المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 467 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 467 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90182 مساهمة في هذا المنتدى في 31160 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
الثلج الأسود 9
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الثلج الأسود 9
دخل براندت إلى المكتب وهي تكاد تنهي الرسالة الثامنة فقال لها بصوت منخفض وهادئ :
-هل أنت جاهزة ؟
توقفت أصابعها برهة ثم تابعت الطباعة وردت عليه من دون أن ترفع رأسها عن دفتر الرسائل .
-سأنتهي بعد دقيقة .
عندما انتهت من طباعة الرسالة ووضعتها مع نسخة الكربون في ملف الرسائل الجاهزة كان براندت قد أصبح إلى جانبها وبين يديه معطفها الذي أحضره من غرفة مكتبه ، انفتحت جروحها ثانية وهي تجده مستعجلا للتخلص منها ، ولكن نظرة سريعة إلى وجهه القاسي لم تسفر عن رؤية تعابير عدم الصبر التي توقعت أن تراها . وبينما كانت ترتدي المعطف وقف صامتا واضعا يديه في جيبي سترته وعينيه لا تعبران عن شيء .
أخذها بدون استعجال إلى سيارته المتوقفة أمام المبنى وكان المحرك شغالا ، وعندما جلست في السيارة أحست أنها ستتجمد لشدة البرد .
استدار براندت نحو الشارع وسألها : أين تسكنين ؟
فأعطته جوان العنوان وأسندت ظهرها إلى المقعد واستمرت بالنظر إلى الأمام بثبات . كان ممكن في ظروف أخرى أن تتمتع بهذه المناظر المكسوة بالثلج الأبيض والشوارع تحولت إلى ملعب شتوي ساحر كان الثلج متكوما على مساحات من الشارع وكان ما يزال هناك مجازفة في قيادة السيارة على الرغم من عمل الجرافات ، ولكن اليدين النحيلتين اللتين كانتا وراء المقود قادتا السيارة قاطعة الثلاث كيلو مترات إلى بيت جوان بكل خبرة ودون أي حادثة .
غطى الثلج الرصيف الممتد أمام المبنى القرميدي القديم . وأعطى عدم وجود آثار أقدام على الثلج بأن لا أحد غامر وخرج من بيته هذا الصباح . تمتمت جوان في سرها وهي تفتح باب السيارة لو حذرها حدسها بارتداء حذاء الثلج الجمعة الفائت ، لأن الغوص في هذه التلال سيكون أمرا مزعجا .
خرج براندت من السيارة ووصل إليها قبل أن يطأ نعل حذائها الأنيق الثلج ويغوص فيه . نظرت إليه بدهشة لأنها توقعت أن ينزلها بكل بساطة ويتركها تشق طريقها إلى بيتها بسهولة .
ظهرت على جانبي فمه ابتسامة صفراء عندما قالت بردة فعل سريعة : أنزلني .
وفي هذه الأثناء قطع المسافة القصيرة بين حافة الرصيف ومدخل البناية بخطوات واسعة .
-لا حاجة بك لأن تتركي قدميك تتجلدان في هذا الثلج .
اعترضت جوان ولكنهما كانا قد وصلا إلى باب البناية ، فأنزلها براندت من بين يديه وفي الوقت ذاته دفع الباب الخشبي .
-إني ثقيلة الوزن .
تجولت نظراته عليها دون أن تظهر عليه أي مشاعر وأجابها :
-أنت طويلة القامة ولست من الوزن الثقيل .
رفض نبضها أن يعود إلى وتيرته الطبيعية ، وهي التي لم تكد تعتقد أنها استعادت السيطرة على أحاسيسها حتى وجدت نفسها مستندة إلى ذلك الصدر الصلب ، فضاعت ثانية فوقف أمامها بهدوء . وعيناه الزرقاوان لا تنمان عن شيء ، وظهره إلى الدرج الذي يقود إلى شقتها الواقعة في الطابق الثاني . فاحنت رأسها لتخفي ملامح الحيرة التي انطبعت على وجهها .
قال لها :
- لست مضطرة إلى الذهاب إلى المكتب صباح غد .
فتصلبت جوان وشمخت برأسها وأجابته ببرود :
- لن أقبل معاملة مميزة يا سيد ليون لأني ولظروف قاهرة احتجزت في المكتب طوال فترة نهاية الأسبوع . سوف أكون في المكتب كالمعتاد الساعة الثامنة .
فقطب حاجبيه وظهر عليه عدم الاهتمام :
- مثلما تريدين يا آنسة سومرز ، يوم سعيد .
تذكرت جوان بعد فوات الأوان ، وفيما كان باب البناية الخارجي ينطبق خلفه ، أنها لم تقل كلمة واحدة تشكره فيها على توصيله إلى منزلها ، فعلى الرغم من كل شيء فإن براندت يستحق نوعا من التقدير والاعتبار .
-يا إلهي يكاد الصقيع يسيل من صوتك .
جاءها صوت كاي المنفعل والمندهش من أعلى الدرج .
-خاصة بعد الطريقة التي حملك بها إلى الباب أيضا .
وجوابا على نظرات جوان المتسائلة بدهشة عن معنى كلام كاي المرتدية ثوبا منزليا والواقفة على الدرج .
-كنت أراقبكما من النافذة ، كان مسيطرا على الوضع تماما .
أجابت جوان وقد تشنجت قليلا :
-لقد فعل ذلك لأني لم أكن مرتدية حذاء الثلج ، ولأن الثلج لم يزل عن الأرصفة .
لم ينزع توضيح جوان الابتسامة الخبيثة عن فم كاي وفيما كانت تقفز السلم بسرعة وتتجاوز صديقتها ، كان سيل من الأسئلة على وشك أن ينطلق كانت تحتاج إلى تحويل هذا الانتباه حتى يتسنى لها أن تتمالك نفسها بعد أن شتتها اللحظات التي حملتها فيها ذراعي براندت .
وسألتها وهي تفتح الباب على مصراعيه وتدخل الشقة :
-هل القهوة على النار يا كاي ؟ لم أحظ بفنجان واحد منذ أن انقطت الكهرباء ليلة الجمعة .
رددت كاي خلفها وهي تندفع إلى المطبخ الملحق بغرفة الجلوس ،" انقطع التيار الكهربائي " ، وبينما كانت جوان تخلع معطفها وحذائها قالت كاي :
-لم أكن أعرف أن التيار الكهربائي انقطع لقد سمعت أنه انقطع في بعض المناطق في المدينة ولكني لم أتخيل أبدا أنك أمضيت كل ذلك الوقت في المكتب بدون كهرباء ، يا للسماء لا شك أن الليالي كانت طويلة جدا !!
استدارت كاي فيما كانت تصب القهوة لجوان ، وقد اتسعت عيناها البنيتان ببريق خاطف وفتحت فمها مندهشة ومستغربة ، ثم اندفعت نحو الكنبة وهي تحمل فنجان القهوة .
-كيف أدفئتما أنفسكما فالسخان لا يعمل من دون التيار الكهربائي .... هل اضطررت أنت والسيد ليون أن تتعانقا حتى تدفآ أنفسكما ؟ أوه لا شك أن ذلك كان أمرا رائعا ألهاذا تصرفت ببرود نحوه ؟ .. هل حاول التحرش بك ؟
احمرت وجنتا جوان غصبا عنها :
-تمهلي يا كاي أولا كلانا كان معه معطفه الشتوي الذي يقيه من البرد .
لم تنكر تماما ما ظنته صديقتها ولم توضح أنهما تشاركا كلا المعطفين معا .
-وثانيا عثر السيد ليون على (( وكادت تقول براندت )) مدفأة صغيرة في عنبر المعدات .
نظرت كاي باستخفاف وتنهدت :
-هذا سخيف ... إنه ليس رومنسيا كنت اعتقد أنكما على الأقل أصبحتما تخاطبان كل منكما الآخر بالاسم الأول بعد أن أمضيتما نهاية الأسبوع برمتها معا .
شدت جوان أصابعها على فنجان القهوة ثم وضعته على الطاولة أمامها .
-أشعر أن هذه الملابس قد التصقت بجسمي بعد أن بقيت بداخلها لثلاثة أيام تقريبا . سآخذ حماما كي أستعيد حيويتي
ثم نهضت بسرعة وهي لا ترغب بإعطاء سرها لصديقتها ولا تريد لهذا الاستجواب من كاي أن يستمر لمدة أطول .
أعاد صباح يوم الإثنين أجواء العمل الصارمة بين جوان وبراندت لم يمزقها بنظراته الباردة المزعجة ولم ولم يكن مزاجه معكرا بفعل الغضب . بل عاملها بلا مبلاة ودية كشأنه في السابق وهذا ما جعل من السهل على جوان العودة إلى وتيرة العمل السابقة .
كانت عاصفة نهاية الأسبوع محور الحديث بين جميع من في الشركة ، وكان كل واحد منهم يقص على الآخرين ما حدث له وأين وكيف حجزته العاصفة والصعوبات التي عانوا منها في الوصول إلى منازلهم ، وشكرت جوان ربها لأن مكتبها معزول عن بقية الموظفين ، الأمر الذي وفر عليها أن تقص حكايتها بدون كذب . وقد وافقت كاي بكل لطف على عدم إفشاء هذه الحكاية لأنها تعرف جيدا كيف ستتحول القصة من دون رحمة على ألسنة الموظفين إلى فضيحة ..
كانت الساعة تقارب الظهيرة عندما خرج براندت من مكتبه إليها ليطلب بعض الملفات من الخزانة وفيما كانت جوان تناوله هذه الملفات دخل لايل باينز مكتبها وابتسامة مرحة مرسومة على وجهه وقال :
-أنا اعتذر عن تأخيري يا براندت ولكن جرافات الثلج لم تصل إلى الشارع الذي أقيم فيه إلى هذا الصباح لقد كانت عاصفة من الدرجة الأولى ، أتمنى أن يكون كلاكما قد وصل إلى منزله بسلام .
هز براندت رأسه مبادرا بالتحية ثم أخذ ملفا وبدأ بتفحص محتوياته ورفع رأسه لبرهة قصيرة بعد أن أنهى لايل باينز كلامه وأجاب متكاسلا وعينيه تلمعان بتركيز :
-في الحقيقة ، لقد حجزتنا العاصفة أنا والآنسة سومرز هنا حتى صباح يوم الأحد .
ثم استدار ليعود إلى مكتبه ، شهق لايل باينز بشدة وقد أخذته الدهشة ، وحول نظراته المتسائلة فورا إلى جوان .
-لا أصدق ما تقول !
كان ظاهرا على ملامح وجهها الاستياء من براندت الذي نطق بكل خفة بما كانت تجهد للاحتفاظ به سرا ، ولم تشك أن ذلك سينتشر بسرعة في كل الشركة .
توقف براندت قليلا على عتبة الباب :
-تعال إلى مكتبي يا لايل ، لقد توفر لي الوقت خلال عطلة الأسبوع لدراسة خرائط مركز بارك وود التسويقي وأريد أن أراجعها معك قبل أن تبدأ بوضع الأسعار .
عادت جوان بسرعة إلى مقعدها وهي تتجنب نظرات لايل باينز المتسائلة فيما كان يطيع ببطء صوت رئيسه الهادئ والمهيمن ، ولم تستطع أن تسترخي حتى أغلق باب مكتبه خلفهما .
لم تتعرض جوان إلى نتائج زلة لسان براندت حتى صباح اليوم التالي . فقد ساد الصمت فورا وتحولت العيون نحوها عندما دخلت مع كاي الكافيتيريا وقت الغداء ، ثم سمعت تبادل الهمسات والضحكات الخافتة ، استطاعت جوان أن تحافظ على تماسكها بسهولة لأنها كانت تعرف أن أي ردة فعل منها ستزيد الطين بلة وتعزز تكهنات زملائها .
كان من الطبيعي أن تدافع كاي عن صديقتها بملء الفم عندما وصلت الاشاعات إلى مسامعها ، تأكدت جوان أن براندت لم يسمع أبدا ما يقال عنهما . فلا أحد يجرؤ أن يحمل هذه القصص إلى عرين الأسد ، وهذا يشملها أيضا لأنها أرادت أن تتجنب أي إهانات أخرى تصدر عنه .
توقفت الثرثرة خلال الأسبوع لعدم وجود ما يدعمها ويعززها ، وسرت جوان لأنها احتفظت بالصمت والبرود خلال ذلك فموقفها عالج التعليقات اللاذعة بلا مبالاة .
وعندما تجلاأ بعضهم على سؤالها مباشرة عن كيفية تمضيتهما لذلك الوقت ، أجابتهم بأنهما عملا ، وكان ذلك صحيحا . وزاد من صدقية
كلامها التصرف المهني والفعال الذي تميزت به .
هنأت جوان نفسها ظهر يوم الجمعة ، على أن الأسبوع مر على خير . مع أنه لم يكن سهلا عليها ، لأنها كانت تشعر بالتمزق في بعض الأوقات .
كان يحدث في بعض المرات أن تلامس يد براندت يدها بالصدفة عندما يتبادلان الملفات والوثائق وتشعر بموجة من الدفء تجتاحها بفعل ذلك . وفي بعض الأوقات حينما كان يقوم بالتوقيع على الرسائل التي طبعتها ، يصبح في إمكانها التمعن في شعره البني الكثيف وأطرافه المتجعدة خلف عنقه والوجه القوي القسمات ، مما أيقظ فيها مشاعر الحب والعاطفة .
همت جوان بعد أن تجاوز الوقت الرابعة بعد الظهر يوم الجمعة بترتيب الملفات والأوراق المنتشرة على مكتبها استعدادا لعطلة نهاية الأسبوع ، كان ترتيب الأوراق والمراسلات مهمة استنفذت معظم الوقت وقد ابتسمت عندما مر موظف من قسم المحاسبة وأعطاها شيكا براتبها الأسبوعي .
وفتحت جوان المغلف الذي يحوي شيكها وأخذته لتضعه داخل حقيبة يدها ، بدا وكأن المبلغ المكتوب داخل الشيك يقفز أمام عينيها فتصلبت منذهلة . لقد كان المبلغ المكتوب ضعفي ما يجب أن يكون عليه .
لم تستطع جوان إلا التحديق فيه وقد اعترتها الحيرة ، ثم أخذ الغضب يتملكها ببطء . لم يكن عندها أي شك أن براندت هو الذي أمر بذلك كي يريح ضميره ، فقد دفع لها أكثر كي يحرر نفسه من الشعور بالذنب .
ارتجفت أصابعها الممسكة بالشيك بفعل الغضب ، فنهضت عن مقعدها بخفة ومشت نحو الباب الموصل إلى مكتب براندت . رد على طرقتها القوية على الباب فورا " ادخلي " وجه نظره إليها كي يعرف من الطارق ثم التفت نحو الأوراق الملقاة أمامه .
-ما الذي تريدين يا آنسة سومرز؟
كان الغضب يتملكها بحيث لم تستطع الكلام ، ولم تساعد نبرة صوته اللامبالية على تهدئة غضبها المتصاعد ، وهي تقترب من طاولته وتضع أمامه الشيك . نظر إلى الشيك ثم دفعه إليها باستخفاف ومن دون أن ينظر إليها .
قال لها وكأنها جلبت له الشيك ليتأكد منه :
-هذا الشيك لك .
ردت جوان بعصبية :
-أعلم أن الشيك صدر باسمي ولكن المبلغ غير مطابق ، أريدك أن تتصل بدائرة المحاسبة وتتطلب منهم أن يكتبوا لي شيكا آخر براتبي المعتاد .
جعله الغضب الذي بدا من نبرة صوتها يرفع رأسه ، وتمعن بوجهها متفحصا بدون انفعال ورأى الشرر المتطاير من عينيها البنيتين ، فضاقت عيناه وتقلصت أساريره :
-هذا هو المبلغ الصحيح . لقد عملت ساعات إضافية في عطلة الأسبوع الماضي ولو كان ذلك تطوعا منك .
ارتجف صوتها من شدة غيظها وردت :
-لا أنوي أن أقبل أي مبلغ مقابل عملي في عطلة الأسبوع الفائت ، مهما كانت الحجة التي ستأتي بها يا سيد ليون .!
انتصب براندت من مقعده وأجابها بنفس الحدة بينما بقيت عيناه باردتين كالصقيع .
-أنا لن آتي بأية حجة .لقد عملت ساعات طويلة ليلة الجمعة والسبت وأنجزت أعمالا للشركة ، لو لم تعملي أي شيء لما دفعت لك أي مبلغ إضافي ، وهذا المبلغ هو تعويض عن العمل الذي قمت به .
لو لم يكن كبرياء جوان قد هيمن عليها لقبلت حجته ، ولكنها لم تستطع قبولها في حالتها الحاضرة .
-أنا لا أصدق ما تقول ، ولن أقبل منك مالا لأنك ندمت ........
-هذا يكفي !
أوقف هذا الأمر ثورة غضبها بسرعة وهدوء قاطع ، وأشار انقباض أساريره إلى إمكانية تطور ثورة غضبه إلا حدود لا تحمد عقباها .
-إذا كنت لا ترغبين في قبول حجتي فهذا شأنك ، ولكن المبلغ المسطر على الشيك هو لك وما تفعلين به هو أمر يخصك وحدك ردت عليه وقد هزها الغضب :
-سزف أريك ما أفعل به .
التقطت الشيك عن الطاولة بسرعة وخفة ثم مزقته قطعا صغيرة ، واستدارت بقوة لتخرج من الباب والدموع منهمرة من عينيها.
كانت على وشك الوصول إلى الباب عندما أمسكتها ذراع قوية وأدارتها .
حاولت جوان جوان أن تقاوم لتخلص نفسها من القبضة الحديدية التي أمسكت برسغها ولكن من دون جدوى .
صرخ بها براندت معنفا :
-جوان ! بي رغبة أن أجعلك تعيدي جمع قطع الشيك وتلصقينها بالشريط اللاصق !
أرجعت رأسها إلى الوراء فرأت في عينيه استعدادا للمعركة .وبسبب قربه منها تضاربت مشاعرها ، فأمسكت أنفاسها وقد روعها طول قامته . وكان الاستياء والغضب قد ظهرا عل تقاسيم وجهه بوضوح .
فتنفست بعصبية وردت بكبرياء :
-لن ينفعك ذلك لأني ببساطة سأمزق الشيك ثانية .
راقب براندت الاحمرار الذي صبغ وجنتيها بسرعة :
-تعتقدين أن المبلغ الإضافي هو نوع من التقدير لما حدث بيننا ليلة السبت. لقد وجدتك جذابة وتصرفت على هذا النحو .
لم تستطع جوان النظر إلى عينيه وردت عله بصوت مخنوق :
-إذا لا تجعلني أشعر بأني رخيصة ولا تصرف لي مبلغا إضافيا .
رد براندت بقوة :
-لقد أخبرتك . هذا المبلغ هو تعويض للخدمات الإدارية التي قمت بها بعد دوام العمل الرسمي ، وأنا لست معتادا على الدفع مقابل ملذاتي .
زمت شفتيها بقوة في محاولة لإخفاء شعورها بالخزي . اختفى الاحمرار من خديها وشحب وجهها بصورة غير طبيعية .
تنهد براندت :
-لم يكن يجدر بي أن أقول ذلك ، أرجو أن تقبلي اعتذاري ياجوان .
هزن يدها بضعف لتبعد عنها هذه الملاحظات اللاذعة .
-أرجوك اتصل بدائرة المحاسبة واطلب منهم تسطير شيك جديد براتبي المعتاد .
وخفت قبضته على رسغها وأصبحت أقل قسوة ولكن براندت لم يفلتها . عوضا عن ذلك عاد إلى جانب طاولته وهو يكاد يجرها خلفه .
وقف إلى جانب الكرسي الموجود أمام طاولته وطلب من جوان أن تجلس عليه ثم قال موفقا .
-سوف اتصل بدائرة المحاسبة.
شعرت جوان أن قواها قد خارت وارتجفت ركبتيها عنما أفلتتها يد ،فغرقت في الكرسي تلبية لطلبه وقد أصابتها الدهشة لانصياعه غير المتوقع لرغبتها ، لم يكن براندت ليون بالرجل الذي يتراجع عن موقف يتخذه ، راقبته ، واعية لضربات قلبها السريعة . وهو يطلب أرقام هاتف دائرة الحسابات والرواتب .
حدق إليها بنظرة جوفاء وكأنه يريد أن يتأكد من أنها لا تزال موجودة قبل أن يتحدث . وقال في صوت أمر وهادىء .
-كونالي ؟ معك براندت ليون . فقد مزقت الآنسة سومرز الشيك براتبها عن إهمال . اسحب شيكا آخر باسمها واجلبه لي كي أوقعه .
توقف براندت عن الحديث قليلا ونظر خلال ذلك إلى جوانالتي كانت ممسكة بأنفاسها بفعل نظراته المسمرة ، ثم أكمل حديثه مشددا .
تماما بالمبلغ ذاته الذي سطر على الشيك السابق .
ظهر استياؤها فورا وقد لاحظت أنه خدعها وجعلها تصدق أنه وافق على طلبها . قفزت على قدميها وخرجت من الغرفة بدون استئذان ، لم تضع وقتا في ترتيب طاولتها فالتقت حقيبة يدها واندفعت إلى حيث علق معطفها . كان تمد يدها إلى أكرة الباب الذي يوصل إلى الردهة الخارجية عندما ظهر براندت على عتبة باب غرفته ، وطالبها بلطف :
-جوان ارجعي إلى هنا !
رمقته بنظرة ملؤها الغضب.
-سوف أغادر العمل باكرا اليوم ، لا تنسى أن تحسم هذا اوقت من راتبي الأسبوع القادم .
خرجت من الباب وأغلقته خلفها بقوة ، وكان تهكمها الأخير ما يزال يرن في هواء الغرفة .
على الرغم من اطمئنانها أن براندت لن يلاحقها عبر الردهات ، إلى أنها استمرت تسرع الخطى نحو الباب الخارجي . نظرت خلفها بقلق وهي تخرج من المبنى بسرعة ، لم يكن هناك من أحد غير موظفة الاستقبال التي اعتراها الفضول . وصلت إلى محطة الباصات في ذلك الوقت الذي توقف فيه الباص فأسرعت بالصعود إليه .
وصلت كاي إلى الشقة بعد ساعة ونصف من وصول جوان ، لأنها توقفت في طريقها لتصرف الشيك الذي استلمته براتبها وتشتري بذلة كانت قد دفعت عربونا عليها منذ فترة ، ولهذا لم تفاجأ تماما عنما وجدت أن جوان قد سبقتها إلى البيت .
رمت كاي بنفسها وبالأغراض التي تحملها على الصوفا ، وقالت:
-شكرا ها هو يوم الجمعة أخيرا . . . لا أعرف تماما سبب هذا الإحساس بالارتياح ، سيأتي جون بعد ساعة كي نذهب لحضور السينما ويجب أن أستيقظ باكرا في الصباح كي أذهب معه إلى المطار لملاقاة أيد . أتريدين الذهاب معنا .
-اعتقد أني سأذهب
وافقت جوان وهي غير متحمسة تماما لوصول أيد ، مع أنها كانت تتشوق لرؤيته سابقا واستدارت مبتعدة عن كاي بسرعة قبل أن تلاحظ ترددها وأخذت تحضر طاولة الطعام للعشاء .
-لقد سخنت طبقة اليخنة وباستطاعتنا أن نأكل متى تشائين .
تنهدت كاي مستنكرة وانتصبت في جلستها
-يخنة ! ليت باستطاعتنا تحمل تكاليف شرائح اللحم . اتمنى لو كان باستطاعة جون تحمل تكاليف تناول اللحم في مطعم . ولكنه للأسف لا يستطيع ، فلنكتف باليخنة ، سوف آكل ثم استحم .
على الرغم من تعليقلتها المستنكرة ، أكلت كاي كل ما في طبق اليخنة ، والتهمت السلطة التي حضرتها جوان . بعد ذلك ساعدت كاي جوان على تنظيف المائدة ولملمة الصحون ، وعندما انتهت من ترتيب الغرفة ورجعت إلى الحوض لتغسل الصحون خرجت كاي من الحمام وارتدت ملابسها ، ثم سمعت دقا سريعا على الباب فاندفعت خارج غرفة النوم :
قالت بحماس بالغ وهي تهرع نحو الباب :
-لقد وصل جون ولم انتهي بعد من تمشيط شعري .
فابتسمت جوان وهي تدير رأسها نحوها :
-لن يمانع بانتظارك بضع دقائق .
سمعت جوان كاي تفتح الباب ولكنها لم تلتفت إلا عندما سمعت صديقتها تقول بنفس متقطع :
-أوه....أهلا
-هل الآنسة سومرز هنا ؟
انذهلت جوان عندما سمعت صوت براندت ليون وأحست بموجة مجنونة من الحرارة تسري في كامل جسمها وتكاد أن تخنقها فحولت انتباهها إلى حوض غسيل الصحون المليء بفقاعات الصابون وكأنها تتظاهر بأنها لم تسمع صوته يتهادى لأسماعها عبر الغرفة .
أجابته كاي وهي ما تزال مندهشة ومذهولة ، وفتحت الباب أكثر لتفسح له المجال للمرور :
-نعم ، بالطبع ! جوان . . . !
أجبرها صوت كاي الميء بالحيرة والفضول على الالتفات ، فتقلص فمها بعصبية ورسم ابتسامة مصطنعة من الدهشة لقدوم براندت . يبدو أن وجوده طغى على الغرفة فبانت أصغر حجما مما هي عليه .
لم يتوقف براندت عند عتبة الباب بل تابع السير وعبر الغرفة ليقف إلى جانبها ، فلم تستطع ملاقاة نظراته المليئة بلهو متهكم .
خرج صوتها رفيعا مرتجفا :
-سيد ليون ما الذي تفعله هنا ؟
همس براندت في أذنها :
-وكأنك لا تعرفين .
شعرت جوان بعدم الارتياح واحمرت وجنتاها وألقت نظرة سريعة على كاي . كانت السمراء الصغيرة الحجم تراقبهما بصمت وذهول ، ولكنها انسحبت بسرعة إلى غرفة النوم بعد تبادلها النظرات مع جوان .
زاد إغلاق الباب من إحساسها بحميمية حضوره وتمنت أن تستدعي كاي لتبقى معها ، استدارت لتواجه الحوض وتعمدت أن تغطس يديها في الماء كي لا يرى ارتجافهما .
انتقل براندت بهدوء إلى جهة الخزائن وأرخى مرفقه على لوحة التنشيف وأسند ظهره إلى الجدار . وبدا أن نظراته تركزت على عروق عنقها النابضة التي كشفت إحساسهابوجوده . جفلت جوان عندما رأت يده ترتفع ولكنها احمرت خجلا عندما وضعها في الجيب الداخلي لسترته غالية الثمن .
كانت نبرات صوته المسلية متهكمة عندما وضع مغلفا فوق لوحة التنشيف .
-لقد نسيت أن تأخذي شيكك بعد الظهر .
بلعت جوان ريقها :
-هل صححته ؟
أجابها براندت بهدوء من يكظم غيظه :
-نعم ... لقد أصدرنا الشيك بالمبلغ الصحيح .
فاتهمته جوان بحدة ولكن بصوت خفيض :
-أنت تعرف تماما ما أعني .
تمعن براندت في وجهها بطريقته اللامبلية والكسولة ، متفحصا كل ملامحها :
-يجب أن تعرفي يا جوان بعد أن عملت عندي ثلاث سنوات أني دائما أحصل على ما أريد .
لوت عنقها بعناد بزاوية حادة ، وعززت من جمال رقبتها :
-ليس في هذا الشأن .
تعمقت الخطوط حول فمه وبدا أن صبره يكاد أن ينفذ :
-لماذا لا تقبلين الشيك بلا من جعله مشكلة كبيرة ؟
استدارت جوان مبتعدة عن براندت سريعا بعد أن سمعت قرعا الباب . ولم تهم وهي ترى كاي تخرج من غرفة النوم لتفتح الباب ، فهي تحتاج ابضع لحظات بعيدا عن حضور براندتالذي يفقدها أعصابها مهما كانت هذه اللحظات قصيرة .
توسلت إلى كاي بعينيها ألا تسارع بالذهاب مع جون ، ولكن جون على غير عادته ، كان لديه مخططات أخرى وأصر على كاي أن يذهبا فورا كي لا تفوتهم بداية الفلم ، ولم يفت براندت رؤيتها ترتبك عندما غادر جون وكاي وبقيا بمفردهما .
خلع براندت معطفه في الوقت الذي كانت فيه جوان تركز انتباهها على كاي وجون . جعلت قامته وأناقته أنفاس جوان تتقطع ، وجعلت ثياب السهرة التي يرتديها من الصعب على جوان أن تدمج بين صورة هذا الغريب الواقف أمامها مع صورة صورة الرجل الذي تعمل عنده يوميا .
استفهم منها بخفة :
-ألا تخرجين للسهرة هذا المساء ؟
ضرب سؤاله وترا حساسا :
-ألا يبدو لك الأمر واضحا ؟
وأشارت جوان إلى قميصها القديم الذي استغنى أخاها عنه وإلى سروالها الجينز الضيق ، وقد شعرت أن ثيابها غير لائقة نسبة إلى ثيابه :
-بهذه الملابس لا يمكنني الخروج في موعد مع أحد .
-من الصعب التكهن بهذا نسبة لما ترتديه الفتيات هذه الأيام
ولكن انتقاده رد إليه بالمثل ك
-أنا متأكدة أن النساء اللواتي يخرجن معك انيقات مثلك .
لم يعد براندت متكئا على حافة الحوض بل أصبح بعيدا عنها بعدة أمتار فتجاوزته وهي تعود إلى الصحون المتكدسة في الحوض ، وسألته بتهكم لاذع :
- من هي سعيدة الحظ الليلة ؟ أهي الشقراء التي تشبه لعبة صينية والتي رأيتها معك منذ عدة أسابيع ؟
أرجع رأسه إلى الوراء ولمعت عيناه بنظرات راقصة :
-الأفضلية لك ! أنت تتحدثين عن أنجيلا على ما اعتقد وهي لا تشبه لعبة صينية . والتي يمكن تشبيهها باللعبة الصينية لسوء الحظ لم أخرج معها بعد .
فانتفضت وردت عليه :
-لا يمكن اعتبار ذلك سوء حظ لأنك ترفض مزج العمل مع اللهو .
علا العبوس وجهه فجأة وأدركت أنها تخطت حدودها فوضعت يدها على شعرها وأرجعت خصلة ذهبية اللون إلى مكانها وهزت كتفيها وكأنها تعتذر :
-لقد تكلمت خارج إطار الحديث ، لا تدعني أؤخرك . لا شك أنك متشوق للقاء من وعدتها بالخروج .
رد عليها براندت وهي يحدق إليها بضيق :
-ليس من السهل إلهائي عن سبب وجودي في شقتك يا جوان ، ماذا ستفعلين بشأن الشيك ؟
وافقت جوان بانزعاج :
-اعتقد أني يجب أن أقبله .
-هل أنت جاهزة ؟
توقفت أصابعها برهة ثم تابعت الطباعة وردت عليه من دون أن ترفع رأسها عن دفتر الرسائل .
-سأنتهي بعد دقيقة .
عندما انتهت من طباعة الرسالة ووضعتها مع نسخة الكربون في ملف الرسائل الجاهزة كان براندت قد أصبح إلى جانبها وبين يديه معطفها الذي أحضره من غرفة مكتبه ، انفتحت جروحها ثانية وهي تجده مستعجلا للتخلص منها ، ولكن نظرة سريعة إلى وجهه القاسي لم تسفر عن رؤية تعابير عدم الصبر التي توقعت أن تراها . وبينما كانت ترتدي المعطف وقف صامتا واضعا يديه في جيبي سترته وعينيه لا تعبران عن شيء .
أخذها بدون استعجال إلى سيارته المتوقفة أمام المبنى وكان المحرك شغالا ، وعندما جلست في السيارة أحست أنها ستتجمد لشدة البرد .
استدار براندت نحو الشارع وسألها : أين تسكنين ؟
فأعطته جوان العنوان وأسندت ظهرها إلى المقعد واستمرت بالنظر إلى الأمام بثبات . كان ممكن في ظروف أخرى أن تتمتع بهذه المناظر المكسوة بالثلج الأبيض والشوارع تحولت إلى ملعب شتوي ساحر كان الثلج متكوما على مساحات من الشارع وكان ما يزال هناك مجازفة في قيادة السيارة على الرغم من عمل الجرافات ، ولكن اليدين النحيلتين اللتين كانتا وراء المقود قادتا السيارة قاطعة الثلاث كيلو مترات إلى بيت جوان بكل خبرة ودون أي حادثة .
غطى الثلج الرصيف الممتد أمام المبنى القرميدي القديم . وأعطى عدم وجود آثار أقدام على الثلج بأن لا أحد غامر وخرج من بيته هذا الصباح . تمتمت جوان في سرها وهي تفتح باب السيارة لو حذرها حدسها بارتداء حذاء الثلج الجمعة الفائت ، لأن الغوص في هذه التلال سيكون أمرا مزعجا .
خرج براندت من السيارة ووصل إليها قبل أن يطأ نعل حذائها الأنيق الثلج ويغوص فيه . نظرت إليه بدهشة لأنها توقعت أن ينزلها بكل بساطة ويتركها تشق طريقها إلى بيتها بسهولة .
ظهرت على جانبي فمه ابتسامة صفراء عندما قالت بردة فعل سريعة : أنزلني .
وفي هذه الأثناء قطع المسافة القصيرة بين حافة الرصيف ومدخل البناية بخطوات واسعة .
-لا حاجة بك لأن تتركي قدميك تتجلدان في هذا الثلج .
اعترضت جوان ولكنهما كانا قد وصلا إلى باب البناية ، فأنزلها براندت من بين يديه وفي الوقت ذاته دفع الباب الخشبي .
-إني ثقيلة الوزن .
تجولت نظراته عليها دون أن تظهر عليه أي مشاعر وأجابها :
-أنت طويلة القامة ولست من الوزن الثقيل .
رفض نبضها أن يعود إلى وتيرته الطبيعية ، وهي التي لم تكد تعتقد أنها استعادت السيطرة على أحاسيسها حتى وجدت نفسها مستندة إلى ذلك الصدر الصلب ، فضاعت ثانية فوقف أمامها بهدوء . وعيناه الزرقاوان لا تنمان عن شيء ، وظهره إلى الدرج الذي يقود إلى شقتها الواقعة في الطابق الثاني . فاحنت رأسها لتخفي ملامح الحيرة التي انطبعت على وجهها .
قال لها :
- لست مضطرة إلى الذهاب إلى المكتب صباح غد .
فتصلبت جوان وشمخت برأسها وأجابته ببرود :
- لن أقبل معاملة مميزة يا سيد ليون لأني ولظروف قاهرة احتجزت في المكتب طوال فترة نهاية الأسبوع . سوف أكون في المكتب كالمعتاد الساعة الثامنة .
فقطب حاجبيه وظهر عليه عدم الاهتمام :
- مثلما تريدين يا آنسة سومرز ، يوم سعيد .
تذكرت جوان بعد فوات الأوان ، وفيما كان باب البناية الخارجي ينطبق خلفه ، أنها لم تقل كلمة واحدة تشكره فيها على توصيله إلى منزلها ، فعلى الرغم من كل شيء فإن براندت يستحق نوعا من التقدير والاعتبار .
-يا إلهي يكاد الصقيع يسيل من صوتك .
جاءها صوت كاي المنفعل والمندهش من أعلى الدرج .
-خاصة بعد الطريقة التي حملك بها إلى الباب أيضا .
وجوابا على نظرات جوان المتسائلة بدهشة عن معنى كلام كاي المرتدية ثوبا منزليا والواقفة على الدرج .
-كنت أراقبكما من النافذة ، كان مسيطرا على الوضع تماما .
أجابت جوان وقد تشنجت قليلا :
-لقد فعل ذلك لأني لم أكن مرتدية حذاء الثلج ، ولأن الثلج لم يزل عن الأرصفة .
لم ينزع توضيح جوان الابتسامة الخبيثة عن فم كاي وفيما كانت تقفز السلم بسرعة وتتجاوز صديقتها ، كان سيل من الأسئلة على وشك أن ينطلق كانت تحتاج إلى تحويل هذا الانتباه حتى يتسنى لها أن تتمالك نفسها بعد أن شتتها اللحظات التي حملتها فيها ذراعي براندت .
وسألتها وهي تفتح الباب على مصراعيه وتدخل الشقة :
-هل القهوة على النار يا كاي ؟ لم أحظ بفنجان واحد منذ أن انقطت الكهرباء ليلة الجمعة .
رددت كاي خلفها وهي تندفع إلى المطبخ الملحق بغرفة الجلوس ،" انقطع التيار الكهربائي " ، وبينما كانت جوان تخلع معطفها وحذائها قالت كاي :
-لم أكن أعرف أن التيار الكهربائي انقطع لقد سمعت أنه انقطع في بعض المناطق في المدينة ولكني لم أتخيل أبدا أنك أمضيت كل ذلك الوقت في المكتب بدون كهرباء ، يا للسماء لا شك أن الليالي كانت طويلة جدا !!
استدارت كاي فيما كانت تصب القهوة لجوان ، وقد اتسعت عيناها البنيتان ببريق خاطف وفتحت فمها مندهشة ومستغربة ، ثم اندفعت نحو الكنبة وهي تحمل فنجان القهوة .
-كيف أدفئتما أنفسكما فالسخان لا يعمل من دون التيار الكهربائي .... هل اضطررت أنت والسيد ليون أن تتعانقا حتى تدفآ أنفسكما ؟ أوه لا شك أن ذلك كان أمرا رائعا ألهاذا تصرفت ببرود نحوه ؟ .. هل حاول التحرش بك ؟
احمرت وجنتا جوان غصبا عنها :
-تمهلي يا كاي أولا كلانا كان معه معطفه الشتوي الذي يقيه من البرد .
لم تنكر تماما ما ظنته صديقتها ولم توضح أنهما تشاركا كلا المعطفين معا .
-وثانيا عثر السيد ليون على (( وكادت تقول براندت )) مدفأة صغيرة في عنبر المعدات .
نظرت كاي باستخفاف وتنهدت :
-هذا سخيف ... إنه ليس رومنسيا كنت اعتقد أنكما على الأقل أصبحتما تخاطبان كل منكما الآخر بالاسم الأول بعد أن أمضيتما نهاية الأسبوع برمتها معا .
شدت جوان أصابعها على فنجان القهوة ثم وضعته على الطاولة أمامها .
-أشعر أن هذه الملابس قد التصقت بجسمي بعد أن بقيت بداخلها لثلاثة أيام تقريبا . سآخذ حماما كي أستعيد حيويتي
ثم نهضت بسرعة وهي لا ترغب بإعطاء سرها لصديقتها ولا تريد لهذا الاستجواب من كاي أن يستمر لمدة أطول .
أعاد صباح يوم الإثنين أجواء العمل الصارمة بين جوان وبراندت لم يمزقها بنظراته الباردة المزعجة ولم ولم يكن مزاجه معكرا بفعل الغضب . بل عاملها بلا مبلاة ودية كشأنه في السابق وهذا ما جعل من السهل على جوان العودة إلى وتيرة العمل السابقة .
كانت عاصفة نهاية الأسبوع محور الحديث بين جميع من في الشركة ، وكان كل واحد منهم يقص على الآخرين ما حدث له وأين وكيف حجزته العاصفة والصعوبات التي عانوا منها في الوصول إلى منازلهم ، وشكرت جوان ربها لأن مكتبها معزول عن بقية الموظفين ، الأمر الذي وفر عليها أن تقص حكايتها بدون كذب . وقد وافقت كاي بكل لطف على عدم إفشاء هذه الحكاية لأنها تعرف جيدا كيف ستتحول القصة من دون رحمة على ألسنة الموظفين إلى فضيحة ..
كانت الساعة تقارب الظهيرة عندما خرج براندت من مكتبه إليها ليطلب بعض الملفات من الخزانة وفيما كانت جوان تناوله هذه الملفات دخل لايل باينز مكتبها وابتسامة مرحة مرسومة على وجهه وقال :
-أنا اعتذر عن تأخيري يا براندت ولكن جرافات الثلج لم تصل إلى الشارع الذي أقيم فيه إلى هذا الصباح لقد كانت عاصفة من الدرجة الأولى ، أتمنى أن يكون كلاكما قد وصل إلى منزله بسلام .
هز براندت رأسه مبادرا بالتحية ثم أخذ ملفا وبدأ بتفحص محتوياته ورفع رأسه لبرهة قصيرة بعد أن أنهى لايل باينز كلامه وأجاب متكاسلا وعينيه تلمعان بتركيز :
-في الحقيقة ، لقد حجزتنا العاصفة أنا والآنسة سومرز هنا حتى صباح يوم الأحد .
ثم استدار ليعود إلى مكتبه ، شهق لايل باينز بشدة وقد أخذته الدهشة ، وحول نظراته المتسائلة فورا إلى جوان .
-لا أصدق ما تقول !
كان ظاهرا على ملامح وجهها الاستياء من براندت الذي نطق بكل خفة بما كانت تجهد للاحتفاظ به سرا ، ولم تشك أن ذلك سينتشر بسرعة في كل الشركة .
توقف براندت قليلا على عتبة الباب :
-تعال إلى مكتبي يا لايل ، لقد توفر لي الوقت خلال عطلة الأسبوع لدراسة خرائط مركز بارك وود التسويقي وأريد أن أراجعها معك قبل أن تبدأ بوضع الأسعار .
عادت جوان بسرعة إلى مقعدها وهي تتجنب نظرات لايل باينز المتسائلة فيما كان يطيع ببطء صوت رئيسه الهادئ والمهيمن ، ولم تستطع أن تسترخي حتى أغلق باب مكتبه خلفهما .
لم تتعرض جوان إلى نتائج زلة لسان براندت حتى صباح اليوم التالي . فقد ساد الصمت فورا وتحولت العيون نحوها عندما دخلت مع كاي الكافيتيريا وقت الغداء ، ثم سمعت تبادل الهمسات والضحكات الخافتة ، استطاعت جوان أن تحافظ على تماسكها بسهولة لأنها كانت تعرف أن أي ردة فعل منها ستزيد الطين بلة وتعزز تكهنات زملائها .
كان من الطبيعي أن تدافع كاي عن صديقتها بملء الفم عندما وصلت الاشاعات إلى مسامعها ، تأكدت جوان أن براندت لم يسمع أبدا ما يقال عنهما . فلا أحد يجرؤ أن يحمل هذه القصص إلى عرين الأسد ، وهذا يشملها أيضا لأنها أرادت أن تتجنب أي إهانات أخرى تصدر عنه .
توقفت الثرثرة خلال الأسبوع لعدم وجود ما يدعمها ويعززها ، وسرت جوان لأنها احتفظت بالصمت والبرود خلال ذلك فموقفها عالج التعليقات اللاذعة بلا مبالاة .
وعندما تجلاأ بعضهم على سؤالها مباشرة عن كيفية تمضيتهما لذلك الوقت ، أجابتهم بأنهما عملا ، وكان ذلك صحيحا . وزاد من صدقية
كلامها التصرف المهني والفعال الذي تميزت به .
هنأت جوان نفسها ظهر يوم الجمعة ، على أن الأسبوع مر على خير . مع أنه لم يكن سهلا عليها ، لأنها كانت تشعر بالتمزق في بعض الأوقات .
كان يحدث في بعض المرات أن تلامس يد براندت يدها بالصدفة عندما يتبادلان الملفات والوثائق وتشعر بموجة من الدفء تجتاحها بفعل ذلك . وفي بعض الأوقات حينما كان يقوم بالتوقيع على الرسائل التي طبعتها ، يصبح في إمكانها التمعن في شعره البني الكثيف وأطرافه المتجعدة خلف عنقه والوجه القوي القسمات ، مما أيقظ فيها مشاعر الحب والعاطفة .
همت جوان بعد أن تجاوز الوقت الرابعة بعد الظهر يوم الجمعة بترتيب الملفات والأوراق المنتشرة على مكتبها استعدادا لعطلة نهاية الأسبوع ، كان ترتيب الأوراق والمراسلات مهمة استنفذت معظم الوقت وقد ابتسمت عندما مر موظف من قسم المحاسبة وأعطاها شيكا براتبها الأسبوعي .
وفتحت جوان المغلف الذي يحوي شيكها وأخذته لتضعه داخل حقيبة يدها ، بدا وكأن المبلغ المكتوب داخل الشيك يقفز أمام عينيها فتصلبت منذهلة . لقد كان المبلغ المكتوب ضعفي ما يجب أن يكون عليه .
لم تستطع جوان إلا التحديق فيه وقد اعترتها الحيرة ، ثم أخذ الغضب يتملكها ببطء . لم يكن عندها أي شك أن براندت هو الذي أمر بذلك كي يريح ضميره ، فقد دفع لها أكثر كي يحرر نفسه من الشعور بالذنب .
ارتجفت أصابعها الممسكة بالشيك بفعل الغضب ، فنهضت عن مقعدها بخفة ومشت نحو الباب الموصل إلى مكتب براندت . رد على طرقتها القوية على الباب فورا " ادخلي " وجه نظره إليها كي يعرف من الطارق ثم التفت نحو الأوراق الملقاة أمامه .
-ما الذي تريدين يا آنسة سومرز؟
كان الغضب يتملكها بحيث لم تستطع الكلام ، ولم تساعد نبرة صوته اللامبالية على تهدئة غضبها المتصاعد ، وهي تقترب من طاولته وتضع أمامه الشيك . نظر إلى الشيك ثم دفعه إليها باستخفاف ومن دون أن ينظر إليها .
قال لها وكأنها جلبت له الشيك ليتأكد منه :
-هذا الشيك لك .
ردت جوان بعصبية :
-أعلم أن الشيك صدر باسمي ولكن المبلغ غير مطابق ، أريدك أن تتصل بدائرة المحاسبة وتتطلب منهم أن يكتبوا لي شيكا آخر براتبي المعتاد .
جعله الغضب الذي بدا من نبرة صوتها يرفع رأسه ، وتمعن بوجهها متفحصا بدون انفعال ورأى الشرر المتطاير من عينيها البنيتين ، فضاقت عيناه وتقلصت أساريره :
-هذا هو المبلغ الصحيح . لقد عملت ساعات إضافية في عطلة الأسبوع الماضي ولو كان ذلك تطوعا منك .
ارتجف صوتها من شدة غيظها وردت :
-لا أنوي أن أقبل أي مبلغ مقابل عملي في عطلة الأسبوع الفائت ، مهما كانت الحجة التي ستأتي بها يا سيد ليون .!
انتصب براندت من مقعده وأجابها بنفس الحدة بينما بقيت عيناه باردتين كالصقيع .
-أنا لن آتي بأية حجة .لقد عملت ساعات طويلة ليلة الجمعة والسبت وأنجزت أعمالا للشركة ، لو لم تعملي أي شيء لما دفعت لك أي مبلغ إضافي ، وهذا المبلغ هو تعويض عن العمل الذي قمت به .
لو لم يكن كبرياء جوان قد هيمن عليها لقبلت حجته ، ولكنها لم تستطع قبولها في حالتها الحاضرة .
-أنا لا أصدق ما تقول ، ولن أقبل منك مالا لأنك ندمت ........
-هذا يكفي !
أوقف هذا الأمر ثورة غضبها بسرعة وهدوء قاطع ، وأشار انقباض أساريره إلى إمكانية تطور ثورة غضبه إلا حدود لا تحمد عقباها .
-إذا كنت لا ترغبين في قبول حجتي فهذا شأنك ، ولكن المبلغ المسطر على الشيك هو لك وما تفعلين به هو أمر يخصك وحدك ردت عليه وقد هزها الغضب :
-سزف أريك ما أفعل به .
التقطت الشيك عن الطاولة بسرعة وخفة ثم مزقته قطعا صغيرة ، واستدارت بقوة لتخرج من الباب والدموع منهمرة من عينيها.
كانت على وشك الوصول إلى الباب عندما أمسكتها ذراع قوية وأدارتها .
حاولت جوان جوان أن تقاوم لتخلص نفسها من القبضة الحديدية التي أمسكت برسغها ولكن من دون جدوى .
صرخ بها براندت معنفا :
-جوان ! بي رغبة أن أجعلك تعيدي جمع قطع الشيك وتلصقينها بالشريط اللاصق !
أرجعت رأسها إلى الوراء فرأت في عينيه استعدادا للمعركة .وبسبب قربه منها تضاربت مشاعرها ، فأمسكت أنفاسها وقد روعها طول قامته . وكان الاستياء والغضب قد ظهرا عل تقاسيم وجهه بوضوح .
فتنفست بعصبية وردت بكبرياء :
-لن ينفعك ذلك لأني ببساطة سأمزق الشيك ثانية .
راقب براندت الاحمرار الذي صبغ وجنتيها بسرعة :
-تعتقدين أن المبلغ الإضافي هو نوع من التقدير لما حدث بيننا ليلة السبت. لقد وجدتك جذابة وتصرفت على هذا النحو .
لم تستطع جوان النظر إلى عينيه وردت عله بصوت مخنوق :
-إذا لا تجعلني أشعر بأني رخيصة ولا تصرف لي مبلغا إضافيا .
رد براندت بقوة :
-لقد أخبرتك . هذا المبلغ هو تعويض للخدمات الإدارية التي قمت بها بعد دوام العمل الرسمي ، وأنا لست معتادا على الدفع مقابل ملذاتي .
زمت شفتيها بقوة في محاولة لإخفاء شعورها بالخزي . اختفى الاحمرار من خديها وشحب وجهها بصورة غير طبيعية .
تنهد براندت :
-لم يكن يجدر بي أن أقول ذلك ، أرجو أن تقبلي اعتذاري ياجوان .
هزن يدها بضعف لتبعد عنها هذه الملاحظات اللاذعة .
-أرجوك اتصل بدائرة المحاسبة واطلب منهم تسطير شيك جديد براتبي المعتاد .
وخفت قبضته على رسغها وأصبحت أقل قسوة ولكن براندت لم يفلتها . عوضا عن ذلك عاد إلى جانب طاولته وهو يكاد يجرها خلفه .
وقف إلى جانب الكرسي الموجود أمام طاولته وطلب من جوان أن تجلس عليه ثم قال موفقا .
-سوف اتصل بدائرة المحاسبة.
شعرت جوان أن قواها قد خارت وارتجفت ركبتيها عنما أفلتتها يد ،فغرقت في الكرسي تلبية لطلبه وقد أصابتها الدهشة لانصياعه غير المتوقع لرغبتها ، لم يكن براندت ليون بالرجل الذي يتراجع عن موقف يتخذه ، راقبته ، واعية لضربات قلبها السريعة . وهو يطلب أرقام هاتف دائرة الحسابات والرواتب .
حدق إليها بنظرة جوفاء وكأنه يريد أن يتأكد من أنها لا تزال موجودة قبل أن يتحدث . وقال في صوت أمر وهادىء .
-كونالي ؟ معك براندت ليون . فقد مزقت الآنسة سومرز الشيك براتبها عن إهمال . اسحب شيكا آخر باسمها واجلبه لي كي أوقعه .
توقف براندت عن الحديث قليلا ونظر خلال ذلك إلى جوانالتي كانت ممسكة بأنفاسها بفعل نظراته المسمرة ، ثم أكمل حديثه مشددا .
تماما بالمبلغ ذاته الذي سطر على الشيك السابق .
ظهر استياؤها فورا وقد لاحظت أنه خدعها وجعلها تصدق أنه وافق على طلبها . قفزت على قدميها وخرجت من الغرفة بدون استئذان ، لم تضع وقتا في ترتيب طاولتها فالتقت حقيبة يدها واندفعت إلى حيث علق معطفها . كان تمد يدها إلى أكرة الباب الذي يوصل إلى الردهة الخارجية عندما ظهر براندت على عتبة باب غرفته ، وطالبها بلطف :
-جوان ارجعي إلى هنا !
رمقته بنظرة ملؤها الغضب.
-سوف أغادر العمل باكرا اليوم ، لا تنسى أن تحسم هذا اوقت من راتبي الأسبوع القادم .
خرجت من الباب وأغلقته خلفها بقوة ، وكان تهكمها الأخير ما يزال يرن في هواء الغرفة .
على الرغم من اطمئنانها أن براندت لن يلاحقها عبر الردهات ، إلى أنها استمرت تسرع الخطى نحو الباب الخارجي . نظرت خلفها بقلق وهي تخرج من المبنى بسرعة ، لم يكن هناك من أحد غير موظفة الاستقبال التي اعتراها الفضول . وصلت إلى محطة الباصات في ذلك الوقت الذي توقف فيه الباص فأسرعت بالصعود إليه .
وصلت كاي إلى الشقة بعد ساعة ونصف من وصول جوان ، لأنها توقفت في طريقها لتصرف الشيك الذي استلمته براتبها وتشتري بذلة كانت قد دفعت عربونا عليها منذ فترة ، ولهذا لم تفاجأ تماما عنما وجدت أن جوان قد سبقتها إلى البيت .
رمت كاي بنفسها وبالأغراض التي تحملها على الصوفا ، وقالت:
-شكرا ها هو يوم الجمعة أخيرا . . . لا أعرف تماما سبب هذا الإحساس بالارتياح ، سيأتي جون بعد ساعة كي نذهب لحضور السينما ويجب أن أستيقظ باكرا في الصباح كي أذهب معه إلى المطار لملاقاة أيد . أتريدين الذهاب معنا .
-اعتقد أني سأذهب
وافقت جوان وهي غير متحمسة تماما لوصول أيد ، مع أنها كانت تتشوق لرؤيته سابقا واستدارت مبتعدة عن كاي بسرعة قبل أن تلاحظ ترددها وأخذت تحضر طاولة الطعام للعشاء .
-لقد سخنت طبقة اليخنة وباستطاعتنا أن نأكل متى تشائين .
تنهدت كاي مستنكرة وانتصبت في جلستها
-يخنة ! ليت باستطاعتنا تحمل تكاليف شرائح اللحم . اتمنى لو كان باستطاعة جون تحمل تكاليف تناول اللحم في مطعم . ولكنه للأسف لا يستطيع ، فلنكتف باليخنة ، سوف آكل ثم استحم .
على الرغم من تعليقلتها المستنكرة ، أكلت كاي كل ما في طبق اليخنة ، والتهمت السلطة التي حضرتها جوان . بعد ذلك ساعدت كاي جوان على تنظيف المائدة ولملمة الصحون ، وعندما انتهت من ترتيب الغرفة ورجعت إلى الحوض لتغسل الصحون خرجت كاي من الحمام وارتدت ملابسها ، ثم سمعت دقا سريعا على الباب فاندفعت خارج غرفة النوم :
قالت بحماس بالغ وهي تهرع نحو الباب :
-لقد وصل جون ولم انتهي بعد من تمشيط شعري .
فابتسمت جوان وهي تدير رأسها نحوها :
-لن يمانع بانتظارك بضع دقائق .
سمعت جوان كاي تفتح الباب ولكنها لم تلتفت إلا عندما سمعت صديقتها تقول بنفس متقطع :
-أوه....أهلا
-هل الآنسة سومرز هنا ؟
انذهلت جوان عندما سمعت صوت براندت ليون وأحست بموجة مجنونة من الحرارة تسري في كامل جسمها وتكاد أن تخنقها فحولت انتباهها إلى حوض غسيل الصحون المليء بفقاعات الصابون وكأنها تتظاهر بأنها لم تسمع صوته يتهادى لأسماعها عبر الغرفة .
أجابته كاي وهي ما تزال مندهشة ومذهولة ، وفتحت الباب أكثر لتفسح له المجال للمرور :
-نعم ، بالطبع ! جوان . . . !
أجبرها صوت كاي الميء بالحيرة والفضول على الالتفات ، فتقلص فمها بعصبية ورسم ابتسامة مصطنعة من الدهشة لقدوم براندت . يبدو أن وجوده طغى على الغرفة فبانت أصغر حجما مما هي عليه .
لم يتوقف براندت عند عتبة الباب بل تابع السير وعبر الغرفة ليقف إلى جانبها ، فلم تستطع ملاقاة نظراته المليئة بلهو متهكم .
خرج صوتها رفيعا مرتجفا :
-سيد ليون ما الذي تفعله هنا ؟
همس براندت في أذنها :
-وكأنك لا تعرفين .
شعرت جوان بعدم الارتياح واحمرت وجنتاها وألقت نظرة سريعة على كاي . كانت السمراء الصغيرة الحجم تراقبهما بصمت وذهول ، ولكنها انسحبت بسرعة إلى غرفة النوم بعد تبادلها النظرات مع جوان .
زاد إغلاق الباب من إحساسها بحميمية حضوره وتمنت أن تستدعي كاي لتبقى معها ، استدارت لتواجه الحوض وتعمدت أن تغطس يديها في الماء كي لا يرى ارتجافهما .
انتقل براندت بهدوء إلى جهة الخزائن وأرخى مرفقه على لوحة التنشيف وأسند ظهره إلى الجدار . وبدا أن نظراته تركزت على عروق عنقها النابضة التي كشفت إحساسهابوجوده . جفلت جوان عندما رأت يده ترتفع ولكنها احمرت خجلا عندما وضعها في الجيب الداخلي لسترته غالية الثمن .
كانت نبرات صوته المسلية متهكمة عندما وضع مغلفا فوق لوحة التنشيف .
-لقد نسيت أن تأخذي شيكك بعد الظهر .
بلعت جوان ريقها :
-هل صححته ؟
أجابها براندت بهدوء من يكظم غيظه :
-نعم ... لقد أصدرنا الشيك بالمبلغ الصحيح .
فاتهمته جوان بحدة ولكن بصوت خفيض :
-أنت تعرف تماما ما أعني .
تمعن براندت في وجهها بطريقته اللامبلية والكسولة ، متفحصا كل ملامحها :
-يجب أن تعرفي يا جوان بعد أن عملت عندي ثلاث سنوات أني دائما أحصل على ما أريد .
لوت عنقها بعناد بزاوية حادة ، وعززت من جمال رقبتها :
-ليس في هذا الشأن .
تعمقت الخطوط حول فمه وبدا أن صبره يكاد أن ينفذ :
-لماذا لا تقبلين الشيك بلا من جعله مشكلة كبيرة ؟
استدارت جوان مبتعدة عن براندت سريعا بعد أن سمعت قرعا الباب . ولم تهم وهي ترى كاي تخرج من غرفة النوم لتفتح الباب ، فهي تحتاج ابضع لحظات بعيدا عن حضور براندتالذي يفقدها أعصابها مهما كانت هذه اللحظات قصيرة .
توسلت إلى كاي بعينيها ألا تسارع بالذهاب مع جون ، ولكن جون على غير عادته ، كان لديه مخططات أخرى وأصر على كاي أن يذهبا فورا كي لا تفوتهم بداية الفلم ، ولم يفت براندت رؤيتها ترتبك عندما غادر جون وكاي وبقيا بمفردهما .
خلع براندت معطفه في الوقت الذي كانت فيه جوان تركز انتباهها على كاي وجون . جعلت قامته وأناقته أنفاس جوان تتقطع ، وجعلت ثياب السهرة التي يرتديها من الصعب على جوان أن تدمج بين صورة هذا الغريب الواقف أمامها مع صورة صورة الرجل الذي تعمل عنده يوميا .
استفهم منها بخفة :
-ألا تخرجين للسهرة هذا المساء ؟
ضرب سؤاله وترا حساسا :
-ألا يبدو لك الأمر واضحا ؟
وأشارت جوان إلى قميصها القديم الذي استغنى أخاها عنه وإلى سروالها الجينز الضيق ، وقد شعرت أن ثيابها غير لائقة نسبة إلى ثيابه :
-بهذه الملابس لا يمكنني الخروج في موعد مع أحد .
-من الصعب التكهن بهذا نسبة لما ترتديه الفتيات هذه الأيام
ولكن انتقاده رد إليه بالمثل ك
-أنا متأكدة أن النساء اللواتي يخرجن معك انيقات مثلك .
لم يعد براندت متكئا على حافة الحوض بل أصبح بعيدا عنها بعدة أمتار فتجاوزته وهي تعود إلى الصحون المتكدسة في الحوض ، وسألته بتهكم لاذع :
- من هي سعيدة الحظ الليلة ؟ أهي الشقراء التي تشبه لعبة صينية والتي رأيتها معك منذ عدة أسابيع ؟
أرجع رأسه إلى الوراء ولمعت عيناه بنظرات راقصة :
-الأفضلية لك ! أنت تتحدثين عن أنجيلا على ما اعتقد وهي لا تشبه لعبة صينية . والتي يمكن تشبيهها باللعبة الصينية لسوء الحظ لم أخرج معها بعد .
فانتفضت وردت عليه :
-لا يمكن اعتبار ذلك سوء حظ لأنك ترفض مزج العمل مع اللهو .
علا العبوس وجهه فجأة وأدركت أنها تخطت حدودها فوضعت يدها على شعرها وأرجعت خصلة ذهبية اللون إلى مكانها وهزت كتفيها وكأنها تعتذر :
-لقد تكلمت خارج إطار الحديث ، لا تدعني أؤخرك . لا شك أنك متشوق للقاء من وعدتها بالخروج .
رد عليها براندت وهي يحدق إليها بضيق :
-ليس من السهل إلهائي عن سبب وجودي في شقتك يا جوان ، ماذا ستفعلين بشأن الشيك ؟
وافقت جوان بانزعاج :
-اعتقد أني يجب أن أقبله .
الثلج الاسود- كبار الشخصيات
- جنسية العضو : يمني
الأوسمة :
عدد المساهمات : 27054
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
اموت في حبك- Vip
- جنسية العضو : غير معروف
الأوسمة :
عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 10/09/2014
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:04 pm من طرف جنى بودى
» احسن موقع لمختلف الحجوزات
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:04 pm من طرف مدام ششريهان
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:34 pm من طرف سها ياسر
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
الأحد نوفمبر 17, 2024 1:02 am من طرف جنى بودى
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت نوفمبر 16, 2024 10:32 pm من طرف جنى بودى
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت نوفمبر 16, 2024 12:46 am من طرف جنى بودى
» مسابقة رأس السنة مع 200 فائز
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:25 pm من طرف مدام ششريهان
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:12 pm من طرف جنى بودى
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 12:27 am من طرف جنى بودى
» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:27 pm من طرف سها ياسر