأرض والسماوات، يخرج الزوج المؤمن من البيت المؤمن فتقول الزوجة: اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالا؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار. هذا بيت [الإمام أحمد] –عليه رحمة الله- يتربى على الإيمان، فاسمع إليه يوم يقول بعد أن توفيت زوجته [أم صالح] يقول: رافقتني أم صالح – يعني زوجته- ثلاثين عامًا، والله ما اختلفت معها في كلمة واحدة. إنه الإيمان يا أيها الأحبة، البيت المتربي على الإيمان ليس هذا فحسب، إن البيت المتربي على الإيمان يدرك الأطفال هذا الإيمان، فيدخل إلى قلوبهم السعادة ولو كانوا لم يحظوا من الدنيا بقليل ولا كثير. إن [الإمام أحمد] كان دخله في الشهر سبعة عشر درهمًا فيأتي أبناؤه ويقولون: يا أبتاه لا تكفينا، قال: أيام دون أيام، طعام دون طعام، وشراب دون شراب، ولباس دون لباس حتى نلقى الله الواحد الأحد. حذاؤه تبقى في رجله ثمانية عشر عامًا –كما ذكر ابنه عبد اله]- كلما انخزمت خطفها، وأعادها إلى رجله؛ لأنه ركل زخارف الدنيا وهو يعلم أن مناديل [سعد بن معاذ] في الجنة خير من هذا.
البيوت المؤمنة تُخْرج أشبال الإيمان، والأسر التي تربت على الإيمان تخرج أشبال الإيمان، وإليكم هذا المثل:
[عمر بن عبد العزيز] -عليه رحمة الله ورضوانه- في يوم العيد، وهو خليفة المسلمين يدخل رجال المسلمين ليهنئونه ويدعون له بقبول الصيام والقيام، ثم يذهب الرجال ويدخل الأطفال؛ أطفال الرعية فدخلوا في هيئة حسنة وجميلة، وبينهم طفل من أطفال عمر ثيابه خَلِقَة وثيابه بالية، وميزانية الأمَّة كلها تحت يديه، ومع ذلك ركل الدنيا تحت قدميه، وربَّى في أهله الإيمان، ففازوا بأعظم حُلة؛ إنها حلة الإيمان، يوم رأى ابنه في يوم العيد بين أطفال الرعية وهم في هيئة حسنة وهو في تلك الهيئة، طأطأ رأسه وبكى، فقال هذا الطفل الصغير، والذي تربى على الإيمان: أبتاه ما الذي طأطأ بك رأسك وأبكاك، قال: يا بني -والله- ما من شيء إلا أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم العيد بين أطفال الرَّعية، وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة، فردَّ ردَّ الرجال المؤمنين، قال: أبتاه إنما ينكسر قلب من عصى ربه ومولاه، وعقَّ أمه وأباه، أما أنا فلا والله. ما الذي علَّم هذا الطفل إلاّ الله الذي رزقه الإيمان من صغره فتربى على الإيمان، فكان منه ما كان
ومن آثاره -أعني الإيمان- على الفرد الولاء الخالص للمؤمنين، والعداء لأعداء الدين ولو كانوا آباءً وأبناءً أو إخوانًا أو عشيرة، ناهيك عن أن يكونوا من المغضوب عليهم والضالين والمجوس والذين أشركوا، وكلهم ضالون.
(لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
هاهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حققوا هذا الأثر، فظهر في تصرفاتهم، وظهر في كلماتهم ومقالاتهم. يقول [ابن عمر]: والله لو أنفقت أموالي كلها في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطر، وقمت الليل لا أنام، ثم لم أصبح وأنا أحب أهل الطاعة، وأبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ولا يبالي [وخبيب] -رضي الله عنه وأرضاه- يُقدَّم تضرب عنقه في ذات الله، فيقال له: أتحب أن محمدًا مكانك الآن، وأنك آمن في أهلك، فيقول -وقد والى الله-: والله ما أحب أن محمدًا يشاك بشوكة وأني آمن في أهلي.
وهكذا يفعل الإيمان. وإذا نقص منسوب الإيمان وإذا تدني منسوب الإيمان تدنى معه الشخص، تدنى إلى مرحلة البهيمية، فأصبح ولاء الإنسان تافهًا حقيرًا مهينًا. يذكر [ابن تيميه]- عليه رحمة الله- أن رجلا تعلق امرأة سوداء فأحبها حبًا جمًّا، فكان يقول يوم نقص منسوب الإيمان عنده:
عدو لمن عادت وسِلْم لأهلها *** ومن قرَّبت كان أحب وأقربَ
ليس هذا فحسب، بل قال مرة أخرى:
أحب لحبها السودان حتى *** أحب لحبها سود الكلاب.
صار الحب فيها، والبغض فيها، والولاء لها، والعداء لأعدائها، مع أن الأصل من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ولن ينال عبد طعم الإيمان وإن صلَّى وصام حتى يكون كذلك ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه يكسب العزة التي تجعل الإنسان يمشي نحو هدفه مرفوع القامة والهامة، لا يحني رأسه لمخلوق، ولا يطأطأ رقبته لجبروت أو طغيان أو مال أو جاه، فهو سيد في الكون هذا وعبد لله وحده.
لا غرو إذا رأينا مؤمنًا أعرابيًا مثل [ربعي بن عامر] حين باشرت قلبه بشاشة الإيمان، وأضاءت فكره آيات القرآن، يقف أمام [رستم] في سلطانه وإيوانه غير مكترث له ولا عابئ به حتى إذا سأله رستم من أنتم وما الذي جاء بكم؟ حقق في الإيوان وأجاب إجابة في عزة مؤمنة خلدها التاريخ فقال: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلي سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. عزة وأي عزة! إنها لا توجد إلاّ في ظلال الإيمان
أمَّة الصحراء يا شعب الخلود *** من سواكم حل أغلال الورى؟
أي داعي قبلكم في ذا الوجود *** صاح لا كسرى هنا لا قيصر؟
من سواكم في قديم أو حديث *** أطلع القرآن صبحًا للرشاد؟
هاتفًا في مسمع الكون العظيم *** ليس غير الله ربًا للعباد
فكِّروا في عصركم وانتبهوا *** طالما كنتم جَمَالا للعُصُر
وابعثوا الصحراء عزمًا وابعثوا *** مرة أخري بها روح عمر
هاهو أخر قد آمن بالله حقًا، فأكسبه ذلك الإيمان عزة، جعل يتكلم في [هشام بن عبد الملك] الخليفة كلامًا غليظًا جافيًا، فأمر هشام بإحضاره، فلما وقف بين يديه جعل يتكلم، فقال هشام له: وتتكلم أيضًا في مجلسي؟! فقال: يقول الله –جل وعلا-: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا) أفنجادل الله جدالا، ولا نكلمك يا هشام؟! فما كان من هشام إلا أن قال: قل ما شئت، ثم انصرف راشدًا، فقال ما شاء وانصرف راشدًا بعزة المؤمن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) إنها العزّة، أثر إيماني يظهر صاحبه الحق، لا يخشى دون الله أحدًا، ليس هذا فحسب. هاكم مثلا آخر، ذلكم الشيخ [سعيد الحلبي] عالم الشام في عصره، كان في درس من دروسه مادًا رجله في مسجد من مساجد الشام، فدخل [إبراهيم] باشا ابن [محمد على] باشا والي مصر آنذاك، فقام الناس كلهم إلاّ هذا الشيخ، بقي مادًّا رجله في حلقته يلقي قال الله، وقال رسوله- صلى الله عليه وسلم- فتأثر ذلك الطاغية، وأثَّر ذلك في نفسه إذ لم يقم له هذا الشيخ، فقال في نفسه هذا: لأتينه من باب لطالما أوتي طلبة العلم من هذا الباب. فذهب وأضمر له ما أضمر، وأحضر ألف ليرة ذهبية –في وقت الشيخ قد لا يجد ليرة واحدة-، وقال لأحد جنوده: اذهب إلي الشيخ وأعطه هذه، فأخذ هذا الجندي ذلك المبلغ، وذهب به إلى الشيخ ولا زال مادًّا رجله في حلقته يدرس قال الله، وقال رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ويكتسب العزة من خلال قال الله وقال رسوله، جاء إليه وقال: إن إبراهيم باشا يقول: خذ هذه الألف الليرة الذهبية، فما كان منه إلا أن نظر إليه بعزة المؤمن، وتبسم تبسم المغضب، وقال: ردها له، وقل له: إن الذي يمد رجله لا يمد يده، إن الذي يمد رجليه لا يمد يديه، أنا أقول ربما يكون الشيخ في تلك اللحظة لا يملك ليرة ذهبية واحدة، لكن كنز الإيمان أعظم وأغلى من أن يباع بألف ليرة أو بليرة أو بأقل أو بأكثر، وهكذا يكون المؤمنون. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) وإن نسيت أيها الأحبة فلا أنسى [سيدًا] -رحمه الله وتجاوز عني وعنه-، الذي اعتزَّ بإيمانه، فصدع بكلمة الحق بلا استحياء ولا خجل، فحكم عليه بالقتل، وطلبوا منه أن يقدم استرحامًا حتى يخفف عنه الحكم، ولكنه أبى -رحمه الله- وقال قولته الشهيرة: إن كنت حوكمت بحق فأنا أرضى بالحق، وإن كنت حوكمت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبعي السبابة التي تشهد لله بالوحدانية مرات في اليوم لترفض أن تكتب كلمة واحدة تقر بها حكم طاغية. ماذا كان سيفعل سيد لولا الإيمان؟ يا للعزة! ويا للثبات!. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) ومن آثار الإيمان: سعة الرزق لأهل الإيمان والبركة فيه. المؤمن –أيها الأحبة- لا يذهب منه ريال في شراء ما يغضب الله –جلا وعلا- لا يذهب منه ريال في شراء دخان، وما في حكم الدخان من الخبائث، لا يذهب منه ريال في شراء فيلم مفسد أو مجلة أو جريدة مفسدة؛ لأنه يعلم أنه مسؤول أمام الله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فيصون رزقه عن الربا وعن الغش وعن الحِيَل، وعن المكر والخداع، ويجند رزقه فيما يرضي الله –جل وعلا- فيرزقه الله ويبارك الله له. (وَمَن يَتَّقِِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ )
ومن آثار الإيمان: صدق التوكل على الله، وتفويض الأمور إلى الله -جل وعلا- والاعتماد عليه في السعي في هذه الحياة، واستمداد العون منه في الشدة والرخاء؛ فالمؤمنون يجدون في توكلهم على الله راحة نفسية، وطمأنينة قلبية، إن أصابهم خير حمدوا الله –جل وعلا- وشكروه، وإن أصابتهم شدة صبروا وشكروا، ولسان حالهم ومقالهم: (قُل لَّن يُّصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا)
هاهو [خالد بن الوليد] المؤمن الحق بإذن الله يُقَدَّم له في يوم من الأيام سم، يُقَدَّم له سم من قِبَل طاغية من الطغاة، ويقول له هذا الكافر: إن كنتم صادقين في التوكل على الله -جل وعلا- واللجوء إليه، والثقة به، فاشرب هذه القارورة من السم، فما كان من خالد -رضي الله عنه- إلا أن أخذها وقال: بسم الله، توكلت على الله، ثقة بالله -سبحانه وتعالى- ثم شربه، فلم يصبه إلا العافية. (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون
ومن آثار الإيمان انشراح الصدر، وطمأنينة القلب (أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ من رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ) المؤمن منشرح الصدر، مطمئن القلب، قد آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- فذاق حلاوة الإيمان، فانشرح صدره.
الثلج الاسود- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : يمني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 27054
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
شمس- مراقبة عامة
- جنسية العضو : بحرينية
الأوسمة :
عدد المساهمات : 920
تاريخ التسجيل : 01/08/2013
مواضيع مماثلة
» الايمان والحياه *1
» حقوق الطفب في الرحمه والحنان والحياه الكريمه
» الايمان والحياة *3
» الايمان والاسلام
» الايمان فطرة
» حقوق الطفب في الرحمه والحنان والحياه الكريمه
» الايمان والحياة *3
» الايمان والاسلام
» الايمان فطرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر
» عملية الحقن المجهرى
الأربعاء أكتوبر 30, 2024 12:08 am من طرف جنى بودى
» شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 24, 2024 2:23 pm من طرف سها ياسر
» Real Estate in hurghada
الأربعاء أكتوبر 16, 2024 9:12 pm من طرف جنى بودى
» افضل دكتور حقن مجهري في مصر
الأحد أكتوبر 13, 2024 8:48 pm من طرف جنى بودى
» افضل دكتور نساء و توليد في مصر
السبت أكتوبر 12, 2024 12:01 am من طرف جنى بودى
» حلويات دزرت الطبيعية لتخلص من التدخين
الأحد أكتوبر 06, 2024 6:35 pm من طرف مدام ششريهان
» الحرائق الكهربائية المنزلية في السعودية: أسبابها وأهم طرق الوقاية منها
الخميس أكتوبر 03, 2024 11:19 pm من طرف جنى بودى
» الحرائق الكهربائية المنزلية في السعودية: أسبابها وأهم طرق الوقاية منها
الخميس أكتوبر 03, 2024 11:17 pm من طرف جنى بودى