المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 494 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 494 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
الثلج الأسود 7
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الثلج الأسود 7
3- حب يخشى الضوء
خلال الليل تبدلت مواقعهما , فاستيقظت جوان لتجد رأسها مستنده على كتفه ووجهها مدفونا في ياقة معطفها . كانت ذراعاها تحيطان بخصر براندت فيما كانت يداه ملتفتين خلف ظهرها كي لا تقع عن الكنبة .
حاولت ان تترحرك لتصبح اقل التصاقا به لكن ذلك لم يؤد الا الى زيادة ضغط ذراعه . وعندما تحرك بجانبها حبست انفاسها .
قال برقة وبصوت اجش ناعس :
- من يستطيع ان ينهض من فراشه الدافئ في مثل هذا الصباح البارد ؟
وافقته جوان بانفاس متقطعه :
- نعم , و ... ولكن لا ... لا نستطيع البقاء هنا طوال النهار .
- لم لا ؟
واحست بأنتفاخ صدره وهو ياخذ نفسا عميقا ثم ارخى قبضته عنها
- انت على حق نحن لا نستطيع البقاء هنا طوال النهار .
حركت جوان نفسها للوراء كي تفسح له متسعا للنهوض فاخترق الهواء القارس الدفئ الذي تولد بينهما .
وفيما كان براندت ينهض من مضجعه قاومت جوان الرغبة في البقاء تحت معطفها الدافئ , لكن براندت ارجعها بدفعة من يده الى الكنبة عندما بدأت بالنهوض .
- لاتنهضي .ابقي مكانك وحافظي على دفئك قدر استطاعتك .
عبست وردت عليه :
- ما الذي تريد ان تفعله .
قرصة برودة الغرفة وجهها وانفها ولكن براندت بدا غير متاثر بها ووقف فوق راسها مرتديا سترته المجعده تجيط به هالة من الحيوية لم يكن من السهل تجاهلها .
رد عليها بصوت آمر :
- على ما اذكر يوجد في عنبر المعدات مدفأة .
نظرت جوان نحو النافذه وشاهدت الصقيع الابيض يغطي الزجاج وسمعت الرياح تزأر بغض في الخارج . لقد توقف تساقط الثلوج في الليل . ولكن هذه الرياح ما تزال تذرف الثلج وتجعل مجال الرؤية شبه مستحيل .
سألته بقلق :
- وهل سنخرج ؟
ابتسم لها متكاسلا , مما جعلها تتنفس بصعوبة :
- سأسير بجانب السياج الى العنبر , لن اضيع .
فكرت جوان يقلق . كلا انه لن يضيع , فالارجح ان يخرج براندت منتصرا حتى في صراع مع عوامل الطبيعه . ولكنها نشأت في شمال البلاد وكانت تعرف مدى خطورة المجازفة بالخروج خلال عاصفة بهذه القوة فلمعت اعماق عينيها البنفسجيتين من الخوف .
اختفت الابتسامه فورا عن وجه براندت وعاد اليه التصميم القاسي وقال لها باقتضاب :
- لا تدعي الاوهام تاخذك بعيدا , ساحتاج الى معطفي , وانت ستكتفين بلف معطفك حولك حتى اعود .
- من .. من الافضل ان تاخذ .. تاخذ هذا الشال .
تلعثمت جوان وهي تسحب يدها من تحت المعطف كي تزيح خصلات من شعرها كانت تغطي وجهها .
كان الشال الصوفي الرمادي بارزا من جيب معطفها . اخذخ براندت ثم مد يده ووضع اصبعا تحت اذنها ورفع وجهها .
- كفي عن القلق , سوف اعود قبل ان يتسنى لك ان تفقديني .
لم تطمئن جوان لكلامه , ففي اللحظة التي اغلق فيها باب المكتب وراءه تملكها احساس مخيف بالفقدان والهجر , فزادها هذا العور بالوحده والا نكماش داخل المعطف . مرت الدقائق ببطء واخذت تصغي بتركيز لأدنى صوت يشير الى عودته . راودتها نزوة بان تنهض وتنتظره عند الباب الخلفي للمبنى ولكن طبيعتها منعتها من القيام بذلك . بدات تشعر بالبرد يتسلل الى جسمها وهي ستقع فريسه البرد القارس اذا ابتعدت عن الكنبة لأن قدميها كانتا عاريتين .
بعد مرور 20 دقيقة سمعت جوان وقع خطواته في الممر الخارجي فأطبقت رموشها مع شعور بالفرح ولكن عينيها اتسعتا عندما دخل المكتب رجل ثلج يسير على قدميه .
اصبح سرواله كتلة من الثلج ولم يظهر من معطفه الصوفي الا بقع صغيرة بنية اللون . وكان شعره البني الكثيف مغطى بالثلج , الذي غطى حاجبيه واهدابه ايضا
ولكن عينيه الزرقاوين لمعتا بابتسامه النصر فيما كان يضع المدفأة الصغيرة على الارض .
تمتمت جوان دون صوت وقد وجدت انها لاتستطيع الافصاح عن شعورها بالفرح لعودته سالما .
حجبت كتفاه العريضتان رؤية المدفأة فيما كان ينحني عليها واحست جوان في خلال دقائق ببداية انبعاث الحرارة . فبدا الثلج يذوب عن ثيابه وانهمرت نقاط الماء على السجاده .
عبرت عن قلقها قائلة :
- سوف تصاب بالتهاب رئوي بسبب هذه الملابس المبتلة .
اجابها وهو ينفض الثلج والماء عن معطفه :
- الجراثيم هي التي تسبب الالتهاب الرئوي . ستكون هذه الملابس ستكون هذه الملابس غير مريحة لبرهو قصيرة , ثم سرعان ما تجف .
سار نحو الكنبة , والتقط حذاءها المقي الى جانبها على الارض واخذه نحو المدفأة ثم قال لها :
- سيصبح حذائك دافئا عندما تضطرين الى انتعاله .
ارسلت مراعاته لها موجه من السرور في شرايينها لأن هذا المزيج من القوة المسيطره والمراعاة الرقيقة نادرة الوجود . وتبادر الى ذهن جوان ان الرجل الواثق من نفسه كبراندت يستطيع ان يظهر مثل هذا اللطف من دون ان يخاف على مظاهر رجولته .
لاحقت نظراتها تحركاته عندما كان يستعمل شالها ليمسح الثلج عن شعره ويتخلص من الثلج الذي لم يذب عن سرواله , وقبل ان تستطيع اخفاء تاملها الصامت به , حدق اليها بعينين لا معتين .
- لن يستطيع هذا السخان تدفئة الغرفتين معا , علينا ان نقرر ايا من الغرفتين سنستعمل .
ترددت في الجواب :
- لن استطيع استعمال الآلة الطابعة لطبع الرسائل التي امليتها لانقطاع الكهررباء , ولكني فكرت ان اعيد ترتيب خزانة الملفات واخرج ما لا يلزم منها .
كانت فكرة الجلوس طول اليوم بحضور براندت ليون المهيمن من دون أي عمل مفزعة للغاية .
التقط براندت حذائها واعطاها اياها .
- لقد اتفقنا , سننقل السخان الى مكتبك , سأذهب وافتح النافذه .
فأجفلت قائلة :
- تفتح النافذه ؟
حدق اليها متفحصا فيما كانت تنتعل حذائها الدافئ :
- هذا السخان يحرق الاكسجين , سنحتاج الى القليل من التهوئة اذا كنا لانرغب في الاحتناق .
ارتفعت الحرارة في مكتب جوان فلم تعد بحاجه الى معطفها الثقيل الوزن كي تشعر بالدفئ .
اختفى براندت ثانية في مهمة لم يفصح عنها بعد ان نقل طاولة الطباعة المتحركة الى مكتبها , فوقفت للحظة الى جانب السخان كي تدفئ اصابعها وتساءلت كيف كانت ستصمد لو علقت هنا بمفردها وليس هناك من تعتمد عليه ؟
فتح باب الغرفة واغلق بسرعه فرافق دخول براندت تيار من الهواء البارد رمقت جوان الطبق الذي بين يديه بفضول .
- لا نستطيع الحصول على القهوة من دون تيار كهربائي , ولكن سنتناول هذه اللفائف الحلوة والعصير بعد ان تذوب .فقد جلبتها من الكفتيريا .
عبست جوان اتجهت نحو طاولتها ثم عبثت باحد الجوارير بحثا عن مشط .
- ليتك لم تأت على ذكر القهوة , فانا لا استطيع ان اصحو ابدا قبل ان اتناول اول فنجان قهوة .
تساءل براندت وقد رفع حاجبيه بتهكم :
- انت النموذج الفعال البارد الذي يتحكم بهذا المكتب تقولين ذلك ؟
سقط المشط من يدها ولم تكن قد انتهت بعد من تسريحها لبعض خصلات شعرها الطويل المتشابكة , وخضب الحياة والاحراج وجنتيها باللون الوردي , واوضحت وهي تشعر انها تلميذه مدرسة اكثر منها سكرتيرة كفؤة :
- انا لا اتحكم بالمكتب .
- انك تحمرين خجلا بسهولة , اليس كذلك ؟
فأزداد اللون الاحمر على وجهها :
- اعتقد ان ذلك سببه بشرتي البيضاء .
حافظت على تحميل رأسها عن نظراته المتفحصه فيما بدات تلف شعرها في عقصة واحده مؤخرة عنقها .
امرها بصوت اجش وقطع المسافه الفاصله بينهما حين لم تكن تنظر اليه .
- اتركي شعرك منسدلا .
سحبت اصابعه بعض خصلات شعرها من قبضتها فصدمها قربه المفاجئ منها بشكل منعها من الاعتراض .
- ان شعرك جذاب جدا ولا يجوز اخفاؤه بهذه الطريقة الجافة فهو يصبح مثل خيوط الذهب حين ينسدل .
ردت عليه وكانه يتهمها انها حصلت عليه من قارورة صباغ الشعر :
- انه لون شعري الطبيعي .
فضحك قليلا :
- هذا ما اعتقدته .
قاومت جوان صخب احاسيسها :
- ترك شعري منسدلا ليس امر عملي على الاطلاق . فهو يتدلى دائما امام عيني .
وضع شعرها خلف اذنيها ثم ابتعد عنها قليلا , ثم سألها وكانه غير مقتنع بكلامها :
- كيف يمكنك ان تتأكدي من ذلك وانت لا تتركيه ابدا منسدلا ؟
ردت وهي تهز رأسها وتحرر بقية خصلات شعرها بيأس وترمي الدبابيس فوق الطاولة :
- سوف ترى .
ادركت جوان انها في اللحظة التي استسلمت فيها لإرادته القوية قد ارتكبت خطا لا رجوع عنه.
وجعلها الشعر المنسدل على كتفيها تشعر بأنوثتها وبانها معرضه للهجوم , وهي العواطف التي تحتاج الى تفاديها كي لا تقع تماما تحت تأثير قوة جاذبيته .
لقد تصدع الحاجز الغير مرئي الذي يفصل بينهما ليلة امس عندما استلقت بين ذراعيه , واصبحت بحاجه ماسة الى استرجاع دفاعاتها.
تجاهلته عن تعمد طيلة ساعات الصباح وتشاغلت عنه بترتيب الملفات الموضوعه فوق مكتبها . نجحت بتجنبه في الظاهر اما في داخلها كانت تقيّم كل تحركاته التي يقوم بها وهو منكب على الخرائط الزرقاء المبسوطه امامه على طاولى الرسم الهندسي .
قطع صوته الخفيض الصمت وجعل جوان تستدير نحوه بحده :
- انني جائع , ماذا لدينا على الغداء ؟
بدا ان الاعماق الزرقاء في عينيه تشدها الى دوار من العواطف المتضاربه لهذا الانسجام الغريب الذي تابع انسيابه بينهما لم يدع جوان تتصرف على طبيعتها .
دقت اجراس في رأسها تحذرها من انها ستصبح اسيرة جاذبيته , ولكنها لم تستطع ان تفكر في طريقة تمنع حدوث هذا الامر .
ردت عليه :
- لا اعرف !
ثم ادارت انتباهها الى جوار الملفات وهي مستسلمة لليأس من جراء عجزها .
- سأرى ماذا يوجد في الكافتيريا .
ادركت جوان لاحقا وهي تقضم السندويتش البارد ان هذا التلازم المستعر بينهما هو الذي يسلبها راحة البال , فلا يمكن المحافظة على جو العمل المتحفظ في هذا الموقف .
فقد لاحظت اهتمامه المثير بها ولم يغب عن بالها انه ربما مجرد فضول من براندت الذي يراها الان في وضع مختلف عن تلك التي كانت تختفي خلف قناع الموظفة القادرة .
ولكن اليست تبالغ في تقدير اهتمامه الجديد ؟ وما الضرر اذا تكونت صداقة بينهما ؟ مال الذي يمكن ان تخشاه ؟ اذا بدأ براندت ينظر اليها كامرأة , فهذا لا يعني انه سيغرق في جمالها خاصة وان امرأة مثل انجيلا تكمن في ذاكرته .
قطع صت براندت خيط تخيلاتها :
- سأعطيك قرشا ثمنا لأفكارك .
اعترضت بخجل :
- افكاري لا تستحق ذلك .
- ان أي افكار تسكت امراة مدة 15 دقيقة يجب ان تستحق قرشا على الاقل .
رفعت وجهها ورمقت لون عينيه الازرق الحي :
- اذا كان لابد من معرفة افكاري , فقد كنت اتساءل كم ستطول هذه العاصفة .
- هل بدات تضجرين من وقفتي ؟
ردت بقسوة غير قادرة على محاكاة ثبات صوته :
- ليس بقدر ما بدات انت بالضجر مني .
هز كتفيه العريضتين بوقار :
- على العكس تماما , وفي الحقيقة استغرب كيف استطاعت فتاة جذابة مثلك تجنب الزواج .
- لنقل ان الزواج هو الذي تجنبني .
ابتسم ساخرا :
- اذا انت لست امراة عملية , وهذا يعني اني سأضطر في يوم ما للبحث عن سكتيرة اخرى مع انني قد بدات اعتاد عليك .
فأجابت بنبرة حاده :
- لكنني لم اقدم استقالتي بعد يا سيد براندت .
فأبتسم ابتسامه خبيثة :
- كنت ليلة امس براندت فقط . من المؤكد انه يوجد شخص مميز في حياتك , اليس هذا صحيحا ؟ او هل تريدين ان اصدق انك ترتدين الملابس المثيرة فقط لزيارة خالة عانس ؟
خدش هذا الكرم كبرياءها , ولكنها تماكلت نفسها وحبست دموعها التي كادت تنهمر فهي لاتستطيع ان تخبره عن عطلات الاسبوع الخالية ولا عن العدد الذي لا يحصى من الليالي التي امضتها وحيده .
وعادت اليها ذكرى ما قالته في الاسبوع الفائت عندما افصحت ان لا وقت لديها في عطل الاسبوع لنها تخرج دائما . يبدو ان الاكاذيب البيضاء من أي نوع كانت , تقود الى مشاكل شديدة التعقيد .
- انني لا اعرف اذا ...
تمنت جوان الا تغرق نفسها في بحر من الاكاذيب , كما تمنت ان يسامحها ايد الذي لجات للاختباء تحت اسمه وقالت :
- .... كنت تعتبر ايد شخصا ممييزا , فانا معجبة به .
فأشار تمايل رأس الى اهتمام قليل:
- هل تعرفينه منذ مدة طويلة ؟
كانت اصابعها تضغط بعصبية الجزء المتبقي من سندويشها :
- كلا انه شقيق خطيب صديقتي التي تشاركني السكن .
- هل صديقتك هي الانسة مورلاند التي تعمل في قسم الكومبيوتر ؟
- نعم . هذا صحيح .
- هل ستحضرين ايد الى حفلة عيد الميلاد ؟
فاجاها سؤاله فردت بأرتباك :
- حسنا , انه يقيم في مدينة كليفلاند في الواقع .
- لا شك ان علاقتكما جديه ليتكلف عناء السفر ذهابا وايابا كي يراك .
فأضافت هي تنهض محاولة لإنهاء الحديث :
- ويرى شقيقه ايضا .
اطلق الكرسيي الدوار صريرا مرتفعا وكانه يحتج على حركتها المفاجئة .
مشى براندت نحو الكرسي وهزه مرارا الى الوراء والامام:
- يحتاج هذا الكرسي الى تزييت .
اجابته بحده :
- قد يكون مظهري اشبه بالنساء الامازونيات . ولكن هذا الكرسي ثقيل الوزن ولا استطيع قلبه رأسا على عقب كي اعرف اين يحتاج الى التزييت .
كادت ان تخترقها نظراته التي اوحت بقوة غضبه الكامن , فأمالت ذقنها متحديه فيما كانت تبتلع لعابها بصعوبة . كانت جوان تعني حجم جسمها الكبير منذ ايام المراهقة عندما اصبحت اكثر طولا من جميع الصبيان في صفها .
ضاقت عيناه فيما كان يتفحصها :
- هل كنت حساسة دائما بالنسبة لطول قامتك ؟
اجابت بعصبية :
- انه امر لا استطيع تجاهله .
امال براندت رأسه مستفهما :
- لماذا تحلم الفتيات القصيرات القامه دائما بان يكن اكثر طولا والفتيات الطويلات بان يكن صغيرات الحجم ؟
- انها طبيعة البشر , فهم يرغبون بما لا يستطيعون الحصول عليه ,ولكنني تقبلت نفسي كما انا .
- اذا كفي عن التبريرات فانت شقراء طويلة وجميلة .
بدا من خلال مديحه وكانه يتهمها بالتواضع الكاذب فأرجعت رأسها بعصبية وردت بقسوة:
- يا سيد ليون , لا يمكنك ان تتوقع مني ان اصدقك ! فخلال السنوات الـ3 التي عملت بها عندك لم الفت انتباهك الى اكثر من كوني سكرتيرتك .
- لا تلومي نفسك , لقد رفعت حولك لافتات كتب عليها بخط عريض "لا تقدم على التحرش" ولم توحي لي يوما تصرفاتك العملية الصارمة والمتزمته بانك تريدين ان يعاملك احد كامرأة . بالاضافة الى اني اتبع دائما القاعده التي تقول لا تمزج ابدا بين العمل واللهو , فأنا لا اريد ان تتشابك حياتي الخاصة مع عملي .
شعرت بالوخز الشديد في عامودها الفقري من جراء كلامه الواضح والدقيق . لم يعد هنالك شك عند جوان بانه صادق بكلامه .
ان براندت يعتبرها امراة جذابة , وفي الوقت نفسه اوضح انه لن يريدها ابدا اكثر من سكرتيرة ويجب ان تتقبل وتتفهم موقفة .
اشاحت بنظرها عن وجهه , وخالت ان فمها تحرك ليقاوم خروج الكلام .
- اني اوافقك الرأي تماما
سمعت تنهيده سخط ثقيلة اتت من الخلف وسمعت بجهد همسة ساخرة :
- احقا ما تقولين ؟
ازاحت شعرها الطويل جانبا ورمقته بطرف عينيها وقد رسم عبوس الحيرة تجاعيد على جبينها . كان يدير ظهره لها فيما كان يميل الكرسي الى الوراء ثم يقلبه رأسا على عقب سألها :
- هل لديك هنا زيت لكافة الاستعمالات ؟
اجبر صوته اللامبالي جوان على الاستناتج بان سؤاله السابق كان خدعه من مخيلتها التي اصبحت اسيرة رجولته .
- في جارور الطاولة في الوسط .
بدات جوان تصنف ملفات الخزانه فيما كان براندت يعمل على تزييت الكرسي الدوار .
جعلها انشغال بالها اقل دقة في عملها , ففي اللحظة التي فكت بها اصابعها قفل الجارور وبدات بسحبه اخذ الجارور العلوي غير المغلق جيدا بالانزلاق الى الامام فأصدرت الخزانة صوتا اشبه بالحشرجه تحت ثقل الجوارير الثلاث المفتوحة ,
مدت يدها من دون فائدة لتحاول منع سقوطها , وقد نجحت لثانية فقط في الابقاء عليها في منتصف الطريق .
ثم سندتها ذراعين قويتين وارجعت الخزانه الى مكانها واغلقت الجوارير المفتوحه . شعرت بالصدمة عندما ادركت ان الخزانه كانت على وشك السقوط عليها وانبعثت في اطرافها المرتجفه موجه من الخوف كما شعرت بضعف غير معقول في ركبتيها اللتين لم تقويا على حملها , فامسكت بكتفيها الذراعان القويتان اللتان انقذتاها من قبل .
بدا على وجه براندت الاهتمام الصادق وهو ينحني عليه :
- هل انت على ما يرام ياجوان ؟
فركت حاجبها بيد مرتجفه واجابت بصوت غير ثابت :
- نعم , على ما اعتقد .
غطت الغشاوة عينيها وهي تنظر الى ازرار قميصه فيما تمايلت نحوه في غير وعي .
- لقد ... لقد حدث كل شيء بسرعه .
فاجابها وفي صوته الاجش نبرة من الغضب :
لماذا حاولت وقفها عن السقوط ؟ كان يجب ان تتركيها تقع وبعدئذ تقلقين بشان ترتيب المكان بدلا من ان تخاطري وتؤذي نفسك .
- لم افكر في ذلك .
كانت ضحكته الخافته اشبه بتنهيدة اشفاق فيما كان يضمها الى صدره لإعطائها الاطمئنان .
- ايتها الصغيرة البلهاء والسخيفة , لم لا تتوخين الحيطة والحذر ؟ لقد عرفت دائما ان هذا الوحش المعدني سينقلب ضدك في يوم ما .
ابتسمت جوان بضعف وهي تضع وجهها على قميصه , وقد خفف من روعها مزاحه الخفيف . احست وهي من دون حراك بنبضات قلبه تحت يدها , وشعرت ان وجهه يتحرك خلال شعرها الذهبي والحريري.
حذرتها انفاسها بانها يجب ان تتحرر من هذا العناق مهما بدا ذلك بريئا , ولكن الاحساس المنعش بالنعيم كان امرا لم تعرفه من قبل.
- هل انت متاكده انك لم تتأذي ؟
هز صوته الهادئ والحنون اعماق قلبها فخطر لها ان تدعي اصابة ما , ولكنها افهمت نفسها بتعقل انها غير مصابة . تصلبت يداها على صدره ودفعت نفسها بعيدا عنه ,على الاقل قدر ما سمحت به يداه المحيطتان بها .
ابتسمت بعصبية وهي تحاول ان تطمئنه :
- انا حقا على ما يرام .
لم تكن تراه بوضوح عن قرب من دون نظاراتها ومع ذلك كانت هناك هالة حوله جعلتها تفكر بأنه رجل بكل معنى الكلمة ولديه خبرة في الحياة اكثر منها .
ازاح براندت خصلات شعرها الطويلة التي انسدلت على وجهها وقال لها متاملا :
- يعجبني العطر الذي تضعينه , انه يناسبك .
اجابته بهمس وهي تشعر بالاحراج , لنها احتارت كيف ستتعامل مع ملاحظاته الحميمه والعابرة :
- انا .. انا لا اضع أي عطر .
- احقا ما تقولين ؟
احنى وجهه جانب رقبتها :
- اذا انها رائحة شعرك النظيف .
ثم هز كتفيه وافلتها , وافقته الرأي وهي تشيح بنظرها بعيدا كي لا يرى الحيرة االمؤلمة التي لمعت في عينها , ثم ارجعت شعرها الطويل الى ما وراء رأسها .
- انا ... اعتقد ذلك .. لقد غسلته بالشامبو ليلة الخميس الفائت .
لو تفوه ايد او أي رجل اخر تعرفه بهكذا ملاحظة لكانت ضحكت منها ولكنها استاءت من براندت عندما تلفظ بها .
عاد براندت بخطوات قوية الى حيث طاولتها والكرسي المقلوب :
- من الان وصاعدا , من الافضل لك ان تفتحي جارورا واحدا من هذا الوحش المعدني في كل مرة .
ارسل الغضب الذي شعرت به موجه من الحرارة الى وجهها :
- لم اتعمد فعل ذلك قبلا !
فاستدار نحوها ببطء وتفحصها بتمعن مربك :
- لم اقل ذلك ابدا ياجوان .
اضاف استعماله لأسمها الاول بصورة هادئة . وهو الذي كان يلفظه بسرعه في لحظة اهتمام , جنونا على اعصابها الثائرة , وملأتها تبرئته الموبخة قليلا بعصبية اعيتها
تلعثمت بسبب حرجها :
- انا .. كنت اعي .
رد براندت عليها وكانه يتسلى بها :
- اني اعرف تماما ماذا تعنين , واعرف متى تختلق المراة حيلة لتجعلني اضمها بين ذراعي .
لم يكن هنالك الا القليل لترد به على هذا الكلام من دون ان تورط نفسها اكثر , وشعرت وهي تستدير لتستأنف عملها انها اصغر من عود ثقاب واقل فائدة منه.
*******
عثر براندت في زاوية صغيرة في خزانة الفناجين على علبة شمع واضاء اربعه منها فوقتهما هذه الشعلات من الظلام الدامس المحيط بهما في الغرفة .
لم يكن النور المنبعث منها يكفي للقيام باي عمل ولكنها ساعدتهما على تمييز وجبتهما المكونه من السندويشات والرقائق التي اصبحت طعاما بلا نكهة .
جلس براندت خلف مكتبها ومال الى الوراء الكرسي الدوار الذي لم يعد يحدث صريرا , فيما كانت جوان تدخن السيجارة التي اعطاها اياها وتظهر عدم خبرة في التدخين .
كانت اعصابها ماتزال مشدودة بسبب المواجهة التي حدثت بينهما بعد الظهر وقد قبلت منه السيجارة كي تشغل يديها المرتجفتين بشيء ما .
جالت نظراته على وجهها , ولم تفته الطريقة التي تجنبت بها التقاء نظراتهما .
- اخبريني عن عائلتك يا جوان , هل تقيم هنا في شيكاغو ؟
كان يتكلم ليقطع الصمت الذي دل على عدم شعورها بالراحة . كان تبادل الحديث ضروريا , على الاقل لإبعادها عن الشرود بأفكارها فربما تجعلها الاجابة عن اسئلة تصمد في مواجهة التاثير الذي يحدثه عليها .
- كلا فوالدي يقيمان في قرية صغيرة تبعد 140 كم من هنا . لدي اخ اكبر مني يخدم في الجيش في المانيا ولدي اخ اصغر مني في السنة الاخيرة من المرحلة الثانوية . اما شقيقتي الصغرى فهي في سنتها الدراسية الاولى وكلاهما يقيم مع اهلي في البيت .
- ماذا يعمل والدك ؟
فابتسمت له بتردد :
- يملك هو وامي دكان بقالة صغيرة , وجين وبوب اخي واختي يساعدانهما بعد المدرسة وفي العطل الاسبوعية .
انحنى الى الامام ليطفئ سيجارته وكانت نظراته مركزه على وجهها :
- يبدو لي ان حياتكم العائلية مستقرة ودافئة . انت لا تبدين من النوع الذي يتوق الى حياة الاثارة في المدن الكلبرى . ما الذي اتى بك الى شيكاغو ؟
- كي ادخل معهد السكرتيريا , وبما انني لم اجد عملا في بلدتي بعد ان تخرجت من المعهد بقيت هنا .
- هنا ستشعرين بالوحده دون العائلة والاصدقاء .
قالت بصورة دفاعية وهي التي طالما ذاقت طعم الوحده :
- لقد عقدت عددا لا بأس به من الصداقات وازور عائلتي مرة في الشهر .
مال براندت في جلسته الى الوراء وعلت وجهه ابتسامة صفراء .
- اعتقد اني تعودت ان اكون بالقرب من والدي , لقد قابلت امي أليس كذلك ؟
- نعم قابلتها .
وتذكرت تلك المرأة الطويلة الممتلئة التي دخلت عليها المكتب في ذات يوم , كانت نسخة ثانية عن ابنها . لم تكن جذابة لكنها مهيبة وقد تصرفت معها بود وحرارة .
اكمل كلامه وكأنه يتحدث الى نفسه :
- والدي طبيب متقاعد , ويعمل في الغالب كمستشار ولكنه لن يترك ابدا ممارسة الطب بصورة كاملة , انه يحب عمله كثيرا .
- كنت اعتقد انه هو الذي انشأ شركة ليون للمقاولات .
- لقد انشأها عمي الذي توفي منذ بضع سنوات , اشتغلت معه خلال العطل الصيفية عندما كنت يافعا ثم دخلت الجامعه ودرست الهندسة والبناء وانضممت الى الشركة بعد التخرج .
اثار بدارندت فضولها بصورة واضحة لمعرفة المزيد عن حياته الخاصة .
- هل عندك اخوة او اخوات ؟
- شقيقتي فنيتيا التي اختارت مهنة ابي واصبحت طبيبة وعندها عيادتها في ولاية اريزونا .
- الم تتزوج ؟
شعرت ببريق حزن دفين ينبعث من اعماق عينيه فيما كان يرمقها :
- كلا انها مستوحده مثلي . ألن تعلقي على الوحده التي تجلبها حياة العزوبية ؟
تمتمت جوان :
- لا أستطبع أن أرمي الحجارة وأنا أقيم في بيت من زجاج .
- إلا تريدين الزواج والإستقرار وإنشاء عائلة ؟
تململت في جلستها وهي تشعر بعدم الأرتياح :
- بلى ، ولكن قراري ينتظر مجيء الرجل المناسب .
- ألم تلتقي به بعد ؟ ماذا عن أيد الذي ذكرته سابقاً ؟
أشارت حركة رأسها الجانبية إلى ترددها في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة مما جعل
براندت يبتسم وكأنه يرثي لحالها ؟
- لقد تدخلت في خصوصياتك أكثر من اللازم ، أليس كذلك ؟
فأنا نفسي لا أرغب بالإجابة على مثل هذا السؤال الخاص ، أنت .. أنت
لا تبدين تماماً مثل امرأة واقعة في الحب ، ولاتملكين ذلك الإشعاع الناعم الذي يرافق عادة عوارض الحب .
حاولت أن تضحك لملاحظاته الماكرة .
- أنت تتكلم عن الحب وكأنه مرض.
- إنه كذلك في بعض الأوجة ، كفقدان الشهية للأكل والتململ المتواصل
ووجع الرأس السخيف وألم الشكوك .
قفزت إلى مخيلتها صورة الشقراء التي تدعى إنجيلا فوراً وأحست
بالصداع السخيف الذي ذكره براندت .
- يبدو أنك تعرف ما هو الحب .
ابتسم إبتسامة باهتة ونهض ثم سار نحو النافذة الجانبية ونظر إلى الزجاج المغطى بالصقيع .
- معرفة سطحية فقط ، يبدو أن الرياح قد خفت ، ربما تنتهي العاصفة.
حدقت جوان بكتفيه العريضتين وخصره النحيل .وتساءلت كيف سيكو ن الحال
عندما تنتهي العاصفة ؟ هل سيعود ويناديها بالآنسة سومرز؟
أم ستكون معرفتهما ببعضهما قد تطورت ووصلت إلى نقطة تجعل من المستحيل العودة إلى مستوى التعامل الرسمي المتحفظ ؟
كانت تخشى أن يحدث ذلك ، وفي الواقع كانت تخاف من عواطفها التي وصلت إلى درجة لن تستطيع من بعدها التحكم بها .
قالت وهي تتصنع السرور وتنظر إلى السخان الرابض في منتصف الغرفة :
- على الأقل سنمضي ليلة دافئة .
- كلا ، ليس من هذا السخان .
أتت إجابته بالنفي هادئة ولم تكن متأكدة من أنها فهمت ما قاله ، فسألت بصوت مرتعش : ماذا ؟
مال إلى جانبه مما جعل ضوء الشموع ينير وجهه جزئياً
خلال الليل تبدلت مواقعهما , فاستيقظت جوان لتجد رأسها مستنده على كتفه ووجهها مدفونا في ياقة معطفها . كانت ذراعاها تحيطان بخصر براندت فيما كانت يداه ملتفتين خلف ظهرها كي لا تقع عن الكنبة .
حاولت ان تترحرك لتصبح اقل التصاقا به لكن ذلك لم يؤد الا الى زيادة ضغط ذراعه . وعندما تحرك بجانبها حبست انفاسها .
قال برقة وبصوت اجش ناعس :
- من يستطيع ان ينهض من فراشه الدافئ في مثل هذا الصباح البارد ؟
وافقته جوان بانفاس متقطعه :
- نعم , و ... ولكن لا ... لا نستطيع البقاء هنا طوال النهار .
- لم لا ؟
واحست بأنتفاخ صدره وهو ياخذ نفسا عميقا ثم ارخى قبضته عنها
- انت على حق نحن لا نستطيع البقاء هنا طوال النهار .
حركت جوان نفسها للوراء كي تفسح له متسعا للنهوض فاخترق الهواء القارس الدفئ الذي تولد بينهما .
وفيما كان براندت ينهض من مضجعه قاومت جوان الرغبة في البقاء تحت معطفها الدافئ , لكن براندت ارجعها بدفعة من يده الى الكنبة عندما بدأت بالنهوض .
- لاتنهضي .ابقي مكانك وحافظي على دفئك قدر استطاعتك .
عبست وردت عليه :
- ما الذي تريد ان تفعله .
قرصة برودة الغرفة وجهها وانفها ولكن براندت بدا غير متاثر بها ووقف فوق راسها مرتديا سترته المجعده تجيط به هالة من الحيوية لم يكن من السهل تجاهلها .
رد عليها بصوت آمر :
- على ما اذكر يوجد في عنبر المعدات مدفأة .
نظرت جوان نحو النافذه وشاهدت الصقيع الابيض يغطي الزجاج وسمعت الرياح تزأر بغض في الخارج . لقد توقف تساقط الثلوج في الليل . ولكن هذه الرياح ما تزال تذرف الثلج وتجعل مجال الرؤية شبه مستحيل .
سألته بقلق :
- وهل سنخرج ؟
ابتسم لها متكاسلا , مما جعلها تتنفس بصعوبة :
- سأسير بجانب السياج الى العنبر , لن اضيع .
فكرت جوان يقلق . كلا انه لن يضيع , فالارجح ان يخرج براندت منتصرا حتى في صراع مع عوامل الطبيعه . ولكنها نشأت في شمال البلاد وكانت تعرف مدى خطورة المجازفة بالخروج خلال عاصفة بهذه القوة فلمعت اعماق عينيها البنفسجيتين من الخوف .
اختفت الابتسامه فورا عن وجه براندت وعاد اليه التصميم القاسي وقال لها باقتضاب :
- لا تدعي الاوهام تاخذك بعيدا , ساحتاج الى معطفي , وانت ستكتفين بلف معطفك حولك حتى اعود .
- من .. من الافضل ان تاخذ .. تاخذ هذا الشال .
تلعثمت جوان وهي تسحب يدها من تحت المعطف كي تزيح خصلات من شعرها كانت تغطي وجهها .
كان الشال الصوفي الرمادي بارزا من جيب معطفها . اخذخ براندت ثم مد يده ووضع اصبعا تحت اذنها ورفع وجهها .
- كفي عن القلق , سوف اعود قبل ان يتسنى لك ان تفقديني .
لم تطمئن جوان لكلامه , ففي اللحظة التي اغلق فيها باب المكتب وراءه تملكها احساس مخيف بالفقدان والهجر , فزادها هذا العور بالوحده والا نكماش داخل المعطف . مرت الدقائق ببطء واخذت تصغي بتركيز لأدنى صوت يشير الى عودته . راودتها نزوة بان تنهض وتنتظره عند الباب الخلفي للمبنى ولكن طبيعتها منعتها من القيام بذلك . بدات تشعر بالبرد يتسلل الى جسمها وهي ستقع فريسه البرد القارس اذا ابتعدت عن الكنبة لأن قدميها كانتا عاريتين .
بعد مرور 20 دقيقة سمعت جوان وقع خطواته في الممر الخارجي فأطبقت رموشها مع شعور بالفرح ولكن عينيها اتسعتا عندما دخل المكتب رجل ثلج يسير على قدميه .
اصبح سرواله كتلة من الثلج ولم يظهر من معطفه الصوفي الا بقع صغيرة بنية اللون . وكان شعره البني الكثيف مغطى بالثلج , الذي غطى حاجبيه واهدابه ايضا
ولكن عينيه الزرقاوين لمعتا بابتسامه النصر فيما كان يضع المدفأة الصغيرة على الارض .
تمتمت جوان دون صوت وقد وجدت انها لاتستطيع الافصاح عن شعورها بالفرح لعودته سالما .
حجبت كتفاه العريضتان رؤية المدفأة فيما كان ينحني عليها واحست جوان في خلال دقائق ببداية انبعاث الحرارة . فبدا الثلج يذوب عن ثيابه وانهمرت نقاط الماء على السجاده .
عبرت عن قلقها قائلة :
- سوف تصاب بالتهاب رئوي بسبب هذه الملابس المبتلة .
اجابها وهو ينفض الثلج والماء عن معطفه :
- الجراثيم هي التي تسبب الالتهاب الرئوي . ستكون هذه الملابس ستكون هذه الملابس غير مريحة لبرهو قصيرة , ثم سرعان ما تجف .
سار نحو الكنبة , والتقط حذاءها المقي الى جانبها على الارض واخذه نحو المدفأة ثم قال لها :
- سيصبح حذائك دافئا عندما تضطرين الى انتعاله .
ارسلت مراعاته لها موجه من السرور في شرايينها لأن هذا المزيج من القوة المسيطره والمراعاة الرقيقة نادرة الوجود . وتبادر الى ذهن جوان ان الرجل الواثق من نفسه كبراندت يستطيع ان يظهر مثل هذا اللطف من دون ان يخاف على مظاهر رجولته .
لاحقت نظراتها تحركاته عندما كان يستعمل شالها ليمسح الثلج عن شعره ويتخلص من الثلج الذي لم يذب عن سرواله , وقبل ان تستطيع اخفاء تاملها الصامت به , حدق اليها بعينين لا معتين .
- لن يستطيع هذا السخان تدفئة الغرفتين معا , علينا ان نقرر ايا من الغرفتين سنستعمل .
ترددت في الجواب :
- لن استطيع استعمال الآلة الطابعة لطبع الرسائل التي امليتها لانقطاع الكهررباء , ولكني فكرت ان اعيد ترتيب خزانة الملفات واخرج ما لا يلزم منها .
كانت فكرة الجلوس طول اليوم بحضور براندت ليون المهيمن من دون أي عمل مفزعة للغاية .
التقط براندت حذائها واعطاها اياها .
- لقد اتفقنا , سننقل السخان الى مكتبك , سأذهب وافتح النافذه .
فأجفلت قائلة :
- تفتح النافذه ؟
حدق اليها متفحصا فيما كانت تنتعل حذائها الدافئ :
- هذا السخان يحرق الاكسجين , سنحتاج الى القليل من التهوئة اذا كنا لانرغب في الاحتناق .
ارتفعت الحرارة في مكتب جوان فلم تعد بحاجه الى معطفها الثقيل الوزن كي تشعر بالدفئ .
اختفى براندت ثانية في مهمة لم يفصح عنها بعد ان نقل طاولة الطباعة المتحركة الى مكتبها , فوقفت للحظة الى جانب السخان كي تدفئ اصابعها وتساءلت كيف كانت ستصمد لو علقت هنا بمفردها وليس هناك من تعتمد عليه ؟
فتح باب الغرفة واغلق بسرعه فرافق دخول براندت تيار من الهواء البارد رمقت جوان الطبق الذي بين يديه بفضول .
- لا نستطيع الحصول على القهوة من دون تيار كهربائي , ولكن سنتناول هذه اللفائف الحلوة والعصير بعد ان تذوب .فقد جلبتها من الكفتيريا .
عبست جوان اتجهت نحو طاولتها ثم عبثت باحد الجوارير بحثا عن مشط .
- ليتك لم تأت على ذكر القهوة , فانا لا استطيع ان اصحو ابدا قبل ان اتناول اول فنجان قهوة .
تساءل براندت وقد رفع حاجبيه بتهكم :
- انت النموذج الفعال البارد الذي يتحكم بهذا المكتب تقولين ذلك ؟
سقط المشط من يدها ولم تكن قد انتهت بعد من تسريحها لبعض خصلات شعرها الطويل المتشابكة , وخضب الحياة والاحراج وجنتيها باللون الوردي , واوضحت وهي تشعر انها تلميذه مدرسة اكثر منها سكرتيرة كفؤة :
- انا لا اتحكم بالمكتب .
- انك تحمرين خجلا بسهولة , اليس كذلك ؟
فأزداد اللون الاحمر على وجهها :
- اعتقد ان ذلك سببه بشرتي البيضاء .
حافظت على تحميل رأسها عن نظراته المتفحصه فيما بدات تلف شعرها في عقصة واحده مؤخرة عنقها .
امرها بصوت اجش وقطع المسافه الفاصله بينهما حين لم تكن تنظر اليه .
- اتركي شعرك منسدلا .
سحبت اصابعه بعض خصلات شعرها من قبضتها فصدمها قربه المفاجئ منها بشكل منعها من الاعتراض .
- ان شعرك جذاب جدا ولا يجوز اخفاؤه بهذه الطريقة الجافة فهو يصبح مثل خيوط الذهب حين ينسدل .
ردت عليه وكانه يتهمها انها حصلت عليه من قارورة صباغ الشعر :
- انه لون شعري الطبيعي .
فضحك قليلا :
- هذا ما اعتقدته .
قاومت جوان صخب احاسيسها :
- ترك شعري منسدلا ليس امر عملي على الاطلاق . فهو يتدلى دائما امام عيني .
وضع شعرها خلف اذنيها ثم ابتعد عنها قليلا , ثم سألها وكانه غير مقتنع بكلامها :
- كيف يمكنك ان تتأكدي من ذلك وانت لا تتركيه ابدا منسدلا ؟
ردت وهي تهز رأسها وتحرر بقية خصلات شعرها بيأس وترمي الدبابيس فوق الطاولة :
- سوف ترى .
ادركت جوان انها في اللحظة التي استسلمت فيها لإرادته القوية قد ارتكبت خطا لا رجوع عنه.
وجعلها الشعر المنسدل على كتفيها تشعر بأنوثتها وبانها معرضه للهجوم , وهي العواطف التي تحتاج الى تفاديها كي لا تقع تماما تحت تأثير قوة جاذبيته .
لقد تصدع الحاجز الغير مرئي الذي يفصل بينهما ليلة امس عندما استلقت بين ذراعيه , واصبحت بحاجه ماسة الى استرجاع دفاعاتها.
تجاهلته عن تعمد طيلة ساعات الصباح وتشاغلت عنه بترتيب الملفات الموضوعه فوق مكتبها . نجحت بتجنبه في الظاهر اما في داخلها كانت تقيّم كل تحركاته التي يقوم بها وهو منكب على الخرائط الزرقاء المبسوطه امامه على طاولى الرسم الهندسي .
قطع صوته الخفيض الصمت وجعل جوان تستدير نحوه بحده :
- انني جائع , ماذا لدينا على الغداء ؟
بدا ان الاعماق الزرقاء في عينيه تشدها الى دوار من العواطف المتضاربه لهذا الانسجام الغريب الذي تابع انسيابه بينهما لم يدع جوان تتصرف على طبيعتها .
دقت اجراس في رأسها تحذرها من انها ستصبح اسيرة جاذبيته , ولكنها لم تستطع ان تفكر في طريقة تمنع حدوث هذا الامر .
ردت عليه :
- لا اعرف !
ثم ادارت انتباهها الى جوار الملفات وهي مستسلمة لليأس من جراء عجزها .
- سأرى ماذا يوجد في الكافتيريا .
ادركت جوان لاحقا وهي تقضم السندويتش البارد ان هذا التلازم المستعر بينهما هو الذي يسلبها راحة البال , فلا يمكن المحافظة على جو العمل المتحفظ في هذا الموقف .
فقد لاحظت اهتمامه المثير بها ولم يغب عن بالها انه ربما مجرد فضول من براندت الذي يراها الان في وضع مختلف عن تلك التي كانت تختفي خلف قناع الموظفة القادرة .
ولكن اليست تبالغ في تقدير اهتمامه الجديد ؟ وما الضرر اذا تكونت صداقة بينهما ؟ مال الذي يمكن ان تخشاه ؟ اذا بدأ براندت ينظر اليها كامرأة , فهذا لا يعني انه سيغرق في جمالها خاصة وان امرأة مثل انجيلا تكمن في ذاكرته .
قطع صت براندت خيط تخيلاتها :
- سأعطيك قرشا ثمنا لأفكارك .
اعترضت بخجل :
- افكاري لا تستحق ذلك .
- ان أي افكار تسكت امراة مدة 15 دقيقة يجب ان تستحق قرشا على الاقل .
رفعت وجهها ورمقت لون عينيه الازرق الحي :
- اذا كان لابد من معرفة افكاري , فقد كنت اتساءل كم ستطول هذه العاصفة .
- هل بدات تضجرين من وقفتي ؟
ردت بقسوة غير قادرة على محاكاة ثبات صوته :
- ليس بقدر ما بدات انت بالضجر مني .
هز كتفيه العريضتين بوقار :
- على العكس تماما , وفي الحقيقة استغرب كيف استطاعت فتاة جذابة مثلك تجنب الزواج .
- لنقل ان الزواج هو الذي تجنبني .
ابتسم ساخرا :
- اذا انت لست امراة عملية , وهذا يعني اني سأضطر في يوم ما للبحث عن سكتيرة اخرى مع انني قد بدات اعتاد عليك .
فأجابت بنبرة حاده :
- لكنني لم اقدم استقالتي بعد يا سيد براندت .
فأبتسم ابتسامه خبيثة :
- كنت ليلة امس براندت فقط . من المؤكد انه يوجد شخص مميز في حياتك , اليس هذا صحيحا ؟ او هل تريدين ان اصدق انك ترتدين الملابس المثيرة فقط لزيارة خالة عانس ؟
خدش هذا الكرم كبرياءها , ولكنها تماكلت نفسها وحبست دموعها التي كادت تنهمر فهي لاتستطيع ان تخبره عن عطلات الاسبوع الخالية ولا عن العدد الذي لا يحصى من الليالي التي امضتها وحيده .
وعادت اليها ذكرى ما قالته في الاسبوع الفائت عندما افصحت ان لا وقت لديها في عطل الاسبوع لنها تخرج دائما . يبدو ان الاكاذيب البيضاء من أي نوع كانت , تقود الى مشاكل شديدة التعقيد .
- انني لا اعرف اذا ...
تمنت جوان الا تغرق نفسها في بحر من الاكاذيب , كما تمنت ان يسامحها ايد الذي لجات للاختباء تحت اسمه وقالت :
- .... كنت تعتبر ايد شخصا ممييزا , فانا معجبة به .
فأشار تمايل رأس الى اهتمام قليل:
- هل تعرفينه منذ مدة طويلة ؟
كانت اصابعها تضغط بعصبية الجزء المتبقي من سندويشها :
- كلا انه شقيق خطيب صديقتي التي تشاركني السكن .
- هل صديقتك هي الانسة مورلاند التي تعمل في قسم الكومبيوتر ؟
- نعم . هذا صحيح .
- هل ستحضرين ايد الى حفلة عيد الميلاد ؟
فاجاها سؤاله فردت بأرتباك :
- حسنا , انه يقيم في مدينة كليفلاند في الواقع .
- لا شك ان علاقتكما جديه ليتكلف عناء السفر ذهابا وايابا كي يراك .
فأضافت هي تنهض محاولة لإنهاء الحديث :
- ويرى شقيقه ايضا .
اطلق الكرسيي الدوار صريرا مرتفعا وكانه يحتج على حركتها المفاجئة .
مشى براندت نحو الكرسي وهزه مرارا الى الوراء والامام:
- يحتاج هذا الكرسي الى تزييت .
اجابته بحده :
- قد يكون مظهري اشبه بالنساء الامازونيات . ولكن هذا الكرسي ثقيل الوزن ولا استطيع قلبه رأسا على عقب كي اعرف اين يحتاج الى التزييت .
كادت ان تخترقها نظراته التي اوحت بقوة غضبه الكامن , فأمالت ذقنها متحديه فيما كانت تبتلع لعابها بصعوبة . كانت جوان تعني حجم جسمها الكبير منذ ايام المراهقة عندما اصبحت اكثر طولا من جميع الصبيان في صفها .
ضاقت عيناه فيما كان يتفحصها :
- هل كنت حساسة دائما بالنسبة لطول قامتك ؟
اجابت بعصبية :
- انه امر لا استطيع تجاهله .
امال براندت رأسه مستفهما :
- لماذا تحلم الفتيات القصيرات القامه دائما بان يكن اكثر طولا والفتيات الطويلات بان يكن صغيرات الحجم ؟
- انها طبيعة البشر , فهم يرغبون بما لا يستطيعون الحصول عليه ,ولكنني تقبلت نفسي كما انا .
- اذا كفي عن التبريرات فانت شقراء طويلة وجميلة .
بدا من خلال مديحه وكانه يتهمها بالتواضع الكاذب فأرجعت رأسها بعصبية وردت بقسوة:
- يا سيد ليون , لا يمكنك ان تتوقع مني ان اصدقك ! فخلال السنوات الـ3 التي عملت بها عندك لم الفت انتباهك الى اكثر من كوني سكرتيرتك .
- لا تلومي نفسك , لقد رفعت حولك لافتات كتب عليها بخط عريض "لا تقدم على التحرش" ولم توحي لي يوما تصرفاتك العملية الصارمة والمتزمته بانك تريدين ان يعاملك احد كامرأة . بالاضافة الى اني اتبع دائما القاعده التي تقول لا تمزج ابدا بين العمل واللهو , فأنا لا اريد ان تتشابك حياتي الخاصة مع عملي .
شعرت بالوخز الشديد في عامودها الفقري من جراء كلامه الواضح والدقيق . لم يعد هنالك شك عند جوان بانه صادق بكلامه .
ان براندت يعتبرها امراة جذابة , وفي الوقت نفسه اوضح انه لن يريدها ابدا اكثر من سكرتيرة ويجب ان تتقبل وتتفهم موقفة .
اشاحت بنظرها عن وجهه , وخالت ان فمها تحرك ليقاوم خروج الكلام .
- اني اوافقك الرأي تماما
سمعت تنهيده سخط ثقيلة اتت من الخلف وسمعت بجهد همسة ساخرة :
- احقا ما تقولين ؟
ازاحت شعرها الطويل جانبا ورمقته بطرف عينيها وقد رسم عبوس الحيرة تجاعيد على جبينها . كان يدير ظهره لها فيما كان يميل الكرسي الى الوراء ثم يقلبه رأسا على عقب سألها :
- هل لديك هنا زيت لكافة الاستعمالات ؟
اجبر صوته اللامبالي جوان على الاستناتج بان سؤاله السابق كان خدعه من مخيلتها التي اصبحت اسيرة رجولته .
- في جارور الطاولة في الوسط .
بدات جوان تصنف ملفات الخزانه فيما كان براندت يعمل على تزييت الكرسي الدوار .
جعلها انشغال بالها اقل دقة في عملها , ففي اللحظة التي فكت بها اصابعها قفل الجارور وبدات بسحبه اخذ الجارور العلوي غير المغلق جيدا بالانزلاق الى الامام فأصدرت الخزانة صوتا اشبه بالحشرجه تحت ثقل الجوارير الثلاث المفتوحة ,
مدت يدها من دون فائدة لتحاول منع سقوطها , وقد نجحت لثانية فقط في الابقاء عليها في منتصف الطريق .
ثم سندتها ذراعين قويتين وارجعت الخزانه الى مكانها واغلقت الجوارير المفتوحه . شعرت بالصدمة عندما ادركت ان الخزانه كانت على وشك السقوط عليها وانبعثت في اطرافها المرتجفه موجه من الخوف كما شعرت بضعف غير معقول في ركبتيها اللتين لم تقويا على حملها , فامسكت بكتفيها الذراعان القويتان اللتان انقذتاها من قبل .
بدا على وجه براندت الاهتمام الصادق وهو ينحني عليه :
- هل انت على ما يرام ياجوان ؟
فركت حاجبها بيد مرتجفه واجابت بصوت غير ثابت :
- نعم , على ما اعتقد .
غطت الغشاوة عينيها وهي تنظر الى ازرار قميصه فيما تمايلت نحوه في غير وعي .
- لقد ... لقد حدث كل شيء بسرعه .
فاجابها وفي صوته الاجش نبرة من الغضب :
لماذا حاولت وقفها عن السقوط ؟ كان يجب ان تتركيها تقع وبعدئذ تقلقين بشان ترتيب المكان بدلا من ان تخاطري وتؤذي نفسك .
- لم افكر في ذلك .
كانت ضحكته الخافته اشبه بتنهيدة اشفاق فيما كان يضمها الى صدره لإعطائها الاطمئنان .
- ايتها الصغيرة البلهاء والسخيفة , لم لا تتوخين الحيطة والحذر ؟ لقد عرفت دائما ان هذا الوحش المعدني سينقلب ضدك في يوم ما .
ابتسمت جوان بضعف وهي تضع وجهها على قميصه , وقد خفف من روعها مزاحه الخفيف . احست وهي من دون حراك بنبضات قلبه تحت يدها , وشعرت ان وجهه يتحرك خلال شعرها الذهبي والحريري.
حذرتها انفاسها بانها يجب ان تتحرر من هذا العناق مهما بدا ذلك بريئا , ولكن الاحساس المنعش بالنعيم كان امرا لم تعرفه من قبل.
- هل انت متاكده انك لم تتأذي ؟
هز صوته الهادئ والحنون اعماق قلبها فخطر لها ان تدعي اصابة ما , ولكنها افهمت نفسها بتعقل انها غير مصابة . تصلبت يداها على صدره ودفعت نفسها بعيدا عنه ,على الاقل قدر ما سمحت به يداه المحيطتان بها .
ابتسمت بعصبية وهي تحاول ان تطمئنه :
- انا حقا على ما يرام .
لم تكن تراه بوضوح عن قرب من دون نظاراتها ومع ذلك كانت هناك هالة حوله جعلتها تفكر بأنه رجل بكل معنى الكلمة ولديه خبرة في الحياة اكثر منها .
ازاح براندت خصلات شعرها الطويلة التي انسدلت على وجهها وقال لها متاملا :
- يعجبني العطر الذي تضعينه , انه يناسبك .
اجابته بهمس وهي تشعر بالاحراج , لنها احتارت كيف ستتعامل مع ملاحظاته الحميمه والعابرة :
- انا .. انا لا اضع أي عطر .
- احقا ما تقولين ؟
احنى وجهه جانب رقبتها :
- اذا انها رائحة شعرك النظيف .
ثم هز كتفيه وافلتها , وافقته الرأي وهي تشيح بنظرها بعيدا كي لا يرى الحيرة االمؤلمة التي لمعت في عينها , ثم ارجعت شعرها الطويل الى ما وراء رأسها .
- انا ... اعتقد ذلك .. لقد غسلته بالشامبو ليلة الخميس الفائت .
لو تفوه ايد او أي رجل اخر تعرفه بهكذا ملاحظة لكانت ضحكت منها ولكنها استاءت من براندت عندما تلفظ بها .
عاد براندت بخطوات قوية الى حيث طاولتها والكرسي المقلوب :
- من الان وصاعدا , من الافضل لك ان تفتحي جارورا واحدا من هذا الوحش المعدني في كل مرة .
ارسل الغضب الذي شعرت به موجه من الحرارة الى وجهها :
- لم اتعمد فعل ذلك قبلا !
فاستدار نحوها ببطء وتفحصها بتمعن مربك :
- لم اقل ذلك ابدا ياجوان .
اضاف استعماله لأسمها الاول بصورة هادئة . وهو الذي كان يلفظه بسرعه في لحظة اهتمام , جنونا على اعصابها الثائرة , وملأتها تبرئته الموبخة قليلا بعصبية اعيتها
تلعثمت بسبب حرجها :
- انا .. كنت اعي .
رد براندت عليها وكانه يتسلى بها :
- اني اعرف تماما ماذا تعنين , واعرف متى تختلق المراة حيلة لتجعلني اضمها بين ذراعي .
لم يكن هنالك الا القليل لترد به على هذا الكلام من دون ان تورط نفسها اكثر , وشعرت وهي تستدير لتستأنف عملها انها اصغر من عود ثقاب واقل فائدة منه.
*******
عثر براندت في زاوية صغيرة في خزانة الفناجين على علبة شمع واضاء اربعه منها فوقتهما هذه الشعلات من الظلام الدامس المحيط بهما في الغرفة .
لم يكن النور المنبعث منها يكفي للقيام باي عمل ولكنها ساعدتهما على تمييز وجبتهما المكونه من السندويشات والرقائق التي اصبحت طعاما بلا نكهة .
جلس براندت خلف مكتبها ومال الى الوراء الكرسي الدوار الذي لم يعد يحدث صريرا , فيما كانت جوان تدخن السيجارة التي اعطاها اياها وتظهر عدم خبرة في التدخين .
كانت اعصابها ماتزال مشدودة بسبب المواجهة التي حدثت بينهما بعد الظهر وقد قبلت منه السيجارة كي تشغل يديها المرتجفتين بشيء ما .
جالت نظراته على وجهها , ولم تفته الطريقة التي تجنبت بها التقاء نظراتهما .
- اخبريني عن عائلتك يا جوان , هل تقيم هنا في شيكاغو ؟
كان يتكلم ليقطع الصمت الذي دل على عدم شعورها بالراحة . كان تبادل الحديث ضروريا , على الاقل لإبعادها عن الشرود بأفكارها فربما تجعلها الاجابة عن اسئلة تصمد في مواجهة التاثير الذي يحدثه عليها .
- كلا فوالدي يقيمان في قرية صغيرة تبعد 140 كم من هنا . لدي اخ اكبر مني يخدم في الجيش في المانيا ولدي اخ اصغر مني في السنة الاخيرة من المرحلة الثانوية . اما شقيقتي الصغرى فهي في سنتها الدراسية الاولى وكلاهما يقيم مع اهلي في البيت .
- ماذا يعمل والدك ؟
فابتسمت له بتردد :
- يملك هو وامي دكان بقالة صغيرة , وجين وبوب اخي واختي يساعدانهما بعد المدرسة وفي العطل الاسبوعية .
انحنى الى الامام ليطفئ سيجارته وكانت نظراته مركزه على وجهها :
- يبدو لي ان حياتكم العائلية مستقرة ودافئة . انت لا تبدين من النوع الذي يتوق الى حياة الاثارة في المدن الكلبرى . ما الذي اتى بك الى شيكاغو ؟
- كي ادخل معهد السكرتيريا , وبما انني لم اجد عملا في بلدتي بعد ان تخرجت من المعهد بقيت هنا .
- هنا ستشعرين بالوحده دون العائلة والاصدقاء .
قالت بصورة دفاعية وهي التي طالما ذاقت طعم الوحده :
- لقد عقدت عددا لا بأس به من الصداقات وازور عائلتي مرة في الشهر .
مال براندت في جلسته الى الوراء وعلت وجهه ابتسامة صفراء .
- اعتقد اني تعودت ان اكون بالقرب من والدي , لقد قابلت امي أليس كذلك ؟
- نعم قابلتها .
وتذكرت تلك المرأة الطويلة الممتلئة التي دخلت عليها المكتب في ذات يوم , كانت نسخة ثانية عن ابنها . لم تكن جذابة لكنها مهيبة وقد تصرفت معها بود وحرارة .
اكمل كلامه وكأنه يتحدث الى نفسه :
- والدي طبيب متقاعد , ويعمل في الغالب كمستشار ولكنه لن يترك ابدا ممارسة الطب بصورة كاملة , انه يحب عمله كثيرا .
- كنت اعتقد انه هو الذي انشأ شركة ليون للمقاولات .
- لقد انشأها عمي الذي توفي منذ بضع سنوات , اشتغلت معه خلال العطل الصيفية عندما كنت يافعا ثم دخلت الجامعه ودرست الهندسة والبناء وانضممت الى الشركة بعد التخرج .
اثار بدارندت فضولها بصورة واضحة لمعرفة المزيد عن حياته الخاصة .
- هل عندك اخوة او اخوات ؟
- شقيقتي فنيتيا التي اختارت مهنة ابي واصبحت طبيبة وعندها عيادتها في ولاية اريزونا .
- الم تتزوج ؟
شعرت ببريق حزن دفين ينبعث من اعماق عينيه فيما كان يرمقها :
- كلا انها مستوحده مثلي . ألن تعلقي على الوحده التي تجلبها حياة العزوبية ؟
تمتمت جوان :
- لا أستطبع أن أرمي الحجارة وأنا أقيم في بيت من زجاج .
- إلا تريدين الزواج والإستقرار وإنشاء عائلة ؟
تململت في جلستها وهي تشعر بعدم الأرتياح :
- بلى ، ولكن قراري ينتظر مجيء الرجل المناسب .
- ألم تلتقي به بعد ؟ ماذا عن أيد الذي ذكرته سابقاً ؟
أشارت حركة رأسها الجانبية إلى ترددها في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة مما جعل
براندت يبتسم وكأنه يرثي لحالها ؟
- لقد تدخلت في خصوصياتك أكثر من اللازم ، أليس كذلك ؟
فأنا نفسي لا أرغب بالإجابة على مثل هذا السؤال الخاص ، أنت .. أنت
لا تبدين تماماً مثل امرأة واقعة في الحب ، ولاتملكين ذلك الإشعاع الناعم الذي يرافق عادة عوارض الحب .
حاولت أن تضحك لملاحظاته الماكرة .
- أنت تتكلم عن الحب وكأنه مرض.
- إنه كذلك في بعض الأوجة ، كفقدان الشهية للأكل والتململ المتواصل
ووجع الرأس السخيف وألم الشكوك .
قفزت إلى مخيلتها صورة الشقراء التي تدعى إنجيلا فوراً وأحست
بالصداع السخيف الذي ذكره براندت .
- يبدو أنك تعرف ما هو الحب .
ابتسم إبتسامة باهتة ونهض ثم سار نحو النافذة الجانبية ونظر إلى الزجاج المغطى بالصقيع .
- معرفة سطحية فقط ، يبدو أن الرياح قد خفت ، ربما تنتهي العاصفة.
حدقت جوان بكتفيه العريضتين وخصره النحيل .وتساءلت كيف سيكو ن الحال
عندما تنتهي العاصفة ؟ هل سيعود ويناديها بالآنسة سومرز؟
أم ستكون معرفتهما ببعضهما قد تطورت ووصلت إلى نقطة تجعل من المستحيل العودة إلى مستوى التعامل الرسمي المتحفظ ؟
كانت تخشى أن يحدث ذلك ، وفي الواقع كانت تخاف من عواطفها التي وصلت إلى درجة لن تستطيع من بعدها التحكم بها .
قالت وهي تتصنع السرور وتنظر إلى السخان الرابض في منتصف الغرفة :
- على الأقل سنمضي ليلة دافئة .
- كلا ، ليس من هذا السخان .
أتت إجابته بالنفي هادئة ولم تكن متأكدة من أنها فهمت ما قاله ، فسألت بصوت مرتعش : ماذا ؟
مال إلى جانبه مما جعل ضوء الشموع ينير وجهه جزئياً
الثلج الاسود- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : يمني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 27054
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
اموت في حبك- Vip
- جنسية العضو : غير معروف
الأوسمة :
عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 10/09/2014
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر