موت علي قيد الحياة

كانت صحتها جيدة وصغيرة بالعمر، بدأت مرحلة مرضها في سن السادسة عشر حين سقطت من فوق مرتفع

وهي تلهو وتلعب مع صديقاتها
اللعب الهادئ البسيط الخجول المناسب لعمرها

أثر السقوط كان ...
كُف بصرها ،
ذهب سمعها ،
توقف لسانها ،
وضاعت معهم جميع حقوقها

قضت عام ونصف لا تعرف شكل الشوارع ولا تحاول الخروج خجلاً من شكلها
خشيت أن ترى واحدة من صديقاتها
واحدة مِن مَن كانوا يلعبون معها ولم يحدث لهم شيء
وهي الوحيدة القدر اختارها .....

بعد العام والنصف ذهبت لتبدأ رحلة العلاج بعد رفضها التام لهذه الفكرة من البداية
كان اليأس قد زرع نفسه بأرضها
وأخيراً أقنعوها بهذه الخطوة كل من
حـولهــــا

ولكن كان هنا الخطأ الأكبر وهو اختيار مشفى غير مناسب وغير متوفر فيه كل ماتحتاجه هذه الفتاة من أجهزة وعناية وعقاقير
كانت العقاقير المستخدمة بمثابة مخدر فقط ليس الا ، لم تتناول عقار واحد يستأصل المرض من جذوره

استمرت على هذا الحال ما يُقارب الثلاثة أعوام إلى أن وصلت سن التاسعة عشر وهنا تمردت على المكان وسكانه
تمردت على الطبيب المعالج او بالاحرى ( المُخدر ) وطردته من حياتها وهربت من المشفى الحقير

كان الهروب حينها سلاح ذو حدين
( الجميل أنها تمردت على الوضع السيء ؛ السيءأنها خرجت إلى حيث الظلام !! )

فما زالت تفتقد القدرة على الرؤية، وبدأت
تتخبطها الأقدار .....

قابلت في طريقها أصحاب الوجوه السوداء ولم تنتبه لخيانتهم لأنها لا ترى .!
قابلت من أصحاب الضمائر اليقظة من ينصحونها ولم تُنفذ لأنها لا تسمع .!
قابلت من يأخذون بيدها ويجرئونها على الحديث بدون خوف ولكنها لا تتكلم .!
و قابلت من يصفعها بالغدر بعد ما وثقت به ...

مررها الطريق وهي معتمدة عليه تمسك بيده حتى لا تُصاب باصطدام جديد
فصفعها على وجهها بعد ما أخذها لطريق آخر غير الذي رغبت السير فيه من البداية ولأنها لا ترى
لم تعرف فعل بها بهذا المكان بعيد
فقدت الإحساس ولم تشعر بشيء سوى الصفعة المؤلمة التي أجهدت ملامحها وكهلت روحها وبدأ الجُرح يزيد ويزيد .

وتوالت الصفعات إلى أن وصلت سن العشرين وهنا ....

سقط من فوقها مطر شديد بلل خُصلات شعرها وغسل وجهها
وأنعش قلبها بتفاؤل وكأنها ليلة عيد ....

بدأت علامات الأمل تنمو في الأرض البور

ونامت اليوم على أمل أن يستجيب الله
لدعائها ورجاءها
وهو أن تستيقظ ذات يوم والمرض الذي أصابها
قد سافر وتركها

هذه الفتاة هي أنا، أصابتني أمراض نفسية كثيرة
أعمت عيني وعجزت نطقي وسمعي عن الكثير من الحقائق
أصبت بهذه الأمراض ....
إثر حادث نفسي ضخم تلقيته منذ خمسة أعوام ومازلت أعاني من
شعور الموت على قيد الحياة ....
فهل سأحيا من جديد ..؟؟