من طرف الثلج الاسود الجمعة فبراير 14, 2014 2:46 am
طبيعة السادية
في المرحلة الثانية من نظرية فرويد تم الجزم بأن السادية مزيج من الإيروس (الدافع الجنسي) وغريزة الموت، موجهة من المرء إلى الخارج، في حين أن المازوخية مزيج من الإيروس وغريزة الموت موجهة من المرء نحوَ ذاته.
وضد هذه الفكرة أرى أن جوهر السادية والمشترك في كل تبدياتها هو الشغف بامتلاك السيطرة المطلقة وغير المحدودَة على كائن حي، سواءً أكان حيوانًا أم طفلاً أم رجلاً أم امرأة. والشخص الذي لديه السيطرة الكاملة على كائن حي آخَر يحوله إلى شيء، إلى ملكية، في حين يغدو إله الشخص الآخَر. وهكذا فالسيطرة الكاملة على إنسان آخَر تعني شلَّه وخنقَه وإحباطَه. ولا يغرب عن بالنا أن السادية هي تحويل العجز إلى خبرة القدرة على كل شيء.
وهناك أشخاص كثيرون يمكن أن توجد في طباعهم عناصر سادية، ولكنها تتوازن مع نزعات قوية رافدة للحياة بحيث لا يمكن أن يصنفوا ساديين ولا يمكن لخصال الطبع السادي أن تُفهَم إذا عزلها المرء عن البنية الكلية للطبع. إنها جزء من تناذر يجب فهمه في كليتِه. وبالنسبة إلى الطبع السادي فإن كل شيء يعيش يمكن التحكم به فتصير الكائنات الحية أشياء. أو يظل الأدق هو أن كل الكائنات الحية تصبح أشياء للسيطرة تعيش وترتعش وتنبض. والسادي يريد أن يصير سيد الحياة، ولذلك من الواجب المحافظة على خصيصة الحياة في ضحيته. وهذا ما يميزه من الشخص التدميري. فالمدمِّر يريد أن يتخلَّص من الشخص وأن يزيلَه، وأن يقضي على حياته والخصلة الأخرى في السادي هي أن لا يثيره إلا الضعفاء.
وبالنسبة للسادي فليست هناك خصيصة تدعو إلى الإعجاب إلا واحدة، وهي القوة. وهو يعجب ويحب الذين لديهم القوة ويخضع لهم، والذين يحتقرهم ويريد السيطرة عليهم هم العاجِزون الذين لا يستطيعون المقاومة.
والسادي لا يمكن أن "يحب" إلا عندما يسيطر أي عندما تكون له سلطة على موضوع حبه.
والعنصر الآخَر في التناذر هو رضوخية السادي وجبنه. فهو سادي لأنه يشعر بأنه عاجز، غير حي، وغير قادِر. ويحاول أن يعوِّض عن هذا العَوَز بامتلاكه السيطرة على الآخَرين.
وفي التحليل النفسي الكلاسيكي الطبع الادِّخاري–الشرجي له طريقة واحدة في الشعور بالأمان في اتصالِه بالعالَم بامتلاكه والسيطرة عليه مادام عاجزًا عن وصل نفسِه بالحُب والإنتاجية. وهذا الطبع له العلاقَة الوثيقة بالسادية. وما يجاهد السادي من أجله هو السلطة بمعنى السيطرة على الناس، وبالضبط لأنه يفتقر إلى القدرة على أن يكون.
ومن المؤكد أن من ليست له القدرة على الدفاع عن نفسه يعاني كذلك من مشكلة في طبعه. وقد يصبح رضوخيًا ومازوخيًا بدلاً من أن يصير ساديًا. ولكن عجزه الواقعي قد يفضي كذلك إلى نشوء فضائل كالتضامن والحنو وكذلك إلى الإبداع. وأن يكون المرء عاجزًا ومن ثم في خطر يُستعبَد، أو أن يكون في خطر أن يتجرد من إنسانيته هما شرَّان.
الشروط التي تحدِث السادية
لاشك أن الطبع الفردي تحدُّده عوامل مثل النزعات الطبيعية الموروثة تكوينيًا، وخصائص الحياة العائلية والأحداث الاستثنائية في حياة الشخص. وليسَت هذه العوامل الفردية تؤدي الدور وحدها، فالعوامل البيئية أشد تعقيدًا مما يُفترَض عمومًا بكثير. ومما يجب أن يُضاف أن السلطة التي من خلالها تستغل جماعةٌ جماعةً أخرى وتخضِعُها من شأنِها أن تُحدِثَ السادية في الجماعة المسيطرة ولو أنه ستكون ثمة استثناءات فردية كثيرة. ومن ثم فإن السادية (باستثناء أنها مرض فردي) لن تزول إلا عندما يتم التخلص من السيطرة الاستغلالية لأية طبقة أو جنس أو جماعة أقلية.
ويظهر المجتمع القائم على السيطرة الاستغلالية ملامح أخرى يمكن التنبؤ بها. فهو يميل إلى إضعاف الاستقلال، والسلامة الأخلاقية، والتفكير النقدي، والإنتاجية في الناس الخاضعين له.
أما السادية في الفرد، فإنها تنسجم مع الوسط الاجتماعي، وبانحرافاته نحو الأعلى والأدنى. والعوامل الفردية التي تزيد من السادية هي كل الشروط التي من شأنها أن تجعل الطفل أو البالِغ يشعر بالخواء والعجز. ومن تلك الشروط تلك التي تُحدِث الفزَع كالعقوبة الإرهابية.
هاينريش هملر: حالة سريرية من السادية الادخارية – الشرجية
كانت الخصلة البارزة الأخرى في بنية طبع هملر هي رضوخيته، أو "تبعيته" كما سماها بوركارت. ومع أنه لا يبدو أنه كان خائفًا من أبيه للغاية، فقد كان مطيعًا له أكثر الطاعة، وكان ينتمي إلى أولئك الناس الذين لا يخضَعون لأن السلطة مرعبة جدًا بل لأنهم شديدو الفَزَع – لا من السلطة بل من الحياة – بحيث يبحثون عن السلطة "يريدون أن يخضعوا لها. فكان يستخدم أباه، ومعلميه، ومن ثم من هم أعلى مرتبة في الجيش والحزب، من غريغور ستراسر إلى هتلر لإنجاح مجرى حياتِه وإلحاق الهزيمة بمنافسيه".
وكانت محبة الأم له تُفسِده وتسد سبيل نموِّه وتجعله متكلاً عليها. ناهيك عن الحاجة إلى الأب القوي عند هملر كما هي عند الكثير من الآخَرين يُحدثها ضعف الشخص الذي يُحدثه بالتالي بقاؤه ولدًا صغيرًا يتوق إلى محبة أمه وحمايتها وترفيهها عنه، وعدم مطالبته بأي شيء منه. وهكذا يشعر أنه ليس مثل الرجال بل مثل الأطفال ضعيف، معتمِد على عون الآخَرين ومن دون إرادة أو مبادرة. ومما لا ريب فيه أن موقف هملر الاتكالي، الناشئ جزئيًا من موقف أمه المفرِط في تدليله، قد زاده بعض الضعف الحقيقي، الجسدي والذهني على السواء. وكان أكثر ما يفتقِر إليه هو قوة الإرادة التي انعدمت فيه انعدامًا تامًا تقريبًا، ولذلك فليس بالمدهش أنه كان يمتدح الإرادة القوية والصلابة بوصفِهما فضيلتين مثاليتين، ولكنه لم يكتسِبهما. وعوّض هذا الافتقار إلى قوة الإرادة بالسيطرة القسرية على الآخَرين.
ولم يكن هملر يشعر بالضعف وعدم الرشاقة البدنية وحسب، بل كان يعاني كذلك من إحساس بالدونية الاجتماعية.
يجب أن نتذكر أن السادية في تعريفها الواسع هي الشغَف بالسيطرة المطلقة وغير المقيدة على إنسان آخَر، وليس الإيلام الجسدي إلا أحد تبدِّيات هذه الرغبة في القدرة على كل شيء. وعلينا ألا ننسى كذلك أن المازوخية ليست نقيض السادية وإنما هي جزء من النظام التواكلي الذي تكون فيه السيطرة الكاملة والخضوع الكامل تجليين لهما الأهمية الأساسية الضرورية نفسها.
العدوان الخبيث: النيكروفيليا
يمكن توصيف النيكروفيليا بمعناها في علم الطباع بأنها الانجذاب العاطفي إلى كل ما هو ميت، ومتفسِّخ، ومتعفِّن، وسقيم. إنها الشغف بتحويل ما هو حي إلى شيء غير حي، وبالتدمير من أجل التدمير، والاهتمام الحصري لما هو ميكانيكي خالِص. هي الشغف بتفكيك كل البنى الحية.
والتبدي الآخَر للطبع النيكروفيلي هو الاقتناع بأن السبيل الوحيد إلى حل مشكلة أو صراع هو بالقوة والعنف.
فالمعهود عن النيكروفيلي هو أن القوة هي الحل الأول والأخير لكل شيء فعقدة العقد يجب أن تُقطَع دائمًا وألا تُحل بصبر. ومن حيث الأساس فإن جوابهم عن مشكلة الحياة هو التدمير، وليس الجهد العاطفي أو الإنشاء أو النموذج الذي يُحتذَى. إن جوابهم هو جواب الملكة في أليس في بلاد العجائب: "اقطعوا رؤوسهم" وهم إذ يدفعهم هذا الدافع لا يرون الخيارات الأخرى التي لا تتطلب التدمير، ولا يتبينون كم أثبتت القوة أنها عديمة الجدوى على المدى الطويل.
ثم إن البعد الآخَر لردود الأفعال النيكروفيلية هو الموقف من الماضي والملكية. فبالنسبة إلى الشخص النيكروفيلي فإن الماضي وحده هو الذي يُعاش على أنه حقيقة، لا الحاضر، ولا المستقبَل. فما كان، أي ما هو ميت، يحكم حياته: أي الأعراف والشرائع والملكية والتقاليد والممتلكات. وباختصار، فإن الأشياء تحكم الإنسان، والتملك يحكم الوجود والموتى يحكمون الأحياء. وفي التفكير النيكروفيلي – الشخصي والفلسفي والسياسي – فإن الماضي مقدس وليس لشيء جديد قيمة، والتغير ذو الأثر الشديد جريمة بحق النظام الطبيعي.
الصلة بين النيكروفيليا وعبادة التقنية
لا يُقصَد أن استخدام السيارة أو التقاط الصورة، أو استخدام الأدوات الصناعية هو في ذاته إبانة للميول النيكروفيلية. ولكن ذلك يتخذ هذه الصفة عندما يصبح بديلاً من الاهتمام بالحياة ومن ممارسة الوظائف الفنية الموهوبة للإنسان. ولا يعني كذلك أن المهندس المهتم عاطفيًا بإنشاء الآلات من كل الأنواع يُظهِر، لهذا السبب، ميلاً نيكروفيليًا. فقد يكون شخصًا إنتاجيًا جيدًا جدًا ذا محبة كبيرة للحياة يعبِّر عنها في موقفه من الناس، ومن الطبيعة، ومن الفن، وفي أفكاره التقنية البنَّاءة. بل إنني أشير إلى الأفراد الذين جُلَّ اهتمامهم بالأدوات المصنوعة محل اهتمامهم بما هو حي والذين يتعاملون مع الأمور التقنية بطريقة متفذلكة وغير حيوية.
كان التحام التقنية بالتدميرية غير ملحوظ في الحرب العالمية الأولى. والحرب العالمية الثانية هي التي أحدثت تغيرًا حاسمًا: استخدام الطائرة للقتل الجماعي.
وهذه الفرضية تشير إلى أن نشوء الطبع الشرجي العادي ← الطبع السادي ← الطبع النيكروفيلي الذي يحدِّدُه ازدياد النرجسية، وعدم الترابط، والتدميرية. وإن التدميرية يمكن أن توصَف بأنها الشكل الخبيث من الطبع الشرجي.
ولكن الرابطة الأخرى التي من غير الممكن ألا تخطر في البال ونحن ندرس طبع الإنسان المغترب كليًا والخاضع لعلم التحكم هي: خصائصه الفصامية. ولعل الخصلة الأدعَى إلى الانتِباه هي الانقِسام بين الفكر – العاطِفَة – الإرادة. (وقد كان هذا الانقسام هو الذي شجع إيوجين بلويلر على اختيار اسم "الشيزوفرينيا" من الكلمة اليونانية "شيزو" ومعناها الانشطار، وفرين ومعناها العقل لهذا النمط من المرض. وفي وضعِنا لإنسان علم التحكُّم كنا قد رأينا بعض الأمثلة التي توضِّح هذا الانقسام، في غياب العاطفة عند الطيار القاذف للقنابل والصواريخ مثلاً الممزوج بالمعرفة الواضحة أنه يقتل مائة ألف إنسان بضغطة زر. وإنسان علم التحكم يكاد يكون موجهًا بالعقل حصريًا. إنه إنسان أحادي التفكير. فمقاربته للعالم الكلي حولَه – ولنفسِه – مقاربة عقلية، وهو يريد أن يعرف ما هي الأشياء، وكيف تؤدي وظيفتها، وكيف يمكن تركيبها والاحتيال عليها. وهذه المقاربة قد غذاها العلم الذي أصبح مهيمِنًا منذ نهاية العصور الوسطى. وهذه هي الماهية الصميمية للتقدم الحديث، وهي أساس السيطرة التقنية على العالم والاستهلاك الجماعي. فإن هذه المقاربة الدماغية–العقلية تسير مع غياب الاستجابة العاطفية ويمكن للمرء أن يقول إن المشاعر قد جفَّت لا كُبِتَت، وبالنظر إلى أنها حية، فإنه لا يُعتنَى بها، وهي فجَّة نسبيًا، وهي تأخذ أشكال الشغف، كالشغف بالكسب، وإثبات التفوُّق على الآخَرين، وبالتدمير، أو الاهتياج بالجنس والسرعة والضجة. ويجب أن يُضاف عنصر آخَر إذ يتَّصِف الإنسان ذو التفكير الأحادي بملمَح آخَر مهم جدًا. هو نوع من النرجسية يكون موضوعها بالنسبة إلى الشخص جسده ومهارته – وباختصار نفسه – بوصفها وسيلة للنجاح. والإنسان الأحادي التفكير هو جزء من الآلات التي أنشأها إلى حد أن الآلات تكون موضوعًا لنرجسيتِه كما هي ذاته تمامًا. وفي الواقع يوجد بين الطرفين نوع من العلاقة التواكلية على نحو يجعَل كل منهما يفقد سلامةَ ذاتِه ويجعل كلاً منهما مُعتمِدًا على الآخَر. وبالمعنى الرمزي لم تعد الطبيعة هي أم الإنسان التي تغذِّيه وتحميه بل "الطبيعة الثانية" التي بناها وهي الآلات.
|
|
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر