المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 319 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 319 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
حديث:إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك.
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
حديث:إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك.
حديث:إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:-
حديث: [size=48](( إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك ))[/size]
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهَ: «إِنَّ اللّهِ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «يَمِينُ اللّهِ مَلآى، لاَ يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ»، قَالَ: «وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ»، وفي رواية للبخاري: «يَدُ اللّهِ مَلآى....».
شرح ألفاظ الحديث:
((إِنَّ اللّهِ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)): وفي رواية مسلم: "قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم أنفق أنفق عليك"، وليس فيها ولا في رواية البخاري: (إن الله قال لي)، فيحمل تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الرواية لكونه رأس الناس، ليعمل بهذا الخطاب ويبلغ أمته.
((أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)): (أنفق) الأولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق, و(أنفق) الثانية بضم أوله, وسكون القاف بصيغة المضارع جوابًا للأولى، وهذا وعد من الله بأن يخلف على عبده ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ 39].
(( يَمِينُ اللّهِ )): وفي رواية البخاري (يد الله) وفي الحديث (وبيده الأخرى القبض)، واليدان صفة ذاتية خبرية لله عز وجل، أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة كما يثبتون باقي صفاته الواردة في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وسيأتي في الفوائد الحديث عن هذه الصفة.
(( يَمِينُ اللّهِ مَلآى )): (ملآى) بفتح الميم وسكون اللام ثم همزة مع القصر، وفي هذا اللفظ بيان أن الله سبحانه غني وعنده من الرزق مالا نهاية له.
(( لاَ يَغِيضُهَا )): وفي رواية مسلم الأخرى: (لا يغيضها شيء)، وفي رواية للبخاري: (لا يغيضها نفقة)، وهي بفتح الياء الأولى وإسكان الثانية وكسر الغين؛ أي لا ينقصها نفقة: ويقال: غاض الماء يغيض: إذا نقص.
((سَحَّاءُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)): (سحاء) ضبطت في الروايات بوجهين بالنصب (سحاءَ) على أنها مصدر وبالرفع (سحاءُ) على أنها صفة لليمين في قوله (يمينُ الله)، والصفة تتبع الموصوف في الإعراب، ويجوز أن تكون سحاءَ، وخبر لـ (يمين) كما أن ملأى خبر لـ (يمين) أيضًا والنصب أشهر، ومعنى سحاء؛ أي كثيرة ودائمة الصب.
(( اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ )) ضُبطت بوجهين أيضًا بالنصب (الليلَ والنهارَ) على الظرفية، وبالرفع (الليلُ والنهارُ) على أنه فاعل.
(( فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ )): أي لم ينقص ما في يمينه.
(( وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )): مثله قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7]؛ أي: إن عرش الله جل وعلا كان قبل خلق السماوات والأرض، وكذلك الماء قبل خلق السماوات والأرض، وكان العرش تحته الماء؛ إذ ليس تحته سماء ولا أرض؛ لأنهما لم تخلقا، ويدل على ذلك ما رواه البخاري (7418) من حديث عمران بن حصين قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((كان الله ولم يكن شيءٌ قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء))، والعرش في اللغة: هو سرير الملك، وفي الشرع هو العرش العظيم الذي استوى عليه الرحمن جل وعلا وهو أعلى المخلوقات وأكبرها وأولها إيجادًا.
(( وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ )): والقبض هو الموت، وجاء في رواية أخرى (الفيض)؛ أي العطاء والإحسان والرزق الواسع، وجاء في رواية للبخاري (7411): "وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع"، (يرفع ويخفض)؛ أي يعلي ويضع، ويُعز ويُذلُّ، ويفعل ما يريد من الشيء ونقيضه؛ [انظر المفهم 3/ 39].
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: في الحديث الحث على النفقة؛ لقول الله عز وجل: (أَنْفِق)،وفيه تبشير هذا المنفق ووعده بأن يُخلف الله عليه بقوله: (أنُفِق عليك)، وفي كتابه قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ 39 ].
الفائدة الثانية: في الحديث دلالة على أن الإنسان ينبغي له أن يستشعر صفات الله عز وجل، أتم الاستشعار، وما تتضمنه تلك الصفات من معان عظيمة، ووجه ذلك أن الله عز وجل بشَّر من أنفق في وجوه الخير بأن ينفق عليه، ثم بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما عند الله من العطاء العظيم الوافر فوصفه بما يلي:
أ- (يَمِينُ اللّهِ مَلآى)، وهذا يبيِّن أن ما عند الله من الرزق والعطاء مالا نهاية له.
ب- (لاَ يَغِيضُهَا)، وهذا يبِّين هذا العطاء لا يُنقصه شيء ليدفع بهذا الوصف توهم نقصان هذا العطاء العظيم.
ج- (سَحَّاءُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) من السح وهو كثرة الصب ودوامه، وقرن هذا الوصف بما يدل على استمراره، فقال: (الليل والنهار)، ليقطع بذلك توهم انقطاع هذا العطاء منه سبحانه.
د- ثم بيَّن أن هذا الأمر لا يخفى على ذي بصر وبصيرة ومن له تأمل، فقال: ((أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ))، ومن تأمل هذا كله عرف ما عند الله من الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود وبسط العطاء، فسارع للإنفاق في سبيله لاستشعاره ما عند الله من العطاء، ومن زاد تأمله بألفاظ الحديث أدرك في العطاء أسرارًا وأسرارًا لم تُعط حقها في شرح مفردات الحديث، فلله الكمال المطلق في ذلك الذي لا يلحقه نقص نسأله سبحانه من فضله الواسع هذا ما جاء في حديث الباب، وأما فضل النفقة وما يترتب عليها من ثواب في الدنيا والآخرة، ففيه أحاديث كثيرة مستفيضة ستأتي لاحقًا بإذن الله تعالى.
الفائدة الثالثة: في الحديث دلالة على إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى، وهي صفة ذاتية خبرية نثبتها كما أثبتها الله عز وجل لنفسه في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: 64 ]، وقوله تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ ﴾ [ ص: 75]، وآيات أخرى.
ومن السنة: حديث الباب حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يَمِينُ اللّهِ مَلأى"، وفي لفظ البخاري: "يد الله ملأى"، وفي الحديث: "وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض".
وأيضًا حديث ابن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين...."؛ رواه مسلم، وأحاديث أخرى.
وأيضًا أجمع السلف في إثبات اليدين لله حقيقة، فيجب إثباتهما من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ [انظر هذا الإجماع في شرح لمعة الاعتقاد للشيخ ابن عثيمين ص 49].
قال الإمام ابن خزيمة - رحمه الله -: "نحن نقول الله - جل وعلا - له يدان، كما أعلمنا الباري في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيِّه المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ [انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 83].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا، متنوعًا متصرفًا فيه، مقرونًا بما يدل على أنها يد حقيقية، [انظر مختصر الصواعق ص 348].
خالف أهل السنة والجماعة في إثبات صفة اليدين لله تعالى حقيقة من المعتزلة وكثير من الأشعرية والماتريدية.
[الماتريدية: فرقة كلامية نشأت بسمرقند في القرن الرابع الهجري، تنسب إلى أبي منصور الماتريدي يتأولون الأدلة النقلية بما يوافق الأدلة العقلية؛ (انظر مزيدًا في تعريفهم وعقائدهم الماتريدية، وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات رسالة ماجستير لشمس الأفغاني السلفي، ومنهج الماتريدية في العقيدة للدكتور محمد عبدالرحمن الخميس، والإيمان في مجموع فتاوى شيخ الإسلام 7/ 4ـ 421، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/ 99 ].
الذين قالوا: إن اليد بمعنى القدرة، وأحيانًا يفسرونها بمعني النعمة، محتجين بأن اليد في لغة العرب يراد بها القدرة وأيضًا النعمة، وقولهم هذا مخالف لمنهج السلف الصالح؛ لأنه يعتبر تأويلًا لم يدل عليه دليل، والرد عليهم يتلخص فيما يلي:
أولًا: أن قولهم بأن اليد المراد بها النعمة أو القدرة خلاف لظاهر النصوص.
ثانيا: أن تأويلهم لليد بالنعمة أو القدرة مخالف لسلف الأمة وقد تواترت أقوالهم رحمهم الله بأن يثبتوا لله يدين حقيقة، وتقدم كلام ابن القيم قريبًا في ورود ذلك عن الصحابة والتابعين في مواضع كثيرة.
ثالثًا: أن تأويلهم اليد بالنعمة أو القدرة ليس عليه دليلٌ صحيح، والأصل أن تثبت حقيقة، وأن المؤمن عليه التسليم، ومن جاء بتأويل الصفة من صفات الله تعالى، فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال سفيان بن عيينة: "كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه، فتفسيره قراءته والسكوت عليه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله".
وقال الزهري: "على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم".
وقال بعض السلف رحمهم الله: "قَدَمُ الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم"؛ [انظر شرح السنة للبغوي (1/ 168- 171) وانظر شرح العقيدة الطحوية لابن أبي العز (ص216- 219)].
رابعًا: أن في سياق بعض الآيات ما يمنع تفسير اليد بالقدرة أو النعمة منعًا قاطعًا؛ كقوله تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75].
ووجه ذلك: أن الآية جاءت بتثنية اليد، والتثنية فيها دلالة ظاهرة على أن المراد بها أن لله يدين حقيقية كما يليق بجلاله؛ لأن التثنية لا يراد بها إلا عين المعدود فقط، بخلاف الجمع فقد يراد به التعظيم، وبخلاف الإفراد فقد يراد به الجنس، مع أن في الجمع والإفراد دلالة على إثبات هذه الصفة لمن سَلِم قلبه وسلَّم عقله بما دلَّ عليه الدليل، ولكن لَمَّا كان الخصم معاندًا احتجنا معه إلى حجة دامغة تزيل عن عقله ركوب هوى التأويل، وذلك أن التثنية لا يمكن أن تدل إلا على عين المعدود، فهي تدل على أن المعدود اثنان، وحينئذ لا يمكن أن نقول أن المراد بالتثنية النعمة في قوله تعالى: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾، لأن هذا يخالف نعمة الله الكثيرة التي لا حصر لها ولا إحصاء؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
وكذا لا يمكن أن نقول أن المراد بالتثنية القدرة للإيراد السابق، وهو أن قدرة الله عز وجل عظيمة لا يلحقها نقص كما يليق بجلاله وتثنيتها إنقاص لها، ووجه آخر وهو أن الله عز وجل عاتب إبليس منكرًا عليه، فقال تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، ولو كان معنى اليد هنا القدرة لأجاب إبليس بقوله: وأنا خلقتني يا رب بقدرتك، وبهذا الرد عليهم ما يظهر الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.
وأيضًا يقال هذا الرد في قوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾[ المائدة: 64]، فإن سياقها يمنع تفسير اليد بالقدرة أو النعمة، وكذلك حديث الباب وفيه: " يد الله ملأى...."، وفي آخره: "وبيده الأخرى القبض"، فسياقه ظاهر في أنهما يدان حقيقة.
خامسًا: أن المتتبع لبعض النصوص الواردة في إثبات صفة اليدين لله تعالى، يجد أنها قُرنت بما يدل على أنها حقيقية، فَقُرن بها القبض والطي؛ كما في قول تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[الزمر: 67]، وقُرن بها البسط، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل))؛ رواه مسلم من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - وقُرن بها الإمساك والهز وغيرها، فاقتران الطي والقبض والبسط والإمساك باليد وغيرها مما جاءت به النصوص، يبِّين أن تأويلها بالقدرة والنعمة تحريف باطلٌ وقول زاهق.
قال ابن القيم: "ورد لفظ اليد في القرآن والسُّنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوعًا، متصرفًا فيه، مقرونًا بما يدل على أنها يدٌ حقيقية، من الإمساك، والطي والقبض والبسط، والمصافحة، والحثيات والنضح باليد، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده..."؛ [انظر مختصر الصواعق ص 348].
هذا ما تيسَّر إيراده من ردود على من تأول صفة اليدين لله جل وعلا بالنعمة والقدرة، ولأهل العلم ردود أخرى هذه أشهرها، وبعد بيان معتقد السلف من أهل السنة في إثبات اليدين لله جل وعلا حقيقة تليق بجلاله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، جرى بين أهل السنة والجماعة خلاف في يديِّ الله جل وعلا هل كلتيهما يمين أو أن أحدهما يمين والأخرى شمال، وسيأتينا هذا الخلاف في بابه بإذن الله تعالى؛ [سيأتينا الحديث عن هذه المسألة عند شرح حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - مرفوعًا: " إن المقسطين، عند الله، على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، وهو حديث انفرد به مسلم (1827) دون البخاري، سيأتـينا بإذن الله في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم].
الفائدة الرابعة: في الحديث إثبات العرش لله تعالى؛ حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث الباب ((وكان عرشه على الماء))، وفي السنة أحاديث كثيرة، بل لشيخ الإسلام رسالة اسمها (الرسالة العرشية)، ذكر فيها أحاديث في إثبات عرش الرحمن كثيرة، وذكر فيها بعض الأحاديث الضعيفة، ونبَّه عليها، وفي القرآن آيات في إثبات العرش؛ منها قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7 ]، ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17]، والآيات كثيرة، وأما الإجماع فقد نقله غير واحد من أهل العلم، حينما نقلوا الإجماع في استواء الله على عرشه استواءً يليق بجلاله.
قال الإمام الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"؛ [انظر فتح الباري 13/ 417].
وقال الإمام ابن بطة العبكري شيخ الحنابلة: "أجمع الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه، ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين، فمرقوا من الدين، وقالوا: إن الله ذاته لا تخلو منه مكان"؛ [انظر ا:لإبانة 3/ 136].
ومن شعر عبدالله بن رواحة - رضي الله عنه -:
شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد
ملائكة الإله مسوِّمينا
والعرش هو أعظم المخلوقات:
قال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنين: 116]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]، وقال تعالى:﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾ [البروج: 15].
قال القرطبي رحمه الله: "خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه"؛ [انظر تفسير القرطبي 8/ 302، 303].
وقال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾؛ أي: هو مالك كل شيء وخالقه؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش، مقهورون بقدرة الله تعالى"؛ [انظر تفسير ابن كثير 2/ 405].
والعرش فوق الكرسي الذي هو فوق السماوات؛ [انظر الصواعق المرسلة لابن القيم 4/ 1308].
وصف الله عز وجل العرش َ بأنه عظيم ومجيد وكريم:
تقدمت الآيتان الدالتان على وصفه بأنه عظيم ومجيد، وأما وصفه بأنه كريم، فقد قال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنين: 116].
وللعرش حملة من الملائكة يحملونه:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر:7].
وهؤلاء الحملة على خِلقة عظيمة، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - عن -صلى الله عليه وسلم-قال: ((أذن لي أن أُحدِّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام))؛ رواه أبو داود (4727)، وقال ابن حجر: "إسناده على شرط الصحيح"، [انظر فتح الباري 8/ 665].
والعرش يختلف عن المُلك ويختلف عن الكرسي:
قال ابن أبي العز الحنفي - رحمه الله -: "وأما من حرَّف كلام الله وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع بقوله تعالى: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17]، وقوله ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7]، أيقول: ويحمل ملكه يومئذٍ ثمانية، وكان ملكه على الماء ويكون موسى عليه السلام آخذ بقائمة من قوائم الملك؟ هل يقول هذا عاقل يدرك ما يقول.
وأما الكرسي فقال تعالى: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]، وقد قيل: هو العرش، والصحيح: أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره رواه ابن أبي شيبة في كتاب "صفة العرش" والحاكم في "مستدركه"، وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: "وسع كرسيه السماوات والأرض"، أنه قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى: وقد روي مرفوعًا، والصواب أنه موقوف على ابن عباس"؛ [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص (312، 313)].
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله-: "والصواب أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه"؛ [انظر القول المفيد شرح كتاب التوحيد (3/ 393،394)].
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:-
حديث: [size=48](( إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك ))[/size]
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهَ: «إِنَّ اللّهِ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «يَمِينُ اللّهِ مَلآى، لاَ يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ»، قَالَ: «وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ»، وفي رواية للبخاري: «يَدُ اللّهِ مَلآى....».
شرح ألفاظ الحديث:
((إِنَّ اللّهِ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)): وفي رواية مسلم: "قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم أنفق أنفق عليك"، وليس فيها ولا في رواية البخاري: (إن الله قال لي)، فيحمل تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الرواية لكونه رأس الناس، ليعمل بهذا الخطاب ويبلغ أمته.
((أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)): (أنفق) الأولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق, و(أنفق) الثانية بضم أوله, وسكون القاف بصيغة المضارع جوابًا للأولى، وهذا وعد من الله بأن يخلف على عبده ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ 39].
(( يَمِينُ اللّهِ )): وفي رواية البخاري (يد الله) وفي الحديث (وبيده الأخرى القبض)، واليدان صفة ذاتية خبرية لله عز وجل، أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة كما يثبتون باقي صفاته الواردة في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وسيأتي في الفوائد الحديث عن هذه الصفة.
(( يَمِينُ اللّهِ مَلآى )): (ملآى) بفتح الميم وسكون اللام ثم همزة مع القصر، وفي هذا اللفظ بيان أن الله سبحانه غني وعنده من الرزق مالا نهاية له.
(( لاَ يَغِيضُهَا )): وفي رواية مسلم الأخرى: (لا يغيضها شيء)، وفي رواية للبخاري: (لا يغيضها نفقة)، وهي بفتح الياء الأولى وإسكان الثانية وكسر الغين؛ أي لا ينقصها نفقة: ويقال: غاض الماء يغيض: إذا نقص.
((سَحَّاءُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)): (سحاء) ضبطت في الروايات بوجهين بالنصب (سحاءَ) على أنها مصدر وبالرفع (سحاءُ) على أنها صفة لليمين في قوله (يمينُ الله)، والصفة تتبع الموصوف في الإعراب، ويجوز أن تكون سحاءَ، وخبر لـ (يمين) كما أن ملأى خبر لـ (يمين) أيضًا والنصب أشهر، ومعنى سحاء؛ أي كثيرة ودائمة الصب.
(( اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ )) ضُبطت بوجهين أيضًا بالنصب (الليلَ والنهارَ) على الظرفية، وبالرفع (الليلُ والنهارُ) على أنه فاعل.
(( فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ )): أي لم ينقص ما في يمينه.
(( وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )): مثله قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7]؛ أي: إن عرش الله جل وعلا كان قبل خلق السماوات والأرض، وكذلك الماء قبل خلق السماوات والأرض، وكان العرش تحته الماء؛ إذ ليس تحته سماء ولا أرض؛ لأنهما لم تخلقا، ويدل على ذلك ما رواه البخاري (7418) من حديث عمران بن حصين قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((كان الله ولم يكن شيءٌ قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء))، والعرش في اللغة: هو سرير الملك، وفي الشرع هو العرش العظيم الذي استوى عليه الرحمن جل وعلا وهو أعلى المخلوقات وأكبرها وأولها إيجادًا.
(( وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ )): والقبض هو الموت، وجاء في رواية أخرى (الفيض)؛ أي العطاء والإحسان والرزق الواسع، وجاء في رواية للبخاري (7411): "وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع"، (يرفع ويخفض)؛ أي يعلي ويضع، ويُعز ويُذلُّ، ويفعل ما يريد من الشيء ونقيضه؛ [انظر المفهم 3/ 39].
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: في الحديث الحث على النفقة؛ لقول الله عز وجل: (أَنْفِق)،وفيه تبشير هذا المنفق ووعده بأن يُخلف الله عليه بقوله: (أنُفِق عليك)، وفي كتابه قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ 39 ].
الفائدة الثانية: في الحديث دلالة على أن الإنسان ينبغي له أن يستشعر صفات الله عز وجل، أتم الاستشعار، وما تتضمنه تلك الصفات من معان عظيمة، ووجه ذلك أن الله عز وجل بشَّر من أنفق في وجوه الخير بأن ينفق عليه، ثم بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما عند الله من العطاء العظيم الوافر فوصفه بما يلي:
أ- (يَمِينُ اللّهِ مَلآى)، وهذا يبيِّن أن ما عند الله من الرزق والعطاء مالا نهاية له.
ب- (لاَ يَغِيضُهَا)، وهذا يبِّين هذا العطاء لا يُنقصه شيء ليدفع بهذا الوصف توهم نقصان هذا العطاء العظيم.
ج- (سَحَّاءُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) من السح وهو كثرة الصب ودوامه، وقرن هذا الوصف بما يدل على استمراره، فقال: (الليل والنهار)، ليقطع بذلك توهم انقطاع هذا العطاء منه سبحانه.
د- ثم بيَّن أن هذا الأمر لا يخفى على ذي بصر وبصيرة ومن له تأمل، فقال: ((أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ))، ومن تأمل هذا كله عرف ما عند الله من الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود وبسط العطاء، فسارع للإنفاق في سبيله لاستشعاره ما عند الله من العطاء، ومن زاد تأمله بألفاظ الحديث أدرك في العطاء أسرارًا وأسرارًا لم تُعط حقها في شرح مفردات الحديث، فلله الكمال المطلق في ذلك الذي لا يلحقه نقص نسأله سبحانه من فضله الواسع هذا ما جاء في حديث الباب، وأما فضل النفقة وما يترتب عليها من ثواب في الدنيا والآخرة، ففيه أحاديث كثيرة مستفيضة ستأتي لاحقًا بإذن الله تعالى.
الفائدة الثالثة: في الحديث دلالة على إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى، وهي صفة ذاتية خبرية نثبتها كما أثبتها الله عز وجل لنفسه في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: 64 ]، وقوله تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ ﴾ [ ص: 75]، وآيات أخرى.
ومن السنة: حديث الباب حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يَمِينُ اللّهِ مَلأى"، وفي لفظ البخاري: "يد الله ملأى"، وفي الحديث: "وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض".
وأيضًا حديث ابن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين...."؛ رواه مسلم، وأحاديث أخرى.
وأيضًا أجمع السلف في إثبات اليدين لله حقيقة، فيجب إثباتهما من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ [انظر هذا الإجماع في شرح لمعة الاعتقاد للشيخ ابن عثيمين ص 49].
قال الإمام ابن خزيمة - رحمه الله -: "نحن نقول الله - جل وعلا - له يدان، كما أعلمنا الباري في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيِّه المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ [انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 83].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا، متنوعًا متصرفًا فيه، مقرونًا بما يدل على أنها يد حقيقية، [انظر مختصر الصواعق ص 348].
خالف أهل السنة والجماعة في إثبات صفة اليدين لله تعالى حقيقة من المعتزلة وكثير من الأشعرية والماتريدية.
[الماتريدية: فرقة كلامية نشأت بسمرقند في القرن الرابع الهجري، تنسب إلى أبي منصور الماتريدي يتأولون الأدلة النقلية بما يوافق الأدلة العقلية؛ (انظر مزيدًا في تعريفهم وعقائدهم الماتريدية، وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات رسالة ماجستير لشمس الأفغاني السلفي، ومنهج الماتريدية في العقيدة للدكتور محمد عبدالرحمن الخميس، والإيمان في مجموع فتاوى شيخ الإسلام 7/ 4ـ 421، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/ 99 ].
الذين قالوا: إن اليد بمعنى القدرة، وأحيانًا يفسرونها بمعني النعمة، محتجين بأن اليد في لغة العرب يراد بها القدرة وأيضًا النعمة، وقولهم هذا مخالف لمنهج السلف الصالح؛ لأنه يعتبر تأويلًا لم يدل عليه دليل، والرد عليهم يتلخص فيما يلي:
أولًا: أن قولهم بأن اليد المراد بها النعمة أو القدرة خلاف لظاهر النصوص.
ثانيا: أن تأويلهم لليد بالنعمة أو القدرة مخالف لسلف الأمة وقد تواترت أقوالهم رحمهم الله بأن يثبتوا لله يدين حقيقة، وتقدم كلام ابن القيم قريبًا في ورود ذلك عن الصحابة والتابعين في مواضع كثيرة.
ثالثًا: أن تأويلهم اليد بالنعمة أو القدرة ليس عليه دليلٌ صحيح، والأصل أن تثبت حقيقة، وأن المؤمن عليه التسليم، ومن جاء بتأويل الصفة من صفات الله تعالى، فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال سفيان بن عيينة: "كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه، فتفسيره قراءته والسكوت عليه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله".
وقال الزهري: "على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم".
وقال بعض السلف رحمهم الله: "قَدَمُ الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم"؛ [انظر شرح السنة للبغوي (1/ 168- 171) وانظر شرح العقيدة الطحوية لابن أبي العز (ص216- 219)].
رابعًا: أن في سياق بعض الآيات ما يمنع تفسير اليد بالقدرة أو النعمة منعًا قاطعًا؛ كقوله تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75].
ووجه ذلك: أن الآية جاءت بتثنية اليد، والتثنية فيها دلالة ظاهرة على أن المراد بها أن لله يدين حقيقية كما يليق بجلاله؛ لأن التثنية لا يراد بها إلا عين المعدود فقط، بخلاف الجمع فقد يراد به التعظيم، وبخلاف الإفراد فقد يراد به الجنس، مع أن في الجمع والإفراد دلالة على إثبات هذه الصفة لمن سَلِم قلبه وسلَّم عقله بما دلَّ عليه الدليل، ولكن لَمَّا كان الخصم معاندًا احتجنا معه إلى حجة دامغة تزيل عن عقله ركوب هوى التأويل، وذلك أن التثنية لا يمكن أن تدل إلا على عين المعدود، فهي تدل على أن المعدود اثنان، وحينئذ لا يمكن أن نقول أن المراد بالتثنية النعمة في قوله تعالى: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾، لأن هذا يخالف نعمة الله الكثيرة التي لا حصر لها ولا إحصاء؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
وكذا لا يمكن أن نقول أن المراد بالتثنية القدرة للإيراد السابق، وهو أن قدرة الله عز وجل عظيمة لا يلحقها نقص كما يليق بجلاله وتثنيتها إنقاص لها، ووجه آخر وهو أن الله عز وجل عاتب إبليس منكرًا عليه، فقال تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، ولو كان معنى اليد هنا القدرة لأجاب إبليس بقوله: وأنا خلقتني يا رب بقدرتك، وبهذا الرد عليهم ما يظهر الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.
وأيضًا يقال هذا الرد في قوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾[ المائدة: 64]، فإن سياقها يمنع تفسير اليد بالقدرة أو النعمة، وكذلك حديث الباب وفيه: " يد الله ملأى...."، وفي آخره: "وبيده الأخرى القبض"، فسياقه ظاهر في أنهما يدان حقيقة.
خامسًا: أن المتتبع لبعض النصوص الواردة في إثبات صفة اليدين لله تعالى، يجد أنها قُرنت بما يدل على أنها حقيقية، فَقُرن بها القبض والطي؛ كما في قول تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[الزمر: 67]، وقُرن بها البسط، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل))؛ رواه مسلم من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - وقُرن بها الإمساك والهز وغيرها، فاقتران الطي والقبض والبسط والإمساك باليد وغيرها مما جاءت به النصوص، يبِّين أن تأويلها بالقدرة والنعمة تحريف باطلٌ وقول زاهق.
قال ابن القيم: "ورد لفظ اليد في القرآن والسُّنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوعًا، متصرفًا فيه، مقرونًا بما يدل على أنها يدٌ حقيقية، من الإمساك، والطي والقبض والبسط، والمصافحة، والحثيات والنضح باليد، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده..."؛ [انظر مختصر الصواعق ص 348].
هذا ما تيسَّر إيراده من ردود على من تأول صفة اليدين لله جل وعلا بالنعمة والقدرة، ولأهل العلم ردود أخرى هذه أشهرها، وبعد بيان معتقد السلف من أهل السنة في إثبات اليدين لله جل وعلا حقيقة تليق بجلاله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، جرى بين أهل السنة والجماعة خلاف في يديِّ الله جل وعلا هل كلتيهما يمين أو أن أحدهما يمين والأخرى شمال، وسيأتينا هذا الخلاف في بابه بإذن الله تعالى؛ [سيأتينا الحديث عن هذه المسألة عند شرح حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - مرفوعًا: " إن المقسطين، عند الله، على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، وهو حديث انفرد به مسلم (1827) دون البخاري، سيأتـينا بإذن الله في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم].
الفائدة الرابعة: في الحديث إثبات العرش لله تعالى؛ حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث الباب ((وكان عرشه على الماء))، وفي السنة أحاديث كثيرة، بل لشيخ الإسلام رسالة اسمها (الرسالة العرشية)، ذكر فيها أحاديث في إثبات عرش الرحمن كثيرة، وذكر فيها بعض الأحاديث الضعيفة، ونبَّه عليها، وفي القرآن آيات في إثبات العرش؛ منها قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7 ]، ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17]، والآيات كثيرة، وأما الإجماع فقد نقله غير واحد من أهل العلم، حينما نقلوا الإجماع في استواء الله على عرشه استواءً يليق بجلاله.
قال الإمام الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"؛ [انظر فتح الباري 13/ 417].
وقال الإمام ابن بطة العبكري شيخ الحنابلة: "أجمع الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه، ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين، فمرقوا من الدين، وقالوا: إن الله ذاته لا تخلو منه مكان"؛ [انظر ا:لإبانة 3/ 136].
ومن شعر عبدالله بن رواحة - رضي الله عنه -:
شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد
ملائكة الإله مسوِّمينا
والعرش هو أعظم المخلوقات:
قال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنين: 116]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]، وقال تعالى:﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾ [البروج: 15].
قال القرطبي رحمه الله: "خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه"؛ [انظر تفسير القرطبي 8/ 302، 303].
وقال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾؛ أي: هو مالك كل شيء وخالقه؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش، مقهورون بقدرة الله تعالى"؛ [انظر تفسير ابن كثير 2/ 405].
والعرش فوق الكرسي الذي هو فوق السماوات؛ [انظر الصواعق المرسلة لابن القيم 4/ 1308].
وصف الله عز وجل العرش َ بأنه عظيم ومجيد وكريم:
تقدمت الآيتان الدالتان على وصفه بأنه عظيم ومجيد، وأما وصفه بأنه كريم، فقد قال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنين: 116].
وللعرش حملة من الملائكة يحملونه:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر:7].
وهؤلاء الحملة على خِلقة عظيمة، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - عن -صلى الله عليه وسلم-قال: ((أذن لي أن أُحدِّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام))؛ رواه أبو داود (4727)، وقال ابن حجر: "إسناده على شرط الصحيح"، [انظر فتح الباري 8/ 665].
والعرش يختلف عن المُلك ويختلف عن الكرسي:
قال ابن أبي العز الحنفي - رحمه الله -: "وأما من حرَّف كلام الله وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع بقوله تعالى: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17]، وقوله ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7]، أيقول: ويحمل ملكه يومئذٍ ثمانية، وكان ملكه على الماء ويكون موسى عليه السلام آخذ بقائمة من قوائم الملك؟ هل يقول هذا عاقل يدرك ما يقول.
وأما الكرسي فقال تعالى: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]، وقد قيل: هو العرش، والصحيح: أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره رواه ابن أبي شيبة في كتاب "صفة العرش" والحاكم في "مستدركه"، وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: "وسع كرسيه السماوات والأرض"، أنه قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى: وقد روي مرفوعًا، والصواب أنه موقوف على ابن عباس"؛ [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص (312، 313)].
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله-: "والصواب أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه"؛ [انظر القول المفيد شرح كتاب التوحيد (3/ 393،394)].
معاوية فهمي- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : فلسطيني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 2432
تاريخ التسجيل : 26/03/2019
مواضيع مماثلة
» حديث: لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك جناح
» شرح حديث لو أنكم تتوكلون على الله
» حديث (( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ))
» شرح حديث:(( من يرد الله به خيرًا يصب منه ))
» شرح حديث إن الله كتب الإحسان
» شرح حديث لو أنكم تتوكلون على الله
» حديث (( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ))
» شرح حديث:(( من يرد الله به خيرًا يصب منه ))
» شرح حديث إن الله كتب الإحسان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر