البيان والتبين و..علم الكلام واثره في البلاغة ..

البيان والتبين .. واثره في البلاغة وعلم الكلام ..

البيان والتبين واثره البلاغة وعلم البيان والتبين واثره البلاغة وعلم

.. مما يروى عن السفسطائيين اليونانيين القدامى .. ان لهم الحضوة في توسيع معالم لغتهم وتحديد مضامينها على ايدي حكمائهم .. ولكن العرب يعتبرون اصحاب المكانة العبقرية والفذة في ارساء قواعد العلوم البلاغية والكلامية وما يتصل بهما من مداخل ومدارك ..!

ويمكن ان نعتبر الشعر الجاهلي وثيقة مهمة ، تكشف لنا عن مصادر وثيقة من الوان التشبيه والمجاز والبحث البلاغي .. ومن خلال مناظراته التي ادت الى تثبيت ووضع الاسس العلمية للبلاغة وما يتصل بها من مقاييس عبر مخاضها الواسع .

ان مرحلة مجيء الاسلام .. تعتبر مرحلة توطيد تلائم الحياة اللغوية المتحضرة وبصورتها الاوسع .. اذ شجع العرب على التنظير والاستدراك ومن خلال مل جلء به القرأن الكريم من اعجاز وبيان ، حيث اكتملت انذاك البراعة في استنباط الاستلال وكل ما يلزم في علم البلاغة والكلام وما يتصل بهما .

وفي ضوء المراحل التي دخلت فيها البلاغة وعلم الكلام فصولا من التواصل الفكري والبحث العلمي .. ظهر متتبعون كان لهم الاثر البالغ في تقويم البلاغة ، فظهر ( واصل بن عطاء) 80 -
131
وهو خطيب معروف بجدله والتصرف في فنون القول ومن مؤلفاته معاني القران والخطب فب التوحيد ، وعبد الحميد الكاتب ( 123) هج وهو صاحب السهولة في البلاغة والبيان ، وابن المقفع (142) هج الذي اشتهر في عصره بتفسير البلاغة وما قيل عنها وفيها وعمر ابن عبيد (144) هج وجعفر بن يحي (187)
هج الذي عرف بوضوح الدلالة والبعد عن التكلف والتعقيد والمطابقة لمقتضى الحال ، وشبيب بن شبيبة ( 170) هج
والذي اشتهر كذلك بأرائه المختلفة في البلاغة واقوال الخطباء .

وسهل بن هارون ( 173) هج وهو صاحب خزانة الحكمة للمأمون ومما يروى عنه انه كان حكيما فصيحا وشاعرا ، وابو عبيجة ( 208) هج وله كتاب في مجاز القرأن ، وبشر بن المعتمر ( 210) هج وهو من اصحاب الرأي وله اقوال في البلاغة حيث عرف بالشعر التعليمي ، وكلثوم العتابي ( 220) هج وهو شاعر ومصنف ومن كتبه المنطق وكتاب الاداب وكتاب الالفاظ .

وغيرهم ممن كان لهم العطاء الوافر .
فظهر ابو عثمان عمر بن بحر الجاحظ ، فكان لظهوره الاثر البالغ في مرحلة تعتبر من اهم المراحل التي مرت بها البلاغة وما توصل اليه علم الكلام . فوضع كتاب ( المجاسن والاضداد)
.. ويحتوي على مسائل جدلية حول محاسن الشيء ومساوئه .

وكتاب (الحيوان) والذي يتألف من مناظرات بين اصحاب الحيوانات ، ورسالته المشهورة ب( التربيع والتدوير) وهي عبارة عن مداعبة هجائية ساخرة خص بها الوزير احمد بن عبد الوهاب حتى جاء اخيرا كتابه ( البيان والتبين) والذي تعتبره العربية كنزا من كنوزها المتميزة ومصدرا قيما من مصادرها .

لقد قدم الجاحظ في كتابه ( البيان والتبين) التعريف بالبيان والبلاغة والخطابة واستقصى فيه كل ما يحيط بفن الكلام واستبعاد خوارجه .. ففيه وضع وضع الاسس التطبيقية للبلاغة من نطق وارتفاع في الصوت وانخفاضه والمظهر الخاص بالخطيب والشاعر ثم سجل فيه كل ما يتعلق يالايجاز والتكرار والاطناب والاشارة والتلميح والشواهد والامثال .

لقد اعتبر كتاب البيان والتبيين الحجة التي لايمكن ان تداهم .. فقد تحدث احد افذاذ معاصريه وهوابو هلال العسكري صاحب (الصناعتين) بقوله Sad

ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل ومكانته من الشرف والنبل ، ووجدت الحاجة اله ماسة والكتب المصنفة فيه قليلة ، وكان اكبرها واشهرها كتاب البيان والتبين لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وهو لعمري كثير الفوائد ، جم المنافع ..

ويعرف الجاحظ كتابه القيم هذا بقوله Sad

انه اسم جامع لكل شيء كشف قناع المعنى وهناك الحجب دون الضمير ، حتى يفضي السامع الى حقيقته ويهم بما فيه .

ويدخل الجاحظ كتابه باديء ذي بدء بالبلاغة فيعرفها وبقف على اهم المسائل التي تتصل بها ومن خلال تواردها على اسن الخطباء وابنائهم .
حيث يعرف البلاغة عدة تعريفات بعضها ما ينسب الى العرب وبعضها ما يتسب الى غبرهم ، قيرد عما سئل به معاوية بن ابي سفيان لصحار العبدي .. وهو رجل علم ومعرفة قال له Sad

ماتعدون البلاغة فيكم )؟
قال Sad

الايجاز . قال له معاوية Sad

وما الايجاز ؟)
قال Sad

ان تجيب فلا تبطيء وان تقول فلا تخطيء ) !
ويرد الجاحظ ما قاله المفضل الضبي : قلت لاعرابي مالبلاغة ..؟
قال Sad

الايجاز بغير عجز والاطناب في غير خطل .. وقيل لاحدهم: ما الاعجاز عندك : قال Sad

حذف الفضول وتقريب البعيد )!

ويروي الجاحظ ما قاله كلثوم بن عمر العتابي في البلاغة "كل من افهمك حاجتك من غير اعادة ولاحبسة ولااستعانة فهو بليغ . فاذا اردت اللسان الذي يفوق الالسنة ويفوق كل خطيب في اضهار ما غمض من الحق ".
اما الجاحض فقد اختار تعريفا للبلاغة بقولهِ " وقال بعضهم وهو من احسن ما اجتبيناه ودوناه : لايكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظة معناه ، فلا يكون لفظه الى سمعك اسبق من معناه الى قلبك ".
ويستوقفنا الجاحظ في كتاب البيان والتبيين ازاء كل ما يتعلق بالمسائل البلاغية ، فيجمع ما يقال عن الفصاحة الكلمة والكلام ، وكذلك يرد ما يتصف به من مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، ويعطي الارشادات البلاغية المتنوعة في ضوء الاستدلال النحوي وانتقاء الالفاض والاقتدار في القول وتجنب العيوب .
ويتحدث الجاحظ عن النظم في الشعر ، وعلى غرار البيان والانشاء ، وجعل له صنفا من القصيد وفق ببحوره المتداولة آنذاك .

كذلك ما اورد ما يتفق بتعريف البيان .. ففي جملة تعريفه للبيان بانه Sad

الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي ، وان البيان بهذا المعنى هو الذي دعا اليه الله ونطق به القرأن وبذلك تفاخرت العرب) .

ويدخل الجاحظ بما يخص التشبيه فيرد لنا ما قاله الشعراء المتقدمون والمتأخرون من عصره فاورد الكثير من اشعارهم وقام بتحليلها وتشخيص مفاتن صورها ثم اضاف في المجاز مسائل استعرض فيها كل ماقيل فيه سيما ما اورده القرأن الكريم من مجاز عبر أياته الكثيرة .

كذلك فصل الجاحظ معنى الاستعارة في الكلام تفصيلا دقيقا واسعا وكذلك المثل والكتابة التي افرد لها حديثا طويلا وكذلك الايجاز والبديع والسجع والاقتباس .

لقد كان كتاب البيان والتبين مصدرا مهما من مصادر البلاغة وعلم الكلام اذ يعتبر الجاحظ واحدا من عباقرة العرب الذين اسسوا علم البلاغة العربية ذلك لما جمع في كتابه هذا كل ما يتصل بعلم الكلام ولشرح مقاصده والاضافة عليه .

ولقد تأثر بهذا الكتاب ابرز معاصريه وعلقوا عليه في مؤلفاتهم فكتاب ادب الكاتب لابن قتيبة وادب الكاتب للصولي وكتاب الكتاب لبن دستورويه وكتاب الصناعتين لابن هلال العسكري وكتاب العمدة لابن رشيق وسر الفصاحة لابن سنان ن كل هؤلاء افردوا وافردت كتبهم هذه بالفخر والشرح والتأثر بكتاب البيان والتبين .. اذ يعتبر حجة لا تقبل المعارضة وعلى مر العصور المختلفة ، ذلك لما استعرض فيه من قيم بلاغية وما يتفرع من هذه القيم من علوم اخرى تدخل ضمن علم الكلام ..!